< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشيرازي

32/11/04

بسم الله الرحمن الرحیم

عنوان البحث: تروك الإحرام الطيب

  كان البحث في الطيب و هو الخامس من تروك الإحرام، و قد قلنا أن المسألة إجماعية بين العامة و الخاصة. و قد أشرنا إلى إتفاق فقهاء الجمهور في البحث السابق، و في المغني لإبن قدامة عبارة تؤكد ما إستفدناه سابقا، فهو يقول:

  "أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من الطيب و قد قال النبي صلّى الله عليه و أله و سلّم في المحرم الذي وقصته راحلته "لا تمسوه بطيب" رواه مسلم و في لفظ "لا تحنطوه" متفق عليه، فلما منع الميت من الطيب لإحرامه فالحي أولى، و متى تطيب فعليه الفدية لأنه إستعمل ما حرمه الإحرام فوجبت عليه الفدية"[1]

  و قوله: "وقصتْه راحلته" أي ألقته على الأرض فهلك.

  و قوله: "الفدية" و هي الكفارة و الظاهر أنها دم شاة.

  كما يبدو من كلام إبن قدامة أن الإتفاق على حرمة الطيب لم يقتصر على الائمة الأربعة بل عم كل فقهاء الجمهور.

و أما ما دل من الروايات:

  "مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام عَنِ الْمُحْرِمِ يَمُوتُ كَيْفَ يُصْنَعُ بِهِ قَالَ إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَسَنِ مَاتَ بِالْأَبْوَاءِ مَعَ الْحُسَيْنِ عليه السّلام وَ هُوَ مُحْرِمٌ وَ مَعَ الْحُسَيْنِ عليه السّلام عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ وَ صَنَعَ بِهِ كَمَا يُصْنَعُ بِالْمَيِّتِ وَ غَطَّى وَجْهَهُ وَ لَمْ يُمِسَّهُ طِيباً قَالَ وَ ذَلِكَ كَانَ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ عليه السّلام"[2]

  إن الرواية صريحة في حرمة إيصال الطيب ببدن الميت فإن الإمام الحسين عليه السّلام جنّب الميت من الطيب وفقا لما ورد في كتاب علي عليه السّلام. فعندما يكون الطيب حرام حتى على الميت فعلى الحي من طريق أولى، وليعلم أن الحكم هنا تعبدي و إلا لا معنى لتجنيب الميت المحرم من الطيب لأنه لا تكليف له.

  "وَ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الْمُحْرِمِ يَمُوتُ فَقَالَ يُغَسَّلُ وَ يُكَفَّنُ بِالثِّيَابِ كُلِّهَا وَ يُغَطَّى وَجْهُهُ وَ يُصْنَعُ بِهِ كَمَا يُصْنَعُ بِالْمُحِلِّ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُمَسَّ الطِّيبَ"[3]

  إن الإضمار في احاديث سماعة لا يضر لأنه في أول كتاب مسائله ذكر الإمام عليه السّلام ثم أحال إليه جميع الأسئلة التي سألها منه عليه السّلام و لكن بعد التقطيع أصبحت أحاديثه مضمرة. و في هذه الرواية ينهى الإمام عليه السّلام فيقول: "أنه لا يمس الطيب" و النهي يدل على الحرمة.

  "وَ عَنْهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلَاءٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السّلام قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الْمُحْرِمِ إِذَا مَاتَ كَيْفَ يَصْنَعُ بِهِ قَالَ يُغَطِّي وَجْهَهُ وَ يَصْنَعُ بِهِ كَمَا يَصْنَعُ بِالْحَلَالِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُقَرِّبُهُ طِيباً"[4]

  و الدلالة في هذه الرواية تامة.

  و في المجلد التاسع، الباب 18 من أبواب التروك ثماني عشرة رواية تدل على المدعى و كذلك في الأبواب 20، 22، 23، 24، 25، 26 و 27 من أبواب التروك روايات تدل بالمنطوق أو المفهوم أو بالدلالة الإلتزامية أو بالأولوية على المقصود، و قد إخترنا من بين هذه الروايات روايات أكثرها عامة تعم كل طيب، و هي:

  "مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ لَا بَأْسَ بِالرِّيحِ الطَّيِّبَةِ فِيمَا بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ مِنْ رِيحِ الْعَطَّارِينَ وَ لَا يُمْسِكُ عَلَى أَنْفِهِ"[5]

لو كان الطيب مباحا فما كان وجه للإستثناء و لعل الإستثناء كان للعسر و الحرج الذي يلاقيه الحجيج أثناء السعي لو كان محرما. و الرواية صحيحة سندا. الا أن اليوم لا وجه لهذا الحكم في ذلك الموضع لأن سوق العطارين قد أزيل منذ زمن بعيد فلا وجه للإشارة إليه في بعض الرسائل العملية.

  "وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ‌ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبَلَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الْمُحْرِمِ يَمَسُّ الطِّيبَ وَ هُوَ نَائِمٌ لَا يَعْلَمُ قَالَ يَغْسِلُهُ وَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْ‌ءٌ وَ عَنِ الْمُحْرِمِ يَدْهُنُهُ الْحَلَالُ بِالدُّهْنِ الطَّيِّبِ وَ الْمُحْرِمُ لَا يَعْلَمُ مَا عَلَيْهِ قَالَ يَغْسِلُهُ أَيْضاً وَ لْيَحْذَرْ"[6]

  فلو كان مس الطيب جائزا لليقظان فما كان مبررا للسؤال عن مس النائم الطيب ليقول الإمام عليه السّلام يغسل و ليس عليه شيء.

  "مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الْحِنَّاءِ فَقَالَ إِنَّ الْمُحْرِمَ لَيَمَسُّهُ وَ يُدَاوِي بِهِ بَعِيرَهُ وَ مَا هُوَ بِطِيبٍ وَ مَا بِهِ بَأْسٌ"[7]

  فلو كان الحناء طيبا لأشكل أمره! فيبدو من هذا السؤال أن عدم الجواز كان من المسلمات عندهم، و أما من ناحية كون الحناء زينة فيمكن أن يقال أنه كان يطلي به موضعا لا يعد به زينة.

  "وَ بِالْإِسْنَادِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَ صَفْوَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام قَالَ لَا تَمَسَّ شَيْئاً مِنَ الطِّيبِ فِي إِحْرَامِكَ وَ أَمْسِكْ عَلَى أَنْفِكَ مِنَ الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَة ..."[8]

  في هذه الرواية أيضا الحكم عام.

  "أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيُّ فِي الْمَحَاسِنِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ حَرِيزٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام عَنِ الْمُحْرِمِ‌ يَشَمُّ الرَّيْحَانَ قَالَ لَا"[9]

  إن السائل يسأل الإمام عليه السّلام عن شم الريحان و الإمام عليه السّلام يقول له لا يجوز، و سيأتي أن النهي هنا يحمل على الكراهة و لكن من خلال هذا التسائل ينكشف أن حرمة الطيب كان مسلما في خلده لكنه شك هل أن الرياحين أيضا يعمها حكم الطيب أم لا؟

  "مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ التُّفَّاحِ وَ الْأُتْرُجِّ وَ النَّبْقِ وَ مَا طَابَ رِيحُهُ قَالَ تُمْسِكُ عَنْ شَمِّهِ وَ تَأْكُلُهُ"[10]

  ما يسبق إلى الخاطر من هذه الرواية هو أنه كان مسلّما في بال علي بن مهزيار أن الطيب محرم على المحرم و لذلك سأل عن حكم أشياء تفوح منها روائح طيبة، فاُجيب: "تمسك عن شمه و تأكله". هذا وإن لم يصرح بعنوان المحرم في الرواية! إلا أن الرواية التالية قد أشارت إلى ذلك.

  "وَ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الْمُحْرِمِ يَأْكُلُ الْأُتْرُجَّ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ لَهُ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ قَالَ الْأُتْرُجُّ طَعَامٌ لَيْسَ هُوَ مِنَ الطِّيبِ"[11]

  و للبحث صلة إن شاء الله.

[1] المغني/ ج 3. ص 296

[2] الوسائل/ ج 2 (ط الحديثة). أبواب غسل الميت. باب 13. ح 1

[3] المصدر/ ح 2

[4] المصدر/ ح 4

[5] المصدر/ ج 12 (ط الحديثة). أبواب تروك الأحرام. باب 20. ح 1

[6] المصدر/ باب 22. ح 4

[7] المصدر/ باب 23. ح 1

[8] المصدر/ باب 24. ح 2

[9] المصدر/ باب 25. ح 4

[10] المصدر/ باب 26. ح 1

[11] المصدر/ ح 2

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo