< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیت الله مکارم الشیرازي

32/06/18

بسم الله الرحمن الرحیم

عنوان البحث: أحكام العقد حال الإحرام

  كان البحث في التروك، في أحكام العقد حال الإحرام و قد قلنا أنه يحرم العقد في هذه الحال كما أن العقد باطل و ربما أدى إلى حرمة أبدية.

  هناك ثلاث عبادات في الإسلام تفصل الإنسان من الواقع المادي و تأخذ بيده إلى العالم الروحاني، أحدها الصوم حيث أن الإنسان يُلزم بأمور تفصله عن عالم المادة، و الآخر منها الإعتكاف الذي يدخل الإنسان في أجواء مفعّمة بالروحانية لعدة أيام، و ثالثها الحج سواء حال الإحرام أو حال الإحلال، و لذلك يحرم على المحرم التمتع بالنساء حتى في إنشاء صيغة العقد الذي فيه طابع من التمتع و الإهتمام بالواقع المادي و الإبتعاد من الأجواء الروحانية للإحرام.

  سبق و أن قلنا أن العقد حال الإحرام باطل بالإجماع، هذا من ناحية الأقوال و أما من ناحية الروايات فهي على ثلاثة طوائف:

الطائفة الأولى: و هي التي وردت فيها كلمة البطلان

  "مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ صَفْوَانَ وَ النَّضْرِ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ وَ عَنْ حَمَّادٍ عَنِ ابْنِ الْمُغِيرَةِ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ لَيْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَ لَا يُزَوِّجَ وَ إِنْ تَزَوَّجَ أَوْ زَوَّجَ مُحِلًّا فَتَزْوِيجُهُ بَاطِلٌ".[1]

  أما سندا فعبد الله بن سنان كان ثقة، و من العجب أن قيل عنه أنه كان خازنا للمنصور و المهدي و الهادي و الرشيد و بقائه في عمله هذا كان لأمانته مع علمهم بتشيّعه، و لعل البقاء كان لتوظيف موقعه لخدمة أتباع آل البيت عليهم السلام.

  و أما دلالة فالإمام عليه السلام يصرح أن العقد باطل.

  "وَ رَوَاهُ الصَّدُوقُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ وَ لَا يُزَوِّجُ مُحِلًّا وَ زَادَ وَ إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ تَزَوَّجَ وَ هُوَ مُحْرِمٌ فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صل الله عليه و آله نِكَاحَهُ".[2]

  "وَ عَنْهُ عَنِ ابْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ مُحْرِمٍ يَتَزَوَّجُ قَالَ نِكَاحُهُ بَاطِلٌ".[3]

  "وَ عَنْهُ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ تَزَوَّجَ وَ هُوَ مُحْرِمٌ فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ ص نِكَاحَهُ".[4]

  "وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ الْمُحْرِمُ لَا يَنْكِحُ وَ لَا يُنْكِحُ وَ لَا يَشْهَدُ فَإِنْ نَكَحَ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ".[5]

  هذه الروايات جميعا تدل على المطلوب إلا أن هناك رواية قيل عنها أنها معارضة، في حين أنها لم تكن كذلك و هي:

  "وَ عَنْهُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ الْكَلْبِيِّ عَنِ الْمُفَضَّلِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فَقَالَ لَهُ هَذَا الْكَلْبِيُّ عَلَى الْبَابِ وَ قَدْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ وَ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ لِيَغُضَّ اللَّهُ بِذَلِكَ بَصَرَهُ إِنْ أَمَرْتَهُ فَعَلَ وَ إِلَّا انْصَرَفَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِي مُرْهُ فَلْيَفْعَلْ وَ لْيَسْتَتِرْ".[6]

  يقول الإمام الصادق عليه السلام في هذه الرواية: مُرْه يتزوج و لكن قل له أن يخفي أمره حتى لا يثير جدلا بين الناس.

  البعض ظن أن الرواية تتحدث عن حال الإحرام و لذلك حاولوا أن يجدون لها مخرجا! في حين أن قوله: "و قد أراد الإحرام" يدل على أنه لم يكن محرما، و قد تفطن صاحب الوسائل لذلك. و في قوله عليه السلام: "مره" نكتة أصولية و هي صحة الأمر بالأمر فليُنتبه لذلك أيضا.

  مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ الْمُحْرِمُ لَا يَتَزَوَّجُ (وَ لَا يُزَوِّجُ) فَإِنْ فَعَلَ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ".[7]

  و عليه أن هذه الروايات تدل على البطلان جميعا.

الطائفة الثانية: الروايات التي وردت في هذه الأبواب و هي التي تنهى عن التزويج.

  فالإمام عليه السلام لم يصرح في هذه الطائفة ببطلان العقد لكنه نهى عن التزوج فقال :"المحرم لا يتزوج"، و لكن هل أن النهي هنا نهي تكليفي محض أم لا؟ قد قلنا مرارا أن النهي في المعاملات و العبادات و شبه المعاملات ظاهر في الحكم الوضعي ظهورا ثانويا و إن كان ظاهرا في الحكم التكليفي على الظهور الأولي، فمثلا الركوع و السجود ظاهران في المعنى اللغوي و لكن بكثرة الإستعمال حصل لها ظهورا ثانويا في الجزئية.

  و عليه عندما ينهى النبي صل الله عليه و آله عن بيع الغرر فهذا يعني أن البيع الغرري باطل و كذلك الربا. و على أية حال أن النهي في هذه الموارد بسبب كثرة الإستعمال في البطلان، أصبح لها ظهورا ثانويا فيه و إن كان الظهور الأولي للنهي هو في النهي التكليفي.

و من هنا نقول أن النهي في المقام حكم وضعي و هو البطلان و النهي التكليفي يستفاد من الروايات التي أمرت بالكفارة.

و ملخص القول:

فيما نحن فيه أن الأمر شرط و يدل على الصحة و النهي مانع و يدل على البطلان.

الطائف الثالثة: الروايات التي تدل على الحرمة الأبدية.

  عندما تكون الحرمة حرمة أبدية فمن طريق أولى تدل على البطلان، إذن الطائفة الثانية و الثالثة أيضا تدلان على البطلان كما تدل الطائفة الأولى.

و أما الفرع الثاني: و هو إذا عقد لنفسه في حال الإحرام تحرم عليه مؤبدا مع علمه بالحكم و مع جهله فالعقد باطل و لكن لا تحرم عليه تأبيدا.

  فمن ناحية الأقوال فقد أدعي الإجماع على الحرمة الأبدية عند العلم و أما من ناحية الراويات فهي كما يلي:

 ● الروايات التي تقول بالحرمة الأبدية.

 ● الروايات التي تجوز الزواج مطلقا.

 ● الروايت التي تفصل فإذا كان عالما فتحرم أبدا و مع الجهل فلا.

أما الروايات الدالة على الحرمة الأبدية:

  "مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ إِنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا تَزَوَّجَ وَ هُوَ مُحْرِمٌ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ لَا يَتَعَاوَدَانِ أَبَداً".[8]

  إن قوله عليه السلام: "فرق بينهما"، يدل على البطلان، و قوله: "و هو محرم"، يدل على التأكيد.

  وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَبَّاسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أُدَيْمِ بْنِ الْحُرِّ الْخُزَاعِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ إِنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا تَزَوَّجَ وَ هُوَ مُحْرِمٌ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَ لَا يَتَعَاوَدَانِ أَبَداً (وَ الَّذِي يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ) وَ لَهَا زَوْجٌ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَ لَا يَتَعَاوَدَانِ أَبَداً".[9]

  هذه الرواية أيضا تصرح بالحرمة الأبدية أيضا.

  "مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ قَالَ عليه السلام مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي إِحْرَامِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَ لَمْ تَحِلَّ لَهُ".[10]

  هذه الرواية مرسلة الصدوق و علّها أقتبست من الروايات السابقة.

  و القسم الثاني من الروايات هي رواية واحدة.

  وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ صَفْوَانَ وَ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ قَضَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع فِي رَجُلٍ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَ هُوَ مُحْرِمٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ فَقَضَى أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهَا وَ لَمْ يَجْعَلْ نِكَاحَهُ شَيْئاً حَتَّى يَحِلَّ فَإِذَا أَحَلَّ خَطَبَهَا إِنْ شَاءَ وَ إِنْ شَاءَ أَهْلُهَا زَوَّجُوهُ وَ إِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجُوهُ".[11]

  إن ملك بضع المرأة كناية عن النكاح، إن مفاد الرواية يكشف عن أن ما سبق كان باطلا و هو مطلق -علم أم لم يعلم- كما أن روايات الطائفة الأولى كانت عامة -علم أو لم يعلم- و يمكن الجمع بين هذه الروايات على ضوء الرواية (ح1. باب31) من أبواب محرمات المصاهرة كما سيأتي.

[1] الوسائل/ ج 12 (ط الحديثة). أبواب تروك الإحرام. باب 14. ح 1.

[2] المصدر/ ح 2.

[3] المصدر/ ح 3.

[4] المصدر/ ح 4.

[5] المصدر/ ح 7.

[6] المصدر/ ح 8.

[7] المصدر/ ح 9.

[8] المصدر/ باب 15. ح 1.

[9] المصدر/ ح 2.

[10] المصدر/ ح 4.

[11] المصدر/ ح 3.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo