< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشيرازي

32/11/07

بسم الله الرحمن الرحیم

المحاضرة الأخلاقية:

  هذه رواية أخرى من باب الخصال من كتاب أصول الكافي[1] و قد تحدث الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام فيها عن اركان يتقوم بها الإيمان:

الأول: التوكل، و التوكل يعنى جعل الباري سبحانه وكيلا لأني مثلا أبذل ما بوسعي من الجهد و المثابرة و لكن أعلم أنه ليس كل شيء تحت سيطرتي فأحيل ما دون ذلك إلى الله سبحانه.

الثاني: التفويض، و هو يعني تفويض الأمر له سبحانه و ذلك بمقتضى الوكالة لأن الذي يوكّل أحدا فإنه يفوض الأمر إليه.

الثالث: الرضا بما يصنعه الوكيل و ذلك عندما يجيد دوره في إنجاز مهمته.

الرابع: فكما يكون الموكل مستسلما بالفعل لما أنجزه الوكيل يكون العبد أيضا مستسلما لأمر ربه سبحانه و تعالى.

  بناء على هذا التفسير الذي عرضناه، نشاهد أن الأركان الأربعة مترابطة فيما بينها.

  و لنمثل لذلك بشابّ يريد أن يتزوج من فتاة، فإنه يبحث عن وضع هذه الفتاة و خصوصياته و ما تتصف به أسرتها و ما يعرف به من كان حولها، ثم يحيل ما تبقى من أبعاد الموضوع الذي لا يحيط بكل جوانبه علما إلى الله سبحانه! فيرضى بما قدّر له الرب الرحيم و يستسلم إليه!

  قد أطلق على هذه المقومات الأربعة أركان الإيمان لأنها تنبع من التوحيد الأفعالي و معنى التوحيد الأفعالي هو أنه لا يحدث في الوجود شيء إلا ما أراد الله فلا مؤثر في الوجود إلا الله و قد قال جل من قائل: "ليس للإنسان إلا ما سعى"[2] فأمرنا أن نعمل ونسعى، و إذا ما عملنا نوكل ما كان خارجا عن وسعنا إليه سبحانه.

  إن الله -جل و على- حكيم و عادل و رحمن و رحيم فعندما يتخذ الإنسان ربه وكيلا فإنه يعتمد على من هو حكيم، يعمل بحسب المصالح و أنه عادل لا يحيف على عباده أبدا و أنه رحمان و رحيم و رؤوف بالعباد فعند ذلك يطمئن الإنسان أنه أوكل أمره إلى من هو أهل لذلك.

  و ليعلم أن حوادث الدنيا قد لا تسير على ما يشتهي الإنسان و يبتغيه فليس الحياة خالية من البلايا و الحوادث المرة، فإن الله سبحانه قد قدر بقدرته أن تكون ملذات الدنيا محفوفة بالمنغصات و لذلك قال الشاعر:

  طبعت على كدر و أنت تريدها صفوا من الأقذار و الأكدار

  فإن كل واحد منا قد يواجه في مجريات حياته حوادث مأساوية، و عند معالجة هذه الحالة نكون أمام خيارات فإما أن نواجهها بتوتر و إنفعال، و إما أن نتكل على المولى الحكيم الرحيم -الذي لا يجور على أحد و لا يحيف عليه- و نستسلم لما يقضي و يقدر و نرضى برضاه، فإن الخيار الثاني هو الخيار الأنجع لأن هذا التوجه ينتهي بالمرء إلى سلوك طريق الصواب و الحصول على الأجر و الثواب في الأخرة، و الذي ينفعل و يجزع و يفزع فإنه يفقد صوابه و يضل الطريق الصحيح لمعالجة مشكلته.

لإيضاح المقصود أكثر فأكثر نأتي بتمثيل: قد يدخل الغرفة عصفور من النافذة فعندما يواجه باب الغرفة مغلقة يتوهم أنه قد حوصر من كل جانب فيرمي بنفسه على الجدران خوفا. فيضلّ طريقه بحيث لا يهتدي طريقه حتى لو فتحت له النافذة ليخرج، فإن إصابته بهذه الحالة ناشئة من غلبة الخوف فإن الخوف يسلب منه قوة التفكير الصحيح! فإذا أبعد عن نفسه الخوف و فكر بطريقة صحيحة فحينذاك يستطيع الخروج من تلك النافذة بكل يسر و راحة فلا يضطر إلى أن يضرب بنفسه عرض الجدار.

  الناس في مطبات الحياة قد يصابون بنفس الحالة فعليهم أن يختاروا ما هو الأنجع من الطرق ليصلوا بها إلى مرفأ الأمن و السلام!

عنوان البحوث الفقهي: تروك الإحرام الطيب

ملاحظة:

  في البحث السابق قرأنا رواية فيها لفظة "بدستشان" و قد أوضح الطريحي اللفظة فقال أنها بمعنى "غسول اليد" و غسول اليد هو ما يغسل به كالصابون، ثم أضاف أنها ليست عربية.

  و أما بحثنا فقد قلنا فيما سبق أن الروايات تعارضت بعضها مع البعض فبعضها يدل على العموم و بعضها الأخر على الخصوص، قلنا أن هناك وجهان للجمع بين هذه الروايات المتنافية:

الوجه الأول: هو أن نقيد إطلاق الروايات بالروايات التي دلت على التخصيص أو نلجأ إلى الحكومة فنقول أن الروايات الخاصة التي قالت "إنما" مفسرة للروايات العامة و عليه تنحصر حرمة الطيب في المصاديق التي عدتها الروايات!

و لكن يرد على هذا الوجه:

أولا: من المستبعد جدا أن يفرق الشارع المقدس بين أصناف الطيب! لأن حكمة التحريم هو التحرز من الملذات المادية و على ضوء ذلك فإن التعبد بأربعة من مصاديق الطيب بعيد جدا، و لا سيما أن بعض الروايات قد أشارت إلى "التلذذ بالرائحة الطيب" و هو يعم جميع أنواع الطيب، فالإتيان بحكمة الحكم و هو التلذذ يمنع من هذا التقييد أو الحكومة.

ثانيا: لا نستطيع أن نقيد جميع إطلاق الروايات الكثيرة التي تبلغ ثلاثين رواية أو ما يزيد -في حين أن كلها في مقام البيان- بعدد قليل من الروايات! و قد أشرنا في بحوثنا الأصولية أن هذا الأمر يأباه الذوق العرفي.

ثالثا: إن هذا التقييد يؤدي إلى تخصيص الأكثر لان هناك مئات الأنواع من الطيب فكيف نستطيع أن نحرم أربعة منها فقط و نبيح الباقي!

الوجه الثاني: هو أن نختار طريقا أسلم و أنجع و قد صرح به البعض و هو أنه حال إستقرار التعارض نعمل على فكه من طريق الأخذ بالمرجحات و أولها هو الشهرة الفتوائية و قد قامت الشهرة بحرمة الطيب مطلقا كما قامت الشهرة الروائية بذلك أيضا على أن الحرمة في المصاديق الأربعة أغلظ و أشد و الحصيلة النهائية هي أن الطيب محرم للمحرم مطلقا غير أن حرمة الأربعة منها مغلظة فالإحتياط في التحرز منها أكثر.

بقي هنا أمور:

الأول: هل أن هناك فرق بين أقسام الإستعمالات في الطيب أم لا فرق بينها؟ كما لو طليت البدن به أو بخرته في الجو، أو رششته على السجاد أو أضفته إلى الأكل و ما إلى ذلك من إستعمالات؟

نحن نذهب إلى حرمة جميع الإستعمالات، و لكن السيد الماتن قد إقتصر في بيان مصاديق الطيب على بعض الأمثلة و قال أنه يحرم أنواع الطيب إلا أنه أفضل عبارة عثرنا عليها في تبيين أنواع الإستعمالات هي عبارة العلامة كما عن الرياض:

  "سواء استعمله لعضو كامل أو بعضه، و سواء مسّت الطعام النار أم لا. و حكي أيضاً عن التذكرة بزيادة قوله: شمّاً و مسّاً، علّق به بالبدن أو عنقت به الرائحة، و احتقاناً و اكتحالًا و إسعاطاً لا لضرورة، و لبساً لثوب مطيب، و افتراشاً له بحيث يشم الريح أو يباشر به بدنه و ثياب بدنه، قال: و لو داس بنعله طيباً فعلّق بنعله فإن تعمّد ذلك وجبت الفدية"[3] .

  إن العلامة وإن أجاد في جمع طرق الإستعمال إلاأنه قدس سره فاته إستعمال البخور، و سيأتي البحث في الروايات لكي نعرف هل أنها تحرم جميع الإستعمالات أم أنها تقتصر على البعض منها! إن شاء الله.

[1] الكافي/ ج 2

[2] النجم (53): 39

[3] الرياض/ ج 7 (ط الحديثة). ص 429

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo