< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشيرازي

32/10/29

بسم الله الرحمن الرحیم

المحاضرة الأخلاقية

  في المحاضرة السابقة أوردنا حديثا من باب خصال المؤمن في أصول الكافي، فإنه في المقطع الأول من مقطعيه تحدثنا عن عشر خصال من خصاله، و بقي في المقطع الثاني الحديث عن خمس صفات أخرى له و هي:

  "... إِنَّ الْعِلْمَ خَلِيلُ الْمُؤْمِنِ وَ الْحِلْمَ وَزِيرُهُ وَ الْعَقْلَ أَمِيرُ جُنُودِهِ وَ الرِّفْقَ أَخُوهُ وَ الْبِرَّ وَالِدُهُ"[1]

أما الخصلة الأولى و هي أن العلم صديقه، لأن الصديق ينتفع من صديقه و يستشيره في شؤون حياته، و يطلب العون منه لحل مشاكله، فالمؤمن أيضا يستشير العلم و يستعين به لمعالجة المعضلات التي تعترض طريقه في معترك الحياة، فلا يلجأ في حل مشاكله إلى الجهل و الإنفعال و التخبط و ما إلى ذلك من أسباب فشله!

  فإن أنيس المؤمن في وحشته الكتاب و العلم و ذلك للتعرف على علوم القرأن و معرفة سر الوجود و ما أفاده أئمة أل البيت عليهم السّلام.

و أما الثانية من الخصال هي أن الحلم وزيره، لأنه كما أن رئيس الدولة يُصدر أوامره بعد إستشارة وزيره أو وزرائه فإن المؤمن يقوم بأعباء مهامه بالصبر و الحلم و الأناة فلا يقوده الغضب و لا يغلب عليه الإنفعال!

  في كتبنا الإبتدائية كانت قصة طريفة و هي أنه دار نقاش بين الريح و الشمس حول أن أيهما أكثر قوة و منعة فكل منهما إدعى القدرة و السطوة فإستقر الرأي على أن كلا منهما يمتحن قوته، فشاهدا رجلا يعبر من الصحراء، فقرر الريح أن ينزع منه ثوبه و لكن كل ما إشتد الريح إزداد الرجل إصرارا في مقاومة الريح لعدم خلع ثيابه، في نهاية الأمر عجز الريح من إنجاز مهمته، فجاء دور الشمس فالقت بحممها على الرجل فإضطرته إلى أن يخلع بَدلته، و ما نستخلصه من هذه القصة البسيطة هو أن الإنسان بالمداراه و الصبر و ضبط النفس يفلح أن يذلل العقبات و يصل إلى مقصوده و يبلغ مناه و إلا فبالتعسف و الإنفعال و التوتر لا يفلح الإنسان أن ينجز شيئا.

الثالثة من الخصال: العقل أمير جنوده، إن الجنود التي تحت إمرة القائد هي بمثابة أذنه و لسانه و يده و ما إلى ذلك من أعضاء، فعقل المؤمن حاكم على جميعها، فكل عضو يعمل حسب ما يحكم به العقل لا ما يقتضيه الهوس و التشهي و الرغبات الطائشة.

و رابعها: الرفق و اللين مع الأخ المؤمن ففي الحديث:

  "... قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه و أله و سلم مَا وُضِعَ الرِّفْقُ عَلَى شَيْ‌ءٍ إِلَّا زَانَهُ وَ لَا وُضِعَ الْخُرْقُ عَلَى شَيْ‌ءٍ إِلَّا شَانَهُ فَمَنْ أُعْطِيَ الرِّفْقَ أُعْطِيَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ وَ مَنْ حُرِمَهُ حُرِمَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ"[2]

الخامس من الخصال: "البر" حيث يقول الحديث: "البر والده" فإن الإنسان عندما يولد يحمل صفات والده من طريق الجينات التي تتوفر في وجوده، كذلك الأمر بالنسبة للبر فإن الإنسان المؤمن يحمل كل المعاني الطيبة و كل مفاهيم الخير و الرشاد حتى كأنها مخالطة لذاته و دمه و لحمه.

لو دققنا في هذه الخصال لوجدنا أنها كفيلة لإسعاد المؤمن في دنياه و عقباه و بها يضمن مستقبله في الدارين.

عنوان البحوث الفقهي: طرق مكافحة العادة السرية

  كان البحث في سبل مكافحة هذه الظاهرة المشؤومة و قد أشرنا إلى بعض الأساليب، و سنتحدث عن بعضها الأخر و نحيل تفاصيل البحث إلى كتابنا "ما يهم الشباب".

  من سبل مكافحة هذه الظاهرة هو تجنب مصادقة رفاق السوء، فإن الشاب الذي يشارك في المجالس التي تُتعاطى فيها المخدرات لا محالة يتلوّث بذلك تدريجا، و هكذا العادة السرية فإنها تنتقل من صديق إلى أخر فلا يمكن أن يذهب شاب إلى مثل هذه المجالس و يعود نظيفا كما كان.

و منها إملاء ساعات الفراغ، على الشباب أن يملؤوا ساعات فراغهم بالرياضة، و الإستحمام و الترويح و الدراسة و ما شابهها من فعاليات سليمة خصوصا الرياضية فإنها زائدا على أنها عمل ترويحي تعدّ وسيلة لإفراغ الطاقة المخزونة في بدن الشاب التي ربما تسوقه إلى القيام بمثل هذا العمل، و الواقع أن البطالة تدفع الإنسان لممارسة أقبح الإعمال و منها هذا العمل، و لاسيما إذا تزامنت البطالة مع العزلة، فخطرها أعظم.

و منها: الإستحضار الدائم للمردودات السيئة لهذا الفعل الشنيع، فإن إستحضار أثاره السيئة يمثل دافعا قويا لتركه.

  و أخرها و أهمها ترسيخ مقومات الإيمان فإن الإيمان الراسخ يقي صاحبه من التلوث بالمنكرات و يمنحه حصانة بحيث إذا كان في مركز العصاة المذنبين أيضا يتمكن من حفظ نفسه أيضا، و لتحصيل ذلك عليه أن يشترك في المحافل الدينية و مجالس التوسل و أن يأتي بالصلاة في أوقاتها و بشروطها.

بقي هنا شيئان:

الأول: لو قلنا ببطلان حج من إستمنى عمدا حال الإحرام لأنا نحتاط في بطلان حجه لأن هناك روايتين تقولان بالصحة و أن القول بالبطلان توقع الشخص في مشقة و عناء و لذلك نذهب إلى الإحتياط فللمقلد أن يرجع بمن يقول بعدم البطلان في المقام ليس بطلان حجه على نحو الإطلاق لأن عمله هذا لم يكن أقوى سببا من مجامعة النساء فإنها إن كانت قبل المشعر فحجه باطل و بعد المشعر ليس عليه إلا الكفارة و إن كان عامدا، و لم يكن في خصوص الإستمناء دليل خاص و هو فرع من فروع المواقعة، و لذلك في حال الجهل أو النسيان فإنهما لا يؤديان إلى بطلان الحج، و أما في العمرة فلا يؤدي إلى بطلانها مطلقا و ليس عليه إلا الكفارة.

و ينبغي التنبيه على أن الحج لا يقاس بحال الصوم من ناحية الإستمناء لأنه عند الصوم تكون كل التروك مبطلة و أما في حال الحج أكثر التروك ليست بمبطلة و ما كان مبطلا منها فهو بعد المشعر لا قبله.

الثاني: ما قاله السيد الماتن عن الطيب:

  "الخامس- الطيب بأنواعه‌ حتى الكافور صبغا و إطلاء و بخورا على بدنه أو لباسه، و لا يجوز لبس ما فيه رائحته، و لا أكل ما فيه الطيب كالزعفران‌ و الأقوى عدم حرمة الزنجبيل و الدارصيني، و الأحوط الاجتناب"

  لا كلام في كبرى المسألة لأن لزوم التحرز من الطيب من المسلمات و إنما البحث في ماهية الصغريات و ما يجب التحرز عنها من بينها، و هناك بحث عن ستار الكعبة حيث أنها تعطر بأنواب الطيب و سيأتي الحديث عنها أيضا إن شاء الله.

[1] الكافي/ ج 2. ص 47. ح 1

[2] المستدرك/ ج 11. ص 292. ح 4

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo