< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشيرازي

32/10/27

بسم الله الرحمن الرحیم

عنوان البحث: تروك الإحرام- حكم الإستمناء

  كان البحث في الإستمناء بأنه هل يفسد الحج فيجب القضاء أم لا؟ قلنا أن في المسألة خلاف فالمشهور ذهب إلى أنه يبطل الحج فيجب من قابل! و ذهبت جماعة إلى أنه لا يبطل فلا يجب القضاء!

  و لندرس هذه الروايات بدقة و عناية.

  قد تعرضنا إلى الروايتن التين كانتا تدلان على راي المشهور، و بقي أن نتعرض لدليل الرأي الأخر ثم نرى هل أن لها جمع عرفي أو لا؟ و أما دليل الرأي الأخر فروايتان و لعلهما رواية واحدة لأن الراوي واحد و المسؤول هو الإمام الصادق عليه السلام و المضمون واحد، و إن إختلفا في الإجمال و التفصيل:

  "مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ مُحْرِمٍ وَقَعَ عَلَى أَهْلِهِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ قَالَ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَ لَيْسَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِل‌ وَ إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَابَعَتْهُ عَلَى الْجِمَاعِ فَعَلَيْهَا مِثْلُ مَا عَلَيْهِ وَ إِنْ كَانَ اسْتَكْرَهَهَا فَعَلَيْهِ بَدَنَتَانِ وَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ آخِرَ الْخَبَرِ"[1]

  الرواية صحيحة سندا و ذيلها لا يمتّ بصلة إلى بحثنا و أما صدرها فلا يشير إلى إنزال الماء، فوفقا لمفاد الرواية: الوقوع على الأهل و ما شابه من إستمتاعات النساء يوجب الكفارة، أنزل أو لم ينزل وفقا لإطلاق الرواية.

  إنما يصح الإستدلال بهذه الرواية على هذا الوجه فقط، فلو قيل أن الرواية منصرفة عن هذه الجهة مثلا فلا يصح الإستدلال بها.

  "مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَ صَفْوَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي الْمُحْرِمِ يَقَعُ عَلَى أَهْلِهِ قَالَ إِنْ كَانَ أَفْضَى إِلَيْهَا فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَفْضَى إِلَيْهَا فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَ لَيْسَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ الْحَدِيثَ"[2]

  هذه الرواية صحيحة أيضا و الإستدلال بها كالإستدلال بسابقتها و لكن يمكن القول أن هاتين الروايتن أجنبيتان عن المسألة موضع البحث و هو الإستمناء لأنه لا تمتع بالنساء في عملية الإستمناء و لعل الكفارة في الحديثين لأجل الإستمتاع بالمرأة فحسب.

الجمع بين الطائفتين

  للجمع بين الطائفتين من الروايات طريقان:

الأول: أن نحمل الأمر على الإستحباب و ذلك لأنه لو كانت هناك رواية تثبت حكما و أخرى تنفيه، نحمل الرواية المثبتة على الإستحباب و ذلك على ضوء الرواية الثانية كما هو الحال في غسل الجمعة، و من هنا نقول أن الحج من قابل في المسألة مستحب و ليس بواجب.

الثاني: الروايتان في الطائفة الثانية مطلقتان كان الإنزال أو لم يكن- فنقدم الطائفة الأولى على الثانية لانها مقيدة و قد ورد في موثقة إسحاق بن عمار: "محرم عبث بذكره فأمنى" فهنا يقدم الجمع الثاني لأنه الأكثر في أبواب الفقه.

  زد على ذلك أنه من الصعوبة بمكان أن نلقي الخصوصية عن الإستمتاع بالمرأة في الروايتين و نعمم الحكم ليشمل الإستمناء، خصوصا أن الإستمتاع بالمرأة من دون الإحرام حلال في حين أن الإستمناء حرام على كل حال، و عليه أن روايتا الإستمتاع أجنبيتان عن موضع البحث، و لعلهما كانا السبب في تردد السيد الماتن في مقام الإفتاء.

  و ينبغي التنبيه على أن فساد الحج و وجوب إتيانه من قابل يختص بما لو كان الفعل المفسد قبل المشعر لا مطلقا.

و لذلك نقول أن الأشبه بالقوعد هو القول بفساد الحج و وجوب إتيانه من قابل خلافا للمحق حيث يقول أن الأشبه هو عدم وجوب الحج.

المقام الثالث: عقوبة التعزير لمن إستمنى

  قد ورد إصلاح التعزير في عبارات الفقهاء كثيرا مما يكشف عن أن أصل التعزير مقبول عندهم إلا أنه لم أعثر على لفظة الإجماع بين كلماتهم في هذا الخصوص فلنذكر ما قالوه في هذا الباب:

  يقول العلامة في التحرير:

  "من إستنمى بيده و روي أنّ عليّا عليه السلام ضرب يده حتى احمرت و زوجه من بيت المال و ليس ذلك لازما بل هو خاص بتلك القضية لمصلحة حتى أنزل عزر بما يراه الإمام"[3]

  إن قوله "ليس ذلك لازما" يريد أن تزويجه من بيت المال ليس بواجب.

  و قوله: "بما يراه الإمام عليه السلام " يعني أن الإمام عليه السلام يقيّم ظروف الإثم من حيث العلم و الجهل، و العزوبة و الزواج، و صغر سنه و كبره و هكذا من مواصفات، فليس المراد أن الحاكم يصدر حكمه بالتشهي و من دون النظر في أوضاعه الخاصة، بل يلزم أن يصدر الحكم مع الأخذ بعين الإعتبار جميع حيثيات الموضوع! و لذلك ورد في القانون المدني أن من إرتكب المخالفة الفلانية فعليه عقوبة السجن من ثلاث سنين إلى خمسة مثلا! و هذا يعني أن الحاكم يقدّر ظروف المجرم فيصدر الحكم عليه بما يتناسب مع ظروفه الموضوعية.

  و أما قول العلامة في أنه لا يلزم تزويجه من بيت المال! فنقول أليس ما صنعه الإمام عليه السلام من باب النهي عن المنكر؟ كما لو كان شابا معوزا و كان عرضة للوقوع في الإثم، فإن مثل هذا يُزوج من بيت المال درءا لمفسدة الوقوع في الإثم. فإن الحيلولة دون إرتكاب الجرم شيء و إنزال العقوبة شيء أخر فيلزم العمل بمتطلبات كل ظرف على حدة. و عليه يصح القول من أنه لو إرتكب شخص مثل هذه الموبقة فعلى الحاكم الشرعي أن يزوجه من بيت المال لو لم يكن مستطيعا! بعد هذه المناقشة نقول أن الفقهاء التالية أسمائهم قد أفتوا بالعتزير:

الحلبي في الكافي/ ص 263 الفاضل الإصفهاني في كشف اللثام/ ج 10، ص 511 صاحب الجواهر في الجواهر/ ج 41، حيث قبل ما ذهب إليه المحقق و برهن عليه. السيد الجليل الخوانساري في جامع المدارك/ ج 7، ص 181 السيد عبد الأعلى السبزواري في مهذب الأحكام/ ج 28، ص 154

  كما أن جمع غفير من الفقهاء قد أرسلوه إرسال المسلمات، إذن الإفتاء بالتعزير معروف بين الفقهاء.

أدلة التعزير

  يمكن الإستدلال على وجوب التعزير بدليلين:

الأول: الدليل العقلي؛ و هو أن الإستمناء من كبائر الذنوب و لكل كبيرة تعزير ففي الإستمناء تعزير.

الثاني: الدليل الروايي؛ و هو روايتا زرارة و طلحة. و سيأتي البحث عن الدليلين.

[1] الوسائل/ ج 13 (ط الحديثة). أبواب كفارات الإستمتاع. باب 7. ح 1

[2] المصدر/ ح 2

[3] التحرير/ ج2 (ط القديمة). ص 226

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo