< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیت الله مکارم الشیرازي

32/05/28

بسم الله الرحمن الرحیم

عنوان البحث: حكم مواقعة النساء أثناء الطواف

  ما زال البحث في الصورة الرابعة و هي ما لو واقع الرجل زوجته أثناء طواف النساء. مثاله: لو كان الرجل يؤدي طواف النساء فعرض له عارض إضطره إن يقطع الطواف فعند عودته إلى البيت واقع ثم عاد و أكمل أشواط طوافه فهل عليه كفارة في هذه الحال أم لا؟

في ذلك قولان:

  الأول: و هو المشهور و قد قال به صاحب الجواهر و جمع غفير من الفقهاء و هو أنه ما لم يتم طواف النساء عليه أن يكفّر و أمّا إذا كان بعد طواف النساء فلا شيء عليه.

  و الثاني من القولين: هو أنه لو تجاوز النصف من الطواف فلا كفّارة عليه و هو بحكم الطواف الكامل و إنْ لم يتجاوز النصف فعليه كفارة، و قليل من قال به و منهم السيد الماتن.

دليل القول الأول:

  و هو أنه قبل تمام الطواف لا يزال الشخص محرما و بما أنه قد إرتكب مخالفة فعليه كفارة، زائدا على ذلك أنّ هناك حديثا قد مر في البحث السابق- يفيد أنه ما لم يتم الطواف تترتب الكفارة.

و أما دليل القول الثاني:

  و هو رواية حمران بن أعين:

  "مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ جَمِيعاً عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ رِئَابٍ عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ كَانَ عَلَيْهِ طَوَافُ النِّسَاءِ وَحْدَهُ فَطَافَ مِنْهُ خَمْسَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ غَمَزَهُ بَطْنُهُ فَخَافَ أَنْ يَبْدُرَهُ فَخَرَجَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَنَقَضَ ثُمَّ غَشِيَ جَارِيَتَهُ قَالَ يَغْتَسِلُ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ طَوَافَيْنِ تَمَامَ مَا كَانَ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ طَوَافِهِ وَ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَ لَا يَعُودُ وَ إِنْ كَانَ طَافَ طَوَافَ النِّسَاءِ فَطَافَ مِنْهُ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ خَرَجَ فَغَشِيَ فَقَدْ أَفْسَدَ حَجَّهُ وَ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَ يَغْتَسِلُ ثُمَّ يَعُودُ فَيَطُوفُ أُسْبُوعاً". [1]

الرواية سندا:

  أحمد بن محمد مشترك بين عدة أشخاص و كلهم ثقاة، و سهل بن زياد و إنْ لم تثبت وثاقته و لكن إتيانه في السند لا يضر لأنّ في عرضه أحمد بن محمد الثقة كما أشرنا، و إبن رئاب ثقة، و حمران بن أعين أيضا ثقة، فالسند صحيح و مع ذلك عبر صاحب الجواهر عن الحديث بالخبر مما يومئ إلى تضعيفه بل أنه في نهاية كلامه صرح بتضعيف هذا الحديث فقال: "مع ضعفه"، و لكن الصحيح أنّ الحديث ليس بضعيف و لم نعلم وجه تضعيف صاحب الجواهر له.

و أما متنا:

  إن الإمام عليه السلام قد إكتفى في بيان الحكم بعد خمسة أشواط بقوله: "... و يستغفر الله و لا يعود...".

  و مع أنه كان في مقام البيان لم يأت بذكرٍ للكفارة، علْماً بأن الحكم يتعلق بالعالم دون الجاهل لأن الإمام يقول: "و يستغفر"، و إذا كان جاهلا فلا وجه للإستغفار، و بإلغاء الخصوصية نُعمِّم على كل عدد من الأشواط بعد النصف لأنه لا فرق في عدد الأشواط إذا تجاوز النصف، و لعل السيد الماتن في فتواه قد ألغى الخصوصية، إلا أنّ صاحب الجواهر و المحقق في الشرائع لم يفهما ذلك من الرواية و قالا بما أن الطواف لم يتم ففي هذه الحالة أيضا يكفر.

و يرد عليه:

مع أننا صححنا الرواية سندا، إلا أن في الدلالة إشكالان:

الأول: أن ذيل الحديث الذي أفاد فساد الحج يعارض الإجماع لأنه لم يُفْت أحد بفساد حجه لأن فعله كان بعد المشعر كما قال صاحب الجواهر، إذن قد أعرض الأصحاب عن ذيل الرواية.

الثاني: و عندما يكون في جانب من الحديث إشكال لا يصح الأخذ بالجانب الآخر منه لأن النص الواحد لا يقبل التفكيك، لأن منشأ حجية الخبر الواحد هو بناء العقلاء و العقلاء لا يأخذون بجانب من نص واحد و يدعون جانبا آخر.

  و لذلك لو أن رسالة كانت متناقضة في نصفها فبعضها مثلا ينفي موت زيد و البعض الآخر يثبت موته فإن هذا التناقض يسقط الرواية عن الإعتبار، و كذلك الأمر في ما لو كان نصف الكتاب يتضمن إخطاء فاحشة فإن القارئ يفقد ثقته بالنصف الآخر.

  البعض حاول أن يردّ على الإشكال الأول و تبعا له على الإشكال الثاني بقوله: أن المراد من الإفساد في: "فقد أفسد حجه" هو قلة الثواب فلا يتعارض ذلك مع الإجماع و لا يكون النص متناقضا.

  و لكن هذا الحمل غير صحيح لأنه لا يتماشى مع إستعمال كلمة "أفسد" في الروايات الأخرى.

  و بعض آخر حاول أن يصحح الحكم على القول الثاني بطريق آخر و هو أن الموالات تجب في الأشواط الأربعة الأولى من الطواف و أما في الثلاثة الباقية فلا تجب، كذلك فيما نحن فيه فإن المواقعة إذا كانت قبل النصف -أي في الأشواط الأربعة- فتستلزم الكفارة، و إذا كانت بعدها فلا.

و الجواب:

  لا صلة للموالات بما نحن فيه، فأن المواقعة من تروك الإحرام فما لم يخرج من الإحرام لا يجوز له أن يأتي بذلك، و عليه نحن نرى أن ما ذهب إليه المحقق في الشرائع و صاحب الجواهر في جواهره هو الصحيح و ما ذهب إليه السيد الماتن قابل للنقاش.

بقي هنا شيئان:

الأول: أن السيد الماتن لم يذكر التفريق مع أنه قد ورد فيه أحاديث متضافرة و قد عمل بها الإصحاب.

الثاني: عند ما يفسد الحج و يجب الإتيان بحج من قابل فأي الحجين هو المأمور به و هو الفريضة؟

  ستأتي معالجتهما إن شاء الله في البحث القادم.

[1] الوسائل/ ج 13 (ط الحديثة). أبواب كفارات الإستمتاع. باب 11. ح 1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo