< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیت الله مکارم الشیرازي

32/05/23

بسم الله الرحمن الرحیم

المحاضرة الأخلاقية:

  وَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَفْصٍ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الشَّامِيِّ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام وَ الْبَيْتُ غَاصٌّ بِأَهْلِهِ إِلَى أَنْ قَالَ فَقَالَ يَا شِيعَةَ آلِ مُحَمَّدٍ اعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَمْلِكْ نَفْسَهُ عِنْدَ غَضَبِهِ وَ مَنْ لَمْ يُحْسِنْ صُحْبَةَ مَنْ صَحِبَهُ (وَ مُخَالَقَةَ مَنْ خَالَقَهُ) وَ مُرَافَقَةَ مَنْ رَافَقَهُ وَ مُجَاوَرَةَ مَنْ جَاوَرَهُ وَ مُمَالَحَةَ مَنْ مَالَحَهُ الْحَدِيثَ. [1]

  كلمة "غاص" في قوله "غاص بأهله" مشتقة من غصص أي إمتلأ، يعني أن البيت قد إمتلأ بالحاضرين.

  بما أنّ الإمام في كلمته هذه يخاطب حشداً من الناس لا فرداً واحداً فكلمته جامعة شاملة، و هو علیه السلام يشير إلى ستّة خصال في التعامل مع الناس فيقول من كانت فيه هذه الخصال الستّة فليس منا:

الأولى: عدم إمتلاك النفس عند الغضب، الغضب من الغرائز التى أودعها الله سبحانه في الإنسان لحمايته و لو وُظِّف في الزمان و المكان المناسبين لحماه بأحسن وجه. في الحالة الإعتيادية يمتلك الإنسان عُشر قوته، و لكن قد يقتضي الأمر أن يُعبِّئ الإنسان جميع طاقته و ذلك عندما يغضب، و لذلك ترى الغاضب أحيانا يقوى على مواجهة عدة أشخاص لو كانوا في حالة إعتيادية و كان هو في وضع إستثنائي، و إن وُظف الغضب في غير محله فينتهي بصاحبه إلى خسارة لا تجبر! و كم من الناس غلبهم الغضب و بقوا إلى نهاية حياتهم يعانون من تبعاته، أكثر جرائم القتل تحدث حال الغضب، و إلّا ففي الحالات الإعتيادية لا يرتكب الإنسان جريمة القتل في الغالب، قد شُبّه الغضب في الروايات بالنار التي كل ما تتقدم تلتهم كل ما يقع على طريقها!

الثانية: عدم الوفاء بمستلزمات الصداقة، و هي أن لا يُقدِّر المرأ حق الصداقة و لا يقوم بواجباته حيال هذا الحق.

الثالثة: فقدان الخلق الحسن في التعامل، و المخالقة مشتقة من كلمة الخُلُق، و هو أن يفقد الشخص الخلق الكريم في تعامله مع الآخرين.

الرابعة: إنعدام حسن الرفقة، و هو أن يضيّع الفرد حق الرفقة، و هناك فرق بين الصحبة و الرفقة لأنّ الصحبة قد تكون أكثر دواما و أما الرفقة قد لا تدوم، كما لو ترافق الشخصان في سفر، فعلى الإنسان في هذه الحال أن يحسن سلوكه مع من يرافقه.

الخامسة: سوء التعامل مع الجيران و المجاورين، فعلى الإنسان أن يراعي حق الجوار، و لْيُعلم أنه ليس المقصود من الجيران من جاور بيتك مباشرة بل يعم من كان على مسافة أربعين بيتا من مسكنك- كما ورد في المأثور -حيث يبلغ عدد الدور في هذه الحال نحوا من خمسين ألف دار.

السادسة: عدم الممالحة و عدم عرفان الجميل، و الممالحة من مادة الملح و قد فسر البعض الممالحة بقوله: من نال من زاد أحد و ذاق ملحه، فعليه حينئذ أن يراعي حق الزاد و الملح، و قد ساد هذا السلوك من قديم الأيام بأنه من ذاق ملح الآخرين و تناول زاده، فلم يخنه! و نقرأ في الكتاب العزيز بأنّ الملائكة عندما حلت ضيوفا على أبراهيم بهيئة أنسان أعد لهنّ طعاما و لكن عندما رأى أن أيديهم لا تمتد إليه خافهم و إستقبح فعلهم فتقول الآية: "فَلَمَّا رَأى‌ أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَ أَوْجَسَ مِنْهُمْ خيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى‌ قَوْمِ لُوطٍ". [2]

  و السبب في ذلك هو أنهم لو تناولوا شيئا من الزاد لأحسَّ أبراهيم بالأمن منهم لأجل حرمة الزاد و الملح فلا يلحقوا بصاحب البيت أذاً و لا يخونونه.

  هذه المُثُل قد فقدت رونقها في عالم اليوم الذي تسوده المادة فإن الإسلام منظومة تحتوي علی نظم عملية و عاطفية و أخلاقية، و للأسف أنّ هذه المثل بدأت تفقد بهائها في أوساطنا أيضا فأخذت الأقلام و الكلمات تجف على صعيد الوسائل المقروءة و المرئية و المسموعة حيث تُبثّ من خلالها تعبيرات غير لائقة، ففي مثل هذه الظروف قد يتربّص بنا البعض ليستفزنا و يُغضبنا ويجرُّنا إلى الإنفعال ليصدر منا ما لا يليق، فعلينا أن نعي ذلك و نسعى أنْ نكسب الناس من خلال الخلق الكريم و التعامل الحسن.

البحوث الفقهي:

عنوان البحث: مواقعة النساء قبل المشعر و بعد عرفات

  يدور البحث في المسألة الثانية من مسائل تروك الإحرام و هي مواقعة النساء، قد صور السيد الماتن المسالة في أربعة فروع، و قد حان الوقت لمعالجة الفرع الثاني منها و هو مواقعة النساء قبل الوقوف بالمشعر و بعد الوقوف بعرفات.

  قد إدعى البعض الشهرة بل أنّ بعضهم إدعى الإجماع على أن الحكم في هذا الفرع كسابقه من حيث جريان الأحكام الخمسة فيه، و بما أن الحكم هنا لم يكن إجماعياً قال السيد الماتن: "على الأقوى".

الأقوال: يقول الفاضل الإصفهاني: "لا خلاف فيه إلّا في موضعين: أحدهما: فساد الحجّ، للخلاف في أنّه الفرض أو الثاني، و يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه و تجوّز ابن سعيد فحكم بالفساد و بكونه الفرض و الثاني: تعلّق الأحكام بمن جامع قبل المشعر بعد عرفة فعليه الشيخ و الصدوقان و بنو الجنيد و البراج و حمزة و إدريس و المحقق في النافع و ابن زهرة و السيد في الرسية و الانتصار". [3]

  و قد عبر السيد صاحب الرياض بمثل ذلك فقال: "مدّعيين‌ الإجماع عليه كالشيخ فيما حكي". [4]

  ثم أضاف: "و هو الأظهر؛ لاستفاضة نقل الإجماع عليه، مضافاً إلىٰ الصحاح المستفيضة". [5]

  و يعني بقوله "الأظهر" هو أن الأحكام الخمسة التي جرت في الفرع الأول- و هي: فساد الحج، و كفارة البدنة، و الحج من قابل، و التفريق، و إكمال الحج نسرّيها في الفرع الثاني أيضاً لإستفاضة نقل الإجماع على ذلك.

  و الشيخ في الخلاف قد تطرق لهذا الفرع و نقل آراء الجمهور فقال: "إذ وطأ بعد الوقوف بعرفة‌ و قبل الوقوف بالمشعر". [6]

[1] الوسائل/ مجلد 10 (ط الحديثة). أبواب أحكام العشرة. باب 2. ص 11.

[2] هود (11): 70.

[3] كشف اللثام/ مجلد 6. ص 435.

[4] رياض المسائل/ مجلد 7 (ط الحديثة). ص 393.

[5] المصدر/ ص 394.

[6] الخلاف/ مجلد2. ص 364. مسألة 201.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo