< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیت الله مکارم الشیرازي

32/06/12

بسم الله الرحمن الرحیم

عنوان البحث: كفارة إكراه الزوجة و مطاوعتها في الجماع

  وصل بنا البحث في تروك الإحرام إلى المسألة 4:

  "لو جامع امرأته المحرمة فإن أكرهها فلا شي‌ء عليها و عليه كفارتان، و إن طاوعته فعليها كفارة و عليه كفارة".

  لا تعقيد في المسألة و الظاهر أنها إجماعية. و البحث في أنه لو أكره الزوج زوجته على المواقعة فلا شيء عليها و على الزوج كفارتان كفارة عنه و كفارة عنها و هي بدنة، و إذا ما طاوعته فعلى كل واحد منهما كفارة على حدة.

  كان يحسن من السيد الماتن أن يذكر هنا باقي الأحكام الخمسة و هي: الإفساد و الإتمام و الحج من قابل و الإفتراق. و على فرض مطاوعة الزوجة تجري الأحكام الخمسة عليها أيضا.

الأقوال:

قد أدعي الإجماع في فرعي المسألة، يقول المحقق النراقي في ذلك:

  "و أمّا المرأة‌ فأمّا تكون مطاوعة أو مكرهة فإن كانت مطاوعة كانت كالرجل في الأحكام الأربعة المذكورة قلّل الأحكام إلى أربعة لأنه وحّد بين فساد الحج و الحج من قابل- بلا خلاف يوجد، بل حكي الإجماع عليه و الحاكي للإجماع هو السيد صاحب المدارك [1] - و يدلّ عليه في وجوب الإتمام ما دلّ عليه في الرجل و في الأحكام الثلاثة الأخيرة كثير ممّا تقدّم من الأخبار، سيّما في‌ صحيحة ابن عمّار المذكورة في الفرع الثاني بقوله: «فعليها مثل ما عليه» و إن كانت مكرهة فلا شكّ في وجوب الإتمام عليها و لا كفّارة عليها إجماعا نصّا و فتوى، و على الرجل الكفّارتان كذلك، و قد مرّ في الأخبار التصريح به و لا حجّ من قابل أيضا بالإجماع". [2]

يقول المرحوم صاحب الحدائق عن فرض الإكراه:

  "فإنه لا مخالف في الحكم المذكور في ما اعلم. و في المنتهى لم ينقل الخلاف فيه إلا عن العامة". [3]

و في الجواهر أدعي الإجماع على كلا صورتي المطاوعة و الإكراه في عبارة تشبه عبارة الحدائق.

الأدلة:

الأول:

الدليل الأول في عدم الكفارة على الزوجة المكرهة هو البرائة، حتى و إن شككنا أنها مكرهة أو لا؟ نجري البرائة أيضا، كذلك عند الشك في فساد حجها لأننا نشك هل أن هذه المواقعة التي أكرهت عليها مانعة عن صحة الحج أم لا؟ نجري البرائة في كون المواقعة مانعا.

  و ينبغي التنبيه على أن الإستصحاب لا يجري هنا بأن نستصحب الصحة لأن الإستصحاب بحسب ما نذهب إليه- لا يجري في الشبهات الحكمية. إذن العمل صحيح على ما يقتضيه الأصل.

الثاني:

و هو التمسك بحديث الرفع حيث يقول: "... رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي تِسْعَةٌ الْخَطَاءُ وَ النِّسْيَانُ وَ مَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَ مَا لَا يَعْلَمُونَ وَ مَا لَا يُطِيقُونَ وَ مَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ وَ الْحَسَدُ وَ الطِّيَرَةُ وَ التَّفَكُّرُ فِي الْوَسْوَسَةِ فِي الْخَلْقِ مَا لَمْ يُنْطَقْ بِشَفَةٍ". [4]

و لم أر من تمسك به فلنبحثه:

  في حديث الرفع كلام بأنه هل أنه رافع للأحكام التكليفية فقط أم أنه يرفع الأحكام الوضعية أيضا؟ علما بأن موضع البحث هنا هو الحكمان التكليفي -وجوب الكفارة- و الوضعي فساد الحج-.

  البعض ظن أن حديث الرفع يقتصرعلى رفع الأحكام التكليفية نظرا إلى حديث مشابه لما ورد آنفا و هو:

  "... رَفَعَ الْقَلَمَ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَ عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَ عَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ ...". [5]

  هذا الحديث يفيد رفع التكليف دونما كلام لأنه لا تكليف للنائم، و الصبي و المجنون.

  البعض -إستنادا لهذا الحديث- قال أن الحديث السابق أيضا لا يرتفع به إلا الحكم التكليفي لأن ذاك يضاهي هذا في المضمون!

و لكن الإنصاف أن الثاني يختلف عن الأول في عمله لأنه يرفع الوضعي و التلكيفي معا، و ما يدل على ذلك هو الصحيح الذي إستدل به الشيخ في الرسائل و هو عن رجل أكرِه علي القسم لطلاق زوجته فسُئل الإمام عليه السلام هل أن قسمه صحيح؟ فأجاب عليه السلام أن قسمه لا ينقعد و مخالفته لا توجب كفارة حنث القسم، و بعد ذلك يستند الإمام إلى حديث الرفع مع أن عدم إنقعاد القسم حكم وضعي.

  و لذلك أن الحديث يرفع الكفارة و هو حكم تكليفي- و فساد الحج و هو حكم وضعي- عن عاتق المرأة لأنها مكرهة.

  إلى هنا إعتمدنا على دليلن -البرائة و حديث الرفع- لرفع الحكم عن المكرهة.

الدليل الثالث:

  قال الإمام عن الآية: "لا رفث و لا جدال في الحج"، أن الرفث هو الجماع و هو يوجب فساد الحج، و إن كان السؤال في أكثر الروايات عن الرجل إلا أن الآية مطلقة فلو كانت المرأة مطاوعة فالحكم يعمها كما يعم الرجل.

  و الروايات الواردة في هذا الباب على أقسام فبعضها يشير إلى المطاوعة و بعضها إلى الإكراه و بعض آخر إلى أنّه لو أكره الزوج زوجته على المواقعة فعليه كفارتان، فلندرس هذه الروايات:

  "مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ مُحْرِمٍ وَقَعَ عَلَى أَهْلِهِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ قَالَ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَ لَيْسَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ وَ إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَابَعَتْهُ عَلَى الْجِمَاعِ فَعَلَيْهَا مِثْلُ مَا عَلَيْهِ وَ إِنْ كَانَ اسْتَكْرَهَهَا فَعَلَيْهِ بَدَنَتَانِ وَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ آخِرَ الْخَبَرِ". [6]

  الرواية جيدة جدا و صحيحة سندا و إن كان صدرها لا يرتبط ببحثنا، و قوله: "فعليها مثل ما عليه" يعني انها هي في جميع الأحكام مثل الزوج، و قوله: "عليه الحج من قابل" أي على الزوج فحسب.

  في بعض نسخ التهذيب وردت عبارة: "عليهما الحج من قابل" بدل: "و عليه الحج من قابل"، و النسخة التي كانت بيد المحقق النراقي هي التي فيها ضمير التثنية و لذلك قال إنها مخالفة للإجماع فيجب طرحها.

  "مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ‌ صَفْوَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام عَنِ الرَّجُلِ يَعْبَثُ بِأَهْلِهِ وَ هُوَ مُحْرِمٌ حَتَّى يُمْنِيَ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ أَوْ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مَا ذَا عَلَيْهِمَا قَالَ عَلَيْهِمَا جَمِيعاً الْكَفَّارَةُ مِثْلُ مَا عَلَى الَّذِي يُجَامِعُ".[7]

  سند الرواية معتبر، و أبا الحسن هو الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، و الرواية تدل أن كليهما كانا مطاوعين و كذلك قال في نهاية الرواية أن جميع أحكام الزوج تجري على الزوجة.

  "وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مِسْكِينٍ عَنْ خَالِدٍ الْأَصَمِّ قَالَ حَجَجْتُ وَ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِنَا وَ كَانَتْ مَعَنَا امْرَأَةٌ فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ جَاءَنَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فَقَالَ يَا هَؤُلَاءِ قَدْ بُلِيتُ قَالُوا بِمَا ذَا قَالَ شَكَزْتُ بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ فَاسْأَلُوا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ اسْأَلُوا لِي أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فَإِنِّي قَدِ اشْتَهَيْتُ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ عَلَيْهَا بَدَنَةٌ". [8]

  الرواية ضعيفة سندا بخالد الأصم و في المصادر الرجالية: خالد بن الأصم- و بحكم بن المسكين و هما مجهولان، و أما دلالة فهي تدل على حالة المطاوعة دون الإكراه و من دون الدلالة على الأحكام الخمسة إلا الكفارة، و بما أن في السند خلل فالرواية لا تكون إلا مؤيدة.

  "وَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ مُحْرِمٍ غَشِيَ امْرَأَتَهُ وَ هِيَ مُحْرِمَةٌ قَالَ جَاهِلَيْنِ أَوْ عَالِمَيْنِ قُلْتُ أَجِبْنِي فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعاً قَالَ إِنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ اسْتَغْفَرَا رَبَّهُمَا وَ مَضَيَا عَلَى حَجِّهِمَا وَ لَيْسَ عَلَيْهِمَا شَيْ‌ءٌ وَ إِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي أَحْدَثَا فِيهِ وَ عَلَيْهِمَا بَدَنَةٌ وَ عَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ فَإِذَا بَلَغَا الْمَكَانَ الَّذِي أَحْدَثَا فِيهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَقْضِيَا نُسُكَهُمَا وَ يَرْجِعَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَا فِيهِ مَا أَصَابَا قُلْتُ فَأَيُّ الْحَجَّتَيْنِ لَهُمَا قَالَ الْأُولَى الَّتِي أَحْدَثَا فِيهَا مَا أَحْدَثَا وَ الْأُخْرَى عَلَيْهِمَا عُقُوبَةٌ". [9]

  قد قرأنا هذا الحديث مرارا و هو يفيد أنه لو كانا عالمين فعليهما الحج من قابل و أن يفترقا و أنه على كل واحد منهما بدنة و لا إشارة في الرواية إلى فساد الحج و الإتمام.

  "عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّفَثِ وَ الْفُسُوقِ وَ الْجِدَالِ مَا هُوَ وَ مَا عَلَى مَنْ فَعَلَهُ قَالَ الرَّفَثُ جِمَاعُ النِّسَاءِ وَ الْفُسُوقُ الْكَذِبُ وَ الْمُفَاخَرَةُ وَ الْجِدَالُ قَوْلُ الرَّجُلِ لَا وَ اللَّهِ وَ بَلَى وَ اللَّهِ فَمَنْ رَفَثَ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ يَنْحَرُهَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَشَاةٌ وَ كَفَّارَةُ الْجِدَالِ وَ الْفُسُوقِ شَيْ‌ءٌ يَتَصَدَّقُ بِهِ إِذَا فَعَلَهُ وَ هُوَ مُحْرِم". [10]

  في إعتبار روايات قرب الإسناد تأمل، هذا من ناحية السند؛ و أما دلالة فقوله: "فمن رفث فعليه بدنة" عام يشمل الزوج و الزوجة فإن واقعت فعليها كفارة، و أما تذكير الضمير في قوله: "فعليه" لأنه يعود إلى : "مِن" فلا يدل على إختصاص الحكم بالزوج.

  و سيأتي ما تبقّى من الأحاديث في البحث الآتي إن شاء الله.

[1] المدارك/ ج 8. ص 409.

[2] المستند/ ج 13. ص 241.

[3] الحدائق/ ج 20. ص 362.

[4] بحار الأنوار/ ج 5 (ط الحديثة). أبواب العدل. باب 14. ح 14.

[5] مستدرك الوسائل/ ج 1(ط الحديثة). أبواب مقدمة العبادات. باب 3. ح 10.

[6] الوسائل/ ج 13 (ط الحديثة). أبواب كفارات الإستمتاع. باب 7. ح 1.

[7] المصدر/ باب 14. ح 1.

[8] المصدر/ باب 3. ح 7.

[9] المصدر/ ح 9.

[10] المصدر/ ح 16.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo