< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیت الله مکارم الشیرازي

32/06/14

بسم الله الرحمن الرحیم

المحاضرة الأخلاقية

  مازال الحديث عما ورد من روايات في أبواب أحكام العشرة:

  "مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ قَالَ كَانَ يُوَسِّعُ الْمَجْلِسَ وَ يَسْتَقْرِضُ لِلْمُحْتَاجِ وَ يُعِينُ الضَّعِيفَ". [1]

  مع أن الرواية مرسلة إلا أن الإرسال لا يضر هنا لأن مرسلات إبن أبي عمير معتبرة و حجة.

  إن الرواي في هذه الرواية يسأل الإمام عليه السلام عن تفسير الآية "إنا نراك من المحسنين".[2]

  و هي عن بنيامين حيث إنه أتهم بالسرقة و حكم عليه بأن يخدم أربع سنوات عند يوسف فأقبل أخوة يوسف عليه السلام فقالوا: إن له أبا شيخا ضعيفا فإنه يغتمّ لفراق ولده فخذ واحدا منا مكانه "إنا نراك من المحسنين".

  فعلى ضوء ذلك يسأل الراوي الإمام عليه السلام: من هو المحسن في المنطق القرآني، وما هي الخصلة التي كانت في يوسف دعت إلى أن يصفوا إخوة يوسف، يوسف بالمحسن؟ فأجاب الإمام عليه السلام: إنما وصف بذلك لأنه كان يقوم بالإعمال التالية:

الأول: كان يوسِّع في المجالس.

الثاني: كان يستقرض للمحتاجين لو لم يكن له مال فمثلا لو أراد شخص قرضا يتوسط لذلك ليحصل المحتاج عليه.

  فلنعد للخصلة الأولى فإن لها ظاهر و باطن فظاهرها هو التوسع في المجالس ليأخذ الوارد مكانه، فمن الناس من يختار في المجلس ما يراه لائقا به، فأحيانا يزدحم صدر المجلس بأهله، فلعل أصحاب النبي صل الله عليه و آله و سلم كانوا يرون أن الجلوس إلى جانب الرسول صل الله عليه و آله و سلم يؤدي إلى قربهم منه فكانوا يزدحمون حوله و لذلك نزلت الآية[3] ، و كذلك الأمر في صلاة الجماعة فعلى المصلين أن ينخرطوا في نظام واحد حتى لا يحرم القادم من فضيلة الجماعة.

  مهما يكن من شيء، لو نظرنا نظرة فاحصة في هذه الفقرة أفلا يستفاد من الحديث التعميم و ذلك من خلال إلغاء الخصوصية و وفقا لقياس الأولوية فنعمم الحكم على مختلف مرافق الحياة الإجتماعية؟ لأن لبعض الناس و ظائف متعددة و مسؤوليات مختلفة إستأثروا بها مما يؤدي إلى إقصاء الآخرين مع أنهم مؤهلون لإشغال هذه الوظائف.

في دوافع هذا الإستئثار إحتمالات:

أن يظنوا أنهم وحدهم مؤهلون لتحمل المسؤوليات و غيرهم غير قادر على الإدارة و تسيير الأمور. إن هذه الحالة تنمّ عن كبر و عنجهية و هي من أسوء الصفات و هي التي سببت شقاء إبليس و سوء حظه: فإنه إذا كان خاليا من هذه الصفة السيئة و كان يسجد فما كانت هذه عاقبته. الإحتمال الآخر في وجود هذه الحالة هو الشره و الطمع و الذاتية وهي من الرذائل لأنه يريد أن تكون جميع المنافع له دون غيره. الإحتمال الآخر في منشأ هذه النزعة هو الفئوية فإنه لا يفكر إلا بجماعته و من لف لفه.

  و لكن الإسلام بحسب الآية و الرواية يقول إفسحوا المجال للآخرين ليقوموا بإعباء المسؤولية و يؤدوا دورهم اللائق في شتى ميادين الحياة. للأسف أن هذا التوجه السيء متفشٍّ في أوساطنا مما أدى إلى مشاكل عويصة منها إرتباك الأوضاع و إهدار المال العام لأن الإنسان مهما كان لا يستطيع أن يدير كل ما تسند إليه من وظائف و مسؤوليات.

  و من مردودات هذا التوجه السلبي هو إنتشار الحسد و الإحتقان فإن وقاية النفس من هذه المغريات و هذه المصالح أمر صعب لا يتمكن الشخص من الإمساك بزمام نفسه أمامها إلا القليل.

  إن القرآن الكريم في خمسة مواضع أتى بكلمة "إن الله يحب المحسنين" و لكي نكون مع المحسنين فلابد من التحلي بهذه الصفات.

البحوث الفقهي:

عنوال البحث: الإستمتاعات الأخرى بالنساء و أحكامها

  كان البحث في المسألة الخامسة من تروك الإحرام، و قد بقي منها أمران لم يتعرض لها السيد الماتن و إن تعرض لها غيره:

الأمر الأول:

  و قد عالجه المحقق النراقي في المستند و هو هل في الإستمتاعات الأخرى من النساء كفارة على المحرم أم لا؟ و ذلك مثل الإستمتاع بصوت المرأة أو بما يذكر من أوصافها أو ما يرى من صورها و أفلامها أو بالحديث معها و الخلوة بها فإن هذه الإستمتاعات محرمة على المحرم، و لكن الحديث عن أنه لو أن إستمتاعاته هذه إنتهت بالإمناء فهل عليه كفارة أم لا؟ و أما لو لم يمن فلا بحث و إنما الكلام كل الكلام فيما لو أمنى بعد إستمتاعه.

  علما بأنه سيأتي البحث فيما لو كان يعلم أنه يمني أو أنه منذ البدء قصد الإمناء.

  إذن البحث فيما لو لم يعلم أو لم يقصد ذلك.

  قد أشار السيد الماتن إلى ذلك بقوله: "بل كل لذة و تمتع منها".

  و لكن على ما نذهب إليه هو أنه لا شيء من ذلك يوجب الكفارة و الدليل هو:

أولا: البرائة عن الكفارة و لا دليل على البطلان.

و الثاني: الروايات الدالة على ذلك و هي كما يلي:

  "مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي الْمُحْرِمِ تُنْعَتُ لَهُ الْمَرْأَةُ الْجَمِيلَةُ الْخِلْقَةِ فَيُمْنِي قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْ‌ءٌ".[4]

  هذه الرواية و إن كانت عن الإستمتاع بتوصيف المرأة و لكن يمكن تعميمها إلى الإستمتاعات الأخرى بإلغاء الخصوصية.

  "وَ بِالْإِسْنَادِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي مُحْرِمٍ اسْتَمَعَ عَلَى رَجُلٍ يُجَامِعُ أَهْلَهُ فَأَمْنَى قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْ‌ءٌ".[5]

  إن هذه الرواية أيضا صريحة في نفي الكفارة.

  "وَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وُهَيْبِ بْنِ حَفْصٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ تَسَمَّعَ كَلَامَ امْرَأَةٍ مِنْ خَلْفِ حَائِطٍ وَ هُوَ مُحْرِمٌ فَتَشَاهَى حَتَّى أَنْزَلَ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْ‌ءٌ".[6]

  و هي أيضا صريحة في المقام كسابقتها.

  "وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ الصَّيْرَفِيِّ عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ فِي مُحْرِمٍ اسْتَمَعَ عَلَى رَجُلٍ يُجَامِعُ أَهْلَهُ فَأَمْنَى قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْ‌ءٌ".[7]

هذه الروايات تختص بالإستمتاع، و لا يمكن قياس ما نحن فيه على اللمس و النظر فنعمم حكمهما على موضع البحث و ليس من مذهبنا القياس بل أن القياس هنا مع الفارق.

الأمر الثاني:

  هل أن الكفارة تتعدد بتعدد الأسباب كما لو قبّل الرجل أهله عدة مرات أو وقع علي أهله أكثر من مرة؟ هذه التسائل يأتي في كافة تروك الإحرام مثل أن يكرر المحرم لبس المخيط أو التظليل كما يأتي في ما بعد.

و لكن يجدر التنبيه هنا على ما يلي:

لو عمل ما يوجب الكفارة فكفر فإنه عليه أن يكفر ما كرر العمل. هل أن وحدة المكان و تعدده و وحدة الإحرام و تعدده دخيلان في تعدد الكفارة كما إذا لمس في مجلس واحد عدة مرات أو نظر، أو نظر أو لمس في مجلسين أو أكثر، أو أنه إرتكب المخالفة في إحرام الحج أو العمرة عدة مرات كما لو إستظل؟ سيأتي البحث عن ذلك في خاتمة تروك الإحرام.

[1] الوسائل/ ج 12 (ط الحديثة). أبواب أحكام العشرة. باب 4. ح 1.

[2] يوسف (12): 78.

[3] المجادلة (58): 11.

[4] الوسائل/ ج 13 (ط الحديثة). أبواب كفارات الإستمتاع. باب 20. ح 1.

[5] المصدر/ ح 2.

[6] المصدر/ ح 3.

[7] المصدر/ ح 4.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo