< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشيرازي

32/11/03

بسم الله الرحمن الرحیم

عنوان البحث: تروك الإحرام -الطيب

  الخامس من تروك الإحرام هو الطيب. إن الغاية من الإحرام هو التربية الروحية في ترك الملذات البدنية و التمتع بالملذات المعنوية و من خلال ذلك يتهيأ الإنسان بشق طريق جديد في الحياة. من تروك الإحرام هو الطيب، يقول السيد الماتن عن ذلك:

  "الخامس- الطيب بأنواعه‌ حتى الكافور صبغا و إطلاء و بخورا على بدنه أو لباسه، و لا يجوز لبس ما فيه رائحته، و لا أكل ما فيه الطيب كالزعفران‌ و الأقوى عدم حرمة الزنجبيل و الدارصيني، و الأحوط الاجتناب"

  يقصد من أنواع الطيب أفراده مثل الزعفران و ماء الورد و ... ثم يشير إلى طرق الإستعمال في الثياب و البدن أو إيصال البخور إلى البدن و الملابس أو ما يضيفه من طيب إلى مأكله.

في البحث مقامان:

الأول: البحث في الكبرى و هو أن الطيب حرام على المحرم. إن هذا الحكم مسلم و إجماعي.

الثاني: في الصغريات، في أن مصاديق الطيب أربعة أو أكثر و أن الفواكه ذات الروائح الطيبة داخلة في محل النزاع أم لا؟ قد إختلفوا في ذلك كما سيلي.

الأقوال:

  قد تطرق الفقهاء للمقامين في كلماتهم:

  ففي المستند: "الثالث الطيب فإنه يحرم على المحرم و المحرمة في الجملة إجماعا محققا و محكيا..."[1]

  و في الرياض: "منها الطيب بلا خلاف فيه في الجملة"[2]

  و في الحدائق: "الطيب و يحرم على الرجل و المرأة معا أكلا و شما و إطلاء و إدعى عليه في التذكرة إجماع علماء الأمصار"[3]

  و في الجواهر: "و الطيب على العموم ... ما خلا خلوق الكعبة ... و لو في الطعام و لو إضطر إلى أكل ما فيه الطيب أو لمس الطيب قبض على أنفه"[4]

  ثم تطرق إلى موارد الخلاف. و الخلوق خليط من العطور المختلفة و يغلب عليها الزعفران، فإنه لو أمر بالقبض على الأنف فكان ذلك يؤدي إلى المشقة و لعل الإستثناء لهذا السبب.

  و في الجواهر [5] في معرض حديثه عن الكفارات تناول الطيب أيضا:

  "المحظور الثاني الطيب فمن تطيب أي استعمل الطيب كان عليه دم شاة سواء استعمله صبغا بالكسر أي إداما أو بالفتح أو إطلاء ابتداء أو استدامة بأن كان مستعملا له قبل الإحرام ثم أحرم أو بخورا أي تبخيرا أو في الطعام بلا خلاف أجده فيه، بل عن المنتهى الإجماع عليه""

  و في الفقه على المذاهب الأربعة حينما يتحدث عن تروك الإحرام يقول

  "و يحرم أيضا إستعمال الطيب كالمسك في ثوبه أو بدنه"[6]

  و لم ينقل خلافا في ذلك و ظاهره إتفاق الأئمة الأربعة في ذلك كما أشار العلامة.

الأدلة:

الأول: أول دليل على المسألة هو الإجماع، و هو و إن كان مدركيا إلا أنه مؤيد قوي للمسألة.

و الثاني: الروايات، و هي متواترة، و العمدة منها ما ورد في أربعة أبواب: أبواب الإحرام، أبواب تروك الإحرام، أبواب كفارات الإحرام من الوسائل -المجلد: 8- و كذلك في المجلد الثاني منه في أبواب غسل الميت، و البحث فيها عن إيصال الطيب إلى بدن الميت المحرم، و بالأولوية يثبت عدم الحرمة للمحرم الحي، و قيل أن الطيب هنا هو الكافور، و سيأتي البحث في أن الكافور هل هو من الطيب أم لا؟ على أن الأذواق تختلف من بلد إلى بلد و في عرفنا الراهن لا يعد الكافور من الطيب.

و حان الوقت لذكر الروايات:

  "وَ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُذَافِرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ إِذَا اغْتَسَلْتَ لِلْإِحْرَامِ فَلَا تَقَنَّعْ وَ لَا تَطَيَّبْ وَ لَا تَأْكُلْ طَعَاماً فِيهِ طِيبٌ فَتُعِيدَ الْغُسْلَ"[7]

  و إعادة الغسل لأجل ما ورد في الروايات من أن المحرم لو إغتسل غسل الإحرام ثم غطى رأسه أو لبس مخيطا فعليه إعادة الغسل. و يجري الحكم في الطيب أيضا، فإذا كان الحكم قبل الإحرام كذلك فبعد الإحرام بطريق أولى.

  "أَحْرَمَ لَكَ شَعْرِي وَ بَشَرِي وَ لَحْمِي وَ دَمِي وَ عِظَامِي وَ مُخِّي وَ عَصَبِي مِنَ النِّسَاءِ وَ الثِّيَابِ وَ الطِّيب‌"[8]

  فإن الإتيان بالتروك الثلاثة النساء، الثياب و الطيب- لإهميتها بين تروك الإحرام.

  "مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ يَعْنِي ابْنَ بَزِيعٍ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام كُشِفَ بَيْنَ يَدَيْهِ طِيبٌ لِيَنْظُرَ إِلَيْهِ وَ هُوَ مُحْرِمٌ فَأَمْسَكَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ بِثَوْبِهِ مِنْ رِيحِهِ"[9]

  إن الرواية صحيحة و لكن بما أن الروايات متظافرة فلا يهمنا البحث في سندها.

  "وَ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ لَا تَمَسَّ رَيْحَاناً وَ أَنْتَ مُحْرِمٌ وَ لَا شَيْئاً فِيهِ زَعْفَرَانٌ وَ لَا تَطْعَمْ طَعَاماً فِيهِ زَعْفَرَانٌ"[10]

  "وَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنْ صَفْوَانَ وَ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ لَا تَمَسَّ شَيْئاً مِنَ الطِّيبِ وَ لَا مِنَ الدُّهْنِ فِي إِحْرَامِكَ وَ اتَّقِ الطِّيبَ فِي طَعَامِكَ وَ أَمْسِكْ عَلَى أَنْفِكَ مِنَ الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَة"[11]

  فإن النهي عن الطيب و رائحته عام.

  "مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ حُمْرَانَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ قَالَ التَّفَثُ حُفُوفُ الرَّجُلِ مِنَ الطِّيبِ فَإِذَا قَضَى نُسُكَهُ حَلَّ لَهُ الطِّيبُ"[12]

  فإن إلتفث في الأية هو الأوساخ التي تجتمع وقت الإحرام فالأية تأمر بإزالة هذه الأوساخ و بتقصير الشعر. أحد اللغويين يقول: ما كنت إعرف معنى التفث حتى قال إعرابي لصاحبه: ما أتفثك يعني ما أوسخك!

  و كلمة الحفوف في قوله: "حفوف الرجل من الطيب" تعني إزالة الشعر و قولهم: "حفت المرأة شعرها" أي أزالت الشعر من وجهها، و كذلك تعني الإحاطة بالشيء! ففي الكتاب العزيز: "و ترى الملائكة حافين من حول العرش"[13] و هناك معنى ثالث للكمة و هو المنع.

و يبدو أن الأصل في جميع الإستعمالات هو المعنى الأخير، و ما يقال من أنه الملائكة حافين من حول العرش هو لأنها تمنع الأغيار من الإقتراب منه و كذلك المرأة فإنها تمنع من وجود الشعر على وجهها!

  فيصبح معنى التفث في الرواية على ضوء ذلك هو أنه كان يجانب الطيب فكانت تجتمع الأوساخ عليه فيكون معنى قوله: "ثم ليقضوا تفثهم" أي يزيلوا الرائحة النتنة عن أنفسهم و يتطيبوا.

[1] المستند/ ج 11. ص 367

[2] رياض المسائل/ ج 6 (ط الحديثة). ص 269

[3] الحدائق الناضرة/ ج 15. ص 409

[4] الجواهر/ ج 18. ص 317-324 ملخصا

[5] المصدر/ ج 20. ص 395

[6] الفقه على المذاهب الأربعة/ ج 1 (ط القديمة). ص 644

[7] الوسائل/ ج 12 (ط الحديثة). أبواب الإحرام. باب 13. ح 2

[8] المصدر/ باب 16. ح 1

[9] المصدر/ أبواب تروك الإحرام. باب 18. ح 1

[10] المصدر/ ح 3

[11] المصدر/ ح 5

[12] المصدر/ ح 17

[13] المائدة (39): 75

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo