< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیت الله مکارم الشیرازي

32/06/04

بسم الله الرحمن الرحیم

عنوان البحث: هل أن الفريضة هي الحج الأول أو الثاني على فرض المواقعة؟

  كان البحث في المواقعة قبل المشعر حيث قلنا ببطلان حجه و أنّ عليه كفارة و حج من قابل، و السؤال هو: هل أنّ الفريضة هو الحج الذي جاء به أولا و الثاني يُعدّ عقوبة، أم أنّ الفريضة هو الحج الذي يأتي به من قابل، و الحج الأول إنما يجب إتمامه ليخرج من الإحرام؟

  و قد أشرنا إلى ثمرة النزاع و هي أنّه لو مات الحاج بعد إتيانه الحج الأول فلو كان حجه هذا صحيحا فلا يلزم إتيان حج آخر عنه لأنّ الحج الثاني كفارة و الكفارة كما ثبت في محله- لا يلزم أن تستخرج من الثلث، و إن كان الثاني هو الصحيح يلزم أن يحج عنه.

أدلة القائلين بأن الأول هو الحج الصحيح:

و أدلتهم أربعة و الرابع هو العمدة:

الأول: الإستصحاب

  قد قلنا في البحث السابق أن الإستصحاب لا يجري في الشبهات الحكمية بحسب ما نذهب إليه، و يمكن التمسك بالبرائة بدلا عنه لأن الشك هنا في المانع فنشك هل أن مواقعة النساء قبل المشعر مفسدة للحج أم لا؟ نجري البرائة، و مع ذلك فإن هذا الأصل إنما يجري لو لم يكن دليل إجتهادي.

الثاني: إن كانت الفريضة هو الحج الثاني لكانت الإستطاعة شرطا لإتيانه مع أنه لم يذهب أحد إلى أن الإستطاعة شرط في الإتيان هنا، و عليه أن الحج الأول هو الحج الصحيح.

و جوابه: المفروض أنه كان مستطيعا و قد إستقر عليه الحج فلا يلزم أن يكون مستطيعا ثانية.

الثالث: لو كان الثاني هو الفريضة فلِمَ يلزم إتمام الحج الأول؟ إن ذلك يدل على أن الفريضة هي الأول دون الثاني.

و أجيب: بأن لزوم الإتمام من أجل أنه قد أحرم و يلزم أن يخرج من الإحرام و الخروج من الإحرام هنا لا يكون إلا بإتمام الحج لأن إحرامه صحيح و إن قلنا أن الحج فاسد، فوجوب الإتمام لا يدل على صحة الحج الأول.

الرابع: صحيحة زرارة و هي العمدة في المقام:

  "وَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ مُحْرِمٍ غَشِيَ امْرَأَتَهُ وَ هِيَ مُحْرِمَةٌ قَالَ جَاهِلَيْنِ أَوْ عَالِمَيْنِ قُلْتُ أَجِبْنِي فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعاً قَالَ إِنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ اسْتَغْفَرَا رَبَّهُمَا وَ مَضَيَا عَلَى حَجِّهِمَا وَ لَيْسَ عَلَيْهِمَا شَيْ‌ءٌ وَ إِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي أَحْدَثَا فِيهِ وَ عَلَيْهِمَا بَدَنَةٌ وَ عَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ فَإِذَا بَلَغَا الْمَكَانَ الَّذِي أَحْدَثَا فِيهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَقْضِيَا نُسُكَهُمَا وَ يَرْجِعَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَا فِيهِ مَا أَصَابَا قُلْتُ فَأَيُّ الْحَجَّتَيْنِ لَهُمَا قَالَ الْأُولَى الَّتِي أَحْدَثَا فِيهَا مَا أَحْدَثَا وَ الْأُخْرَى عَلَيْهِمَا عُقُوبَةٌ". [1]

  فإن الإمام عليه السلام يقول بصراحة في ذيل الرواية أن الحج المأمور به هو الأول و الثاني هو عقوبة عليه.

أدلة القائلين بفساد الحج الأول:

و قد جمعنا ستة روايات قد يستند إليها لإثبات مدعاهم:

  "مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي الْمَغْرَاءِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ فِي حَدِيثٍ وَ الرَّفَثُ فَسَادُ الْحَجِّ". [2]

  سند الرواية معتبر لأن أبي المغراء و سليمان بن خالد و إن لم يصرح بتوثيقهما إلا أن هناك عبارات من الإمام عليه السلام تدل على جلالة قدرهما فيمكن الإعتماد على ما يرويانه.

و طريقة الإستدلال هو أنه: بما أن الحج الأول فاسد فلا يبقى إلا أن نقول أن الحج الثاني هو الحج الصحيح. و سيأتي الجواب في الردّ على الحديث التالي.

  مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ أَنَّهُ سَأَلَ الصَّادِقَ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ وَاقَعَ امْرَأَتَهُ وَ هُوَ مُحْرِمٌ قَالَ عَلَيْهِ جَزُورٌ كَوْمَاءُ فَقَالَ لَا يَقْدِرُ فَقَالَ يَنْبَغِي لِأَصْحَابِهِ أَنْ يَجْمَعُوا لَهُ وَ لَا يُفْسِدُوا حَجَّهُ". [3]

  و الإستدلال بهذه الرواية هو أن الإمام عليه السلام قال على إصحابه أن يبتاعوا له بدنة لكي لا يفسد حجه، فمع المواقعة و عدم دفع الكفارة يفسد حجه، إذن الحج الثاني هو الصحيح.

و الجواب: هذا الحديث على خلاف المطلوب أدل لأنه لم يقل أحد بأنه لو لم تدفع الكفارة يفسد الحج فلو قلنا بفساد الحج فلابد أن يكون ذلك من ناحية عدم دفع الكفارة، و لذلك نقول لابد من حمل كلمة الفساد على نقصان الثواب فعلى أصحابه أن يساعدوه لكي لا ينقص ثواب حجه.

  "مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ جَمِيعاً عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ رِئَابٍ عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ كَانَ عَلَيْهِ طَوَافُ النِّسَاءِ وَحْدَهُ فَطَافَ مِنْهُ خَمْسَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ غَمَزَهُ بَطْنُهُ فَخَافَ أَنْ يَبْدُرَهُ فَخَرَجَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَنَقَضَ ثُمَّ غَشِيَ جَارِيَتَهُ قَالَ يَغْتَسِلُ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ طَوَافَيْنِ تَمَامَ مَا كَانَ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ طَوَافِهِ وَ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَ لَا يَعُودُ وَ إِنْ كَانَ طَافَ طَوَافَ النِّسَاءِ فَطَافَ مِنْهُ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ خَرَجَ فَغَشِيَ فَقَدْ أَفْسَدَ حَجَّهُ وَ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَ يَغْتَسِلُ ثُمَّ يَعُودُ فَيَطُوفُ أُسْبُوعاً". [4]

  و الشاهد في الرواية هو قوله عليه السلام: "... و إن كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشي فقد أفسد حجه ...".

  فعبارة الإمام عليه السلام صريحة في فساد الحج الأول.

و جوابه: أن المواقعة كانت بعد المشعر فلا تؤدي إلى فساد الحج قطعا و لا يلزم الإتيان بالحج من قابل أصلا و ليس عليه إلا الكفارة و هي البدنة، فالرواية في ظاهرها تتعارض مع الإجماع فهي على خلاف المطلوب أدل و من هنا يلزم أن تحمل الرواية على نقصان الثواب بل تصلح لأن تكون قرينة على حمل الفساد -في الروايات الأخرى- على نقصان الثواب.

  "وَ بِالْإِسْنَادِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَبْدِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ أُسْبُوعاً طَوَافَ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ غَمَزَهُ بَطْنُهُ فَخَرَجَ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ غَشِيَ أَهْلَهُ قَالَ يَغْتَسِلُ ثُمَّ يَعُودُ وَ يَطُوفُ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ وَ يَسْتَغْفِرُ رَبَّهُ وَ لَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ قُلْتُ فَإِنْ كَانَ طَافَ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الْفَرِيضَةِ فَطَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ غَمَزَهُ بَطْنُهُ فَخَرَجَ فَقَضَى حَاجَتَهُ فَغَشِيَ أَهْلَهُ فَقَالَ أَفْسَدَ حَجَّهُ وَ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَ يَغْتَسِلُ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَطُوفُ أُسْبُوعاً ثُمَّ يَسْعَى وَ يَسْتَغْفِرُ رَبَّهُ قُلْتُ كَيْفَ لَمْ تَجْعَلْ عَلَيْهِ حِينَ غَشِيَ أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ سَعْيِهِ كَمَا جَعَلْتَ عَلَيْهِ هَدْياً حِينَ غَشِيَ أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ طَوَافِهِ قَالَ إِنَّ الطَّوَافَ فَرِيضَةٌ وَ فِيهِ صَلَاةٌ وَ السَّعْيَ سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص قُلْتُ أَ لَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ قَالَ بَلَى وَ لَكِنْ قَدْ قَالَ فِيهَا وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ فَلَوْ كَانَ السَّعْيُ فَرِيضَةً لَمْ يَقُلْ وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً". [5]

و الجواب: أن المواقعة في هذه الرواية أيضا بعد المشعر فيأتي الجواب السابق و يجب أن يحمل الفساد هنا أيضا على نقصان الثواب.

  و الدليل الخامس هو رواية المستدرك.

  "فِقْهُ الرِّضَاء عليه السلام الَّذِي يُفْسِدُ الْحَجَّ وَ يُوجِبُ الْحَجَّ مِنْ قَابِلٍ الْجِمَاعُ لِلْمُحْرِمِ فِي الْحَرَمِ إِلَى أَنْ قَالَ فَإِنْ جَامَعْتَ وَ أَنْتَ مُحْرِمٌ فِي الْفَرْجِ فَعَلَيْكَ بَدَنَةٌ وَ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ وَ يَجِبُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ أَهْلِكَ حَتَّى تُؤَدِّيَا الْمَنَاسِكَ ثُمَّ تَجْتَمِعَانِ -فَإِذَا حَجَجْتُمَا مِنْ قَابِلٍ وَ بَلَغْتُمَا الْمَوْضِعَ الَّذِي وَاقَعْتُمَا فُرِّقَ بَيْنَكُمَا حَتَّى تَقْضِيَا الْمَنَاسِكَ ثُمَ‌ تَجْتَمِعَا- فَإِنْ أَخَذْتُمَا عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّذِي كُنْتُمَا أَحْدَثْتُمَا فِيهِ الْعَامَ الْأَوَّلَ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَكُمَا وَ يَلْزَمُ المَرْأَةَ بَدَنَةٌ إِذَا جَامَعَهَا الرَّجُلُ". [6]

  قد ذُكر في أول الرواية الجماع في الحرم، مع أن المسألة لم تقيد بالحرم و لم يقل أحد من الفقهاء أن للحرم دخالة في المسألة، مضافا إلى أن كتاب فقه الرضا عليه السلام مشكوك في إنتسابه إلى الإمام عليه السلام و كثير من الفقهاء يحتمل أن ما جاء في الكتاب هو فتاوى الصدوق بل قال البعض حتى أنه لم يحتوي على مراسيل فضلا عن الروايات المعتبرة.

و الدليل السادس: روايات تقول: "عليه الحج من قابل" و هي تدل بالملازمة على فساد الحج الأول.

زبدة القول: "لا يمكن الإستدلال بهذه الروايات للإشكالات التي أشرنا إليها، و أما رواية زرارة فصحيحة سندا و قوية دلالة و هي تفيد أن الفريضة هي الحج الأول و قد عمل بها الأصحاب، فتتقدم هذه الرواية على ما سواها، و عليه أن الأقوى أن الأول هو الفريضة و الثاني هو العقوبة".

[1] الوسائل/ ج 8 (ط الحديثة 13). أبواب كفارات الإستمتاع. باب 3. ح 9.

[2] المصدر/ ح 8.

[3] المصدر/ ح 13.

[4] المصدر/ باب 11. ح 1.

[5] المصدر/ ح 2.

[6] المستدرك/ ج 9. أبواب كفارات الإستمتاع. باب 3. ح 2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo