< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیت الله مکارم الشیرازي

32/06/19

بسم الله الرحمن الرحیم

عنوان البحث: حكم عقد المحرم لنفسه، و تحمل الشهادة على إنشاء العقد و أدائها

  كان البحث في حرمة عقد المحرم لنفسه و بطلانه و هو الثالث من تروك الإحرام، و لو كان العقد عن علم بالموضوع و الحكم- و عمد تحرم المعقودة عليه مؤبدا و إن لم يعلم أن ذلك يؤدي إلى الحرمة الأبدية.

  قد درسنا الروايات في البحث السابق و قد كانت تتحدث عن الحرمة الأبدية و هي على طوائف:

الأولى: الروايات التي تدل على الحرمة الأبدية على نحو الإطلاق و قد تقدمت، و نضيف إليها أخرى و هي الرواية 15، من باب 17، من أبواب المصاهرة، ج 14 من الوسائل.

و الثانية: الروايات التي دلت على عدم الحرمة الأبدية مطلقا فتتعارض هذه الطائفة مع سابقتها التي دلت على الحرمة الأبدية على نحو الإطلاق.

الثالثة: و هي التي تفصل بين ما لو كان عالما فتحرم عليه مؤبدا و بين ما لم يكن فلا تحرم عليه على نحو التأبيد و هي رواية واحدة، قد عالج الفقهاء على ضوئها التعارض بين الطائفة الأولى و الثانية فحملوا الحرمة المؤبدة في الطائفة الأولى على حال العلم، و عدم الحرمة المؤبدة في الطائفة الثانية على حال عدم العلم.

  و الرواية كما يلي باب 31 من أبواب المصاهرة.

  "مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ جَمِيعاً عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنِ الْمُثَنَّى عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ وَ دَاوُدَ بْنِ سِرْحَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أُدَيْمٍ بَيَّاعِ الْهَرَوِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي الْمُلَاعَنَةِ إِذَا لَاعَنَهَا زَوْجُهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ أَبَداً إِلَى أَنْ قَالَ وَ الْمُحْرِمُ إِذَا تَزَوَّجَ وَ هُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ أَبَداً". [1]

  في الحقيقة أن هذه الرواية ثلاث روايات لأن ثلاث رواة رووها عن الإمام عليه السلام على أن لها ثلاثة طرق و في جميع الطرق سهل بن زياد و فيه بحث و المثنى و هو الحناط بقرينة نقله عن زرارة، و هو مجهول الحال، ففي الرواية من ناحية السند إشكال إلا أن الأصحاب قد عملوا بها فيرتفع الإشكال و تصبح الرواية حجة.

  و أما دلالة فقد ورد في كلام الإمام عليه السلام :"و هو يعلم" فإن لهذا القيد مفهوم لأن الإمام عليه السلام في مقام البيان فعندما يذكر قيدا، إذا فقد ذلك القيد فلا يترتب الحكم و عليه لو لم يعلم بالحكم لا تترتب عليه الحرمة الأبدية. و من هنا يتضح أن ما ذهب إليه السيد الماتن هو الصحيح.

  و للسيد الماتن عبارة أخرى هي:

  "الأحوط ذلك لا سيما مع المقاربة"

  و عليه لو أدخل بها فيتجنب الزواج منها إحتياطا، و لكن بما أن الدخول لا يعد سببا للحرمة في الروايات فيلزم أن نبحث أن الدخول من أين جاء لكي يكون سببا للإحتياط؟

  هذا و إن كان الدخول في العدة سببا للحرمة الأبدية و هو يساوي العلم بالحكم في أثره لأن سبب الحرمة الأبدية في العدة إما الدخول و إما العلم بالحكم من غير دخول، إلا أن الأمر فيما نحن بصدده لا يقاس بباب العدة.

  نقل صاحب الحدائق[2] عن إبن إدريس و فخر الدين التحريم المؤبد مع الدخول و إن كان جاهلا و لكن صاحب الحدائق يردّ عليهما بأنه لا دليل على ذلك و ما قاله مهم خصوصا أن لصاحب الحدائق باع طويل في تتبع الروايات- ثم يقول لعلهما قاسا ما نحن فيه على باب العدة و لكن ليس من مذهبنا القياس مع أنه قياس مع الفارق.

مهما يكن من شيء فإن سبب الإحتياط عند السيد الماتن لعله أحد أمرين:

الأول: أن فتوى بعض الفقهاء على فرض ضعفها أو وجود رواية ضعيفة يصلحان سببا للقول بالإحتياط الإستحبابي، و كذلك قد يكون القول بالإحتياط الإستحبابي للخروج عن الخلاف.

الثاني: أنه قدس سره قد لا يقبل الرواية المفصّلة لضعفها سندا، فلا يبقى إلا الروايات التي تقول بالحرمة الأبدية مطلقا و الرواية التي تقول بعدم الحرمة مطلقا و عند التعارض نأخذ بما إشتهر بين الأصحاب فتوا و رواية و لذلك نقول بالحرمة على نحو الإطلاق، لعل هذا هو أحد السببين في القول بالإحتياط الإستحبابي.

  هذا كله بناء على ما قاله السيد الماتن من إحتياط إستحبابي، و لكن ما نفتي به نحن هو التفصيل بين العلم و الجهل فمع العلم تحرم عليه مؤبدا و مع الجهل لا تحرم فيتمكن أن يعقد عليها بعد الإحلال.

لفتة نظر:

  لصاحب الحدائق التفاتة هامة فهو يقول:

  إن العلّامة صرح بأنه لا رواية في هذه المسألة إلا رواية زرارة التي قالت بالتفصيل. و يرُدّ عليه صاحب الحدائق بأن للمسألة روايات كثيرة.

  قد يقال أن العلامة لم يبحث إلا باب المصاهرة حيث لم يكن فيها عن الموضوع محطّ البحث إلا رواية واحدة. و لكن الظاهر أن العلامة يقصد أن ما يوافق تفصيل المشهور لا يوجد إلا رواية واحدة و هي رواية زرارة.

تلخص من البحث إلى هنا أن عقد نكاح المحرم باطل و إذا كان عن علم و عمد فيؤدي إلى الحرمة الأبدية.

  و أما الفرع الثالث من المسألة و هو في شهادة الشهود، فيقول السيد الماتن:

  "... و شهادة العقد و إقامتها عليه على الإحوط و لو تحملها محلا و إن لا يبعد جوازه".

  لم يتضح بعدُ أن الإحتياط يشمل ما لو تحملها محلا أو يختص بشهادة العقد و إقامتها عليه؟

  هناك تساؤل يبدو أنه لم يتعرض له أحد من قبل و هو أن أداء الشهادة واجب و إذا كان الشخص محرما فلا يجوز له أداء شهادة عقد النكاح فعلى فرض أن القاضي لا يتمكن من إحالة الشهادة إلى ما بعد الإحلال فأيهما يقدم: وجوب الأداء أو حرمته؟ فيتزاحم الحكمان في مقام الإمتثال. سيأتي البحث عن ذلك قريبا إن شاء الله.

الأقوال:

  قال الشيخ في الخلاف في المسألة 115:

"لا يجوز للمحرم أن يشهد على النكاح. و قال الشافعي: لا بأس به، و قال أبو سعيد الإصطخري من أصحابه مثل ما قلناه، دليلنا: إجماع الفرقة، و طريقة الاحتياط".[3]

 إن الشيخ في عبارته إدعى الإجماع و قال بالإحتياط كما في مواضع كثيرة من كلامه و لكن هل أنّ هذا الإحتياط من باب لزومه في الشبهات الحكمية أم أن القول به من باب أن فتوى العامة تعارض ما ذهبنا إليه فالرشاد في خلافهم؟

 ستأتي تتمة البحث بحول الله و قوته.

[1] الوسائل/ ج 20 (ط الحديثة). أبواب ما يحرم بالمصاهرة. باب 31. ح 1.

[2] الحدائق/ ج 23. ص 604.

[3] الخلاف/ ج 2. ص 317.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo