< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیت الله مکارم الشیرازي

32/06/24

بسم الله الرحمن الرحیم

عنوان البحث: تحمل شهادة النكاح و أدائها و خطبة النكاح و الرجوع في الطلاق

  كان البحث في الثالث من مسائل تروك الإحرام و هي حرمة تحمل شهادة عقد النكاح و أدائها عند القاضي و قد مضى هذا البحث بكل تفاصيله.

و هناك بحث آخر:

  لو وقع الخلاف بين الزوج و الزوجة في أصل النكاح فإدعاه أحدهما و أنكره الآخر فتطلب الأمر حضور الشاهد على النكاح لأداء الشهادة و هو محرم فما هو الحكم؟ هذا على فرض أن الشهادة فورية و فوتية و لا يستطيع الحاكم تأخير الشهادة إلى مابعد أداء المناسك.

في هذه الحال يدور الأمر بين حرامين:

حرمة شهادة المحرم على النكاح و حرمة التخلي عن أداء الشهادة.

  و قد نهت الآية عن ذلك حيث قالت: "و لا يأب الشهداء إذا ما دعوا".[1] فما هو السائد بين عوام الناس من التهرب من أداء الشهادة حرام لوجوب أدائها لأن عدم الشهادة يؤدي إلى ضياع حق مسلم.

  إذن الأمر يدور بين محذورين: أداء الشهادة و الإحجام عنها، و بما أننا لم نتوفر على رواية في المقام فلابد من اللجوء إلى قاعدة المهم و الأهم.

  فإن قاعدة المهم و الأهم قاعدة عقلائية شرعية، لأن العقلاء يأخذون بالأهم عند دوران الأمر بين المحذورين، و كذلك في الشرع فعندما يقول الكتاب العزيز:"إلا ما إضطررتم"[2] فمن يضطر إلى أكل الميتة لإنقاذ نفسه من الموت فإنه من باب قاعدة الأهم و المهم لأن حفظ النفس أهم من التحفظ من إرتكاب الحرام بأكل الميتة، و كذلك قاعدتي لا حرج و لا ضرر فإنهما يعودان إلى هذه القاعدة و هكذا التقيّة في أكثر مواردها لأنك على فرض التصريح بالحق تعرض نفسك للخطر ففي مثل هذا حفظ النفس أهم من بيان الحق.

  و قد ورد في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "ليس شيء مما حرم الله إلا و قد أحله لمن إضطر إليه"[3] ، كما أنهم قد جوزوا الكذب في إصلاح ذات البين مثلا مع أنه حرام و كذلك الغيبة حيث جوزوها في بعض المواضع مثل المشورة، مع أنها محرمة.

  هذا من ناحية بحث قاعدة الأهم و المهم كبرويا، و أما صغرويا فيلزم البحث في أنه أي الفردين هو الأهم و أيهما هو المهم.

  بعد هذا الإيضاح نقول أنه لا صعوبة في تشخيص الأهم من المهم في بعض المواضع كما لو دار الأمر بين حق الله و حق الناس حيث يقدم حق الناس لإهتمام الشريعة البليغ بهذا الحق.

  و ما نحن بصدده من موارد دوران الأمر بين حق الله و حق الناس و أكثر الشهادات ترتبط بحقوق الناس فيقدم وجوب الشهادة على حرمتها.

  قد يقال أن ترك المضرة أولى من كسب المنفعة، و لكن هذه ليست قاعدة عامة شاملة فلا يصح أن يقال دفع المفسدة خير من كسب المنفعة دائما لأن الإنسان قد يوقع نفسه في الضرر ليحصل على منفعة أكبر كما لو تحمل ضرر الجهاد لترتفع راية الإسلام عزيزة خفاقة!

و ملخص القول:

  إن ما يحرم على المحرم هو التمتعات الجنسية و أداء الشهادة في النكاح من الشؤون الضعيفة للتمتع الجنسي في حين أن في أداء الشهادة حماية لحقوق إنسان مسلم و من هنا يقدم وجوب الشهادة على حرمتها بالنسبة للمحرم.

المسألة 6:

  تجوز الخطبة في حال الإحرام و الأحوط تركها، و يجوز الرجوع في الطلاق الرجعي.

في المسألة فرعان

الأول: جواز الخطبة للمحرم و إن كان الإحوط تركه إستحبابا.

الثاني: جواز الرجوع للمحرم في الطلاق إن كان طلاقه رجعيا.

  و سيأتي الحديث عن الطلاقين البائن و الخلعي و إن لم يتعرض لهما السيد الماتن.

  و أما الأول و هو جواز الخطبة حال الإحرام، ففي اللغة: الخطبة بضم الخاء- مصدر لخطب يخطب و هي الكلام المنثور الذي يخاطب به المتكلم جمعا من الناس لغرض ما. و الخِطبة بكسر الخاء- بمعنى طلب المرأة للزواج.

الأقوال:

  يقول المحقق الإصفهاني في كشف اللثام:

  "و يكره للمحرم الخطبة كما في المبسوط و الوسيلة لقول الصادق عليه السلام في مرسل الحسن بن علي: المحرم لا ينكح و لا ينكح و لا يشهد و لا يخطب و ما روي عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم من قوله: لا ينكح المحرم و لا ينكح و لا يخطب". [4]

  ثم جاء بدليل عقلي ورد في مصادر الجمهور أيضا فيقول: "و لأنها تدعوا إلى المحرم كالصرف الداعي إلى الربا".

  فكما أن عمل الصرف يكره لأنه يجعل المعاملة في معرض الربا فكذلك الخطبة تجعل المحرم في معرض الزواج و لذلك تكره.

  و قال العلّامة في المختلف:

  "قال ابن الجنيد: ليس للمحرم أن يتزوّج، و لا يزوّج محلا، و لا يشهد نكاح محلّين، و لا يخطب. و هذا يشعر بالتحريم في الخطبة".[5]

  و قال إبن قدامة في المغني:

  "و تكره الخطبة للمحرم و خطبة المحرمة و يكره للمحرم أن يخطب للمحلين لأنه قد جاء في بعض ألفاظ حديث عثمان لا ينكح المحرم و لا ينكح و لا يخطب. رواه المسلم و لأنه تسبب إلى المحرم فأشبه الإشارة إلى الصيد".[6]

  يذهب فقهاء الجمهور إلى كراهة الإشارة إلى الصيد -في حين أن فقهائنا يقولون بحرمة ذلك- فشبّه إبن قدامة الخطبة إلى الصيد على مذهبه.

[1] البقرة: 282.

[2] أنعام(6): 119.

[3] الوسائل/ ج 23 (ط الحديثة). كتاب الأيمان. باب 12. ح 18.

[4] كشف اللثام/ ج 5. ص 339.

[5] المختلف/ ج 4. ص 84.

[6] المغني/ ج 3. ص 314.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo