< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشيرازي

32/11/17

بسم الله الرحمن الرحیم

  عنوان البحث: تروك الإحرام ما يمكن أن يلحق بالطيب من الرياحين و الفواكه
  كان البحث في إمكان تعميم حكم الطيب و عدمه إلى الرياحين و والفواكه العطرة بالنسبة إلى المحرم!
  قد إختلفت كلمة الفقهاء في ذلك فبعضهم قال بعدم التعميم فأفتى بالكراهة و أدرجها في ضمن المكروهات للمحرم و بعضهم قال بالحرمة فأدرجها ضمن المحرمات عليه.
  قرأنا تسع روايات كانت تدل على الحرمة بطرق مخلتفة و هناك روايتان أخريتان:
  "مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَلَبِيِّ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ جَمِيعاً عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام قَالَ الْمُحْرِمُ يُمْسِكُ عَلَى أَنْفِهِ مِنَ الرِّيحِ الطَّيِّبَةِ وَ لَا يُمْسِكُ عَلَى أَنْفِهِ مِنَ الرِّيحِ الْخَبِيثَةِ" [1] .
  الرواية صحيحة سندا و بما أن الرواي فيها إثنان نحكم بتعددها فهي في الواقع روايتان. و أما دلالة فالرواية تقول: "يُمْسِكُ عَلَى أَنْفِهِ مِنَ الرِّيحِ الطَّيِّبَةِ" فالإمام عليه السّلام يأمر بالأخذ بالأنف و هو ظاهر في الوجوب و ذلك يلازم حرمة الشم للمحرم، كما أن الذيل أيضا قرينة على أن الإمساك واجب لأن الفقهاء أفتوا بوجوب عدم الإمساك عندما يكون المحرم عرضة إلى الرائحة النتنة! كما أن قوله: "الريح الطيبة" تشمل كل رائحة طيبة مهما كان مصدرها.
  "وَ بِالْإِسْنَادِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَ صَفْوَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام ... وَ أَمْسِكْ عَلَى أَنْفِكَ مِنَ الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ ..." [2] .
  و الإستدلال بهذه الرواية كسابقتها، فإن الريح الطيب عام يشمل كل ما كان له رائحة طيبة.
  إذن هذه أحدى عشرة رواية دلت على الحرمة بطرق متفاوتة.
  و في المقابل روايات معارضة تدل على الجواز و هي و إن لم تكن بمستوى الروايات السابقة قوة إلا أنها تامة دلالة و سندا و فيها الصحاح من الروايات:
  "مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الْحِنَّاءِ فَقَالَ إِنَّ الْمُحْرِمَ لَيَمَسُّهُ وَ يُدَاوِي بِهِ بَعِيرَهُ وَ مَا هُوَ بِطِيبٍ وَ مَا بِهِ بَأْسٌ" [3] .
  يبدو من هذه الرواية أن الحناء كان يعد من الطيب أو كان مشتبها في إعتباره منه، فأجاب الإمام عليه السّلام أنه ليس من الطيب في شيء فيتبين من ذلك أن الحرام هو الطيب فما ليس بطيب فلا يكون حرام بتاتا فالحناء و الورود و الأعشاب العطرة لا تعد منه أصلا.
  "مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ فَضَالَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام لَا بَأْسَ أَنْ تَشَمَّ الْإِذْخِرَ وَ الْقَيْصُومَ وَ الْخُزَامَى وَ الشِّيحَ وَ أَشْبَاهَهُ وَ أَنْتَ مُحْرِمٌ" [4] .
  قول الإمام عليه السّلام: "... وَ أَشْبَاهَهُ ..." عام يشمل الرياحين و الأعشاب الطيبة الريح، و لا خصوصية لهذه الموارد الأربعة، فقوله: "و أشباهه"، يشمل كل نبات ذي رائحة طيبة، و من البعيد أن يكون الإجتناب من هذه الموارد الأربعة تعبديا.
  "وَ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الْمُحْرِمِ يَأْكُلُ الْأُتْرُجَّ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ لَهُ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ قَالَ الْأُتْرُجُّ طَعَامٌ لَيْسَ هُوَ مِنَ الطِّيبِ" [5] .
  إن الإمام عليه السّلام في هذه الرواية يقول الأترج طهام و ليس من الطيب فكل ما كان من الطعام و إن كان ذا رائحة لا يعد طيبا.
  و هناك روايتان في الباب الثاني من أبواب الطواف تشير إلى إستحباب تعطير الفم بالإذخر بعد إنعقاد الإحرام لكي يكون الفم معطرا عند تقبيل الحجر و الحديثان هما:
  "مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام قَالَ إِذَا دَخَلْتَ الْحَرَمَ فَخُذْ مِنَ الْإِذْخِرِ فَامْضَغْهُ" [6] .
  تقول الرواية : "... إِذَا دَخَلْتَ الْحَرَمَ ..." و الدخول للحرم لا يكون بلا إحرام فالحكم في هذه الرواية يختص بمن أحرم، فالإمام عليه السّلام يقول: "إمضغ الإذخر" مع أنه طيب الريح، إذن إستعماله جائز بل نقول أنه لا خصوصية للإذخر بل يمكن إستعمال كل ما كان طيب الرائحة لهذا الغرض. هذا من ناحية الدلالة و أما من ناحية السند فالرواية صحيحة خلافا للتالية حيث إن في سندها ضعف.
  "وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام إِذَا دَخَلْتَ الْحَرَمَ فَتَنَاوَلْ مِنَ الْإِذْخِرِ فَامْضَغْهُ وَ كَانَ يَأْمُرُ أُمَّ فَرْوَةَ بِذَلِكَ" [7] .
  فإن الإمام عليه السّلام أمر بمضغ الإذخر و كان يأمر أم فروة و الأمر يدل على الإستحباب في مثل المقام.
  و ملخص القول:
  كان في هذ الروايات الصحيح و الضعف و لكنها بمجموعها حجة، و عليه أن الراويات في كلا الطرفين متعددة و متضافرة و فيها الصحاح!
  وجوه الجمع:
  الأول: و هو الجمع الدلالي بأن نحمل المنع على الكراهة أو الإستحباب و ذلك بناء على حمل ظاهر النهي على الكراهة لأن النهي ظاهر في الحرمة و لكن يحتمل الخلاف أيضا، و الروايات المجوزة نص في الجواز، فنحمل الظاهر على النص، و وفق ذلك نحكم بالكرhهة هنا كما ذهب إليه كثير من الفقهاء! و بذلك نفتي بكراهة كل ما كان ذا رائحة طيبة مثل الصابون و معجون الأسنان و ما إلى ذلك من موارد لا تعد عادة من العطريات فتستثنى من حرمة إستعمال الطيب.
  و أما السيد الماتن قد إستثنى أمرين: أحدهما: الرياحين الأربعة و الثاني: خلوق الكعبة فقال:
  "يجب الاجتناب عن الرياحين أي كل نبات فيه رائحة طيبة إلا بعض أقسامها البرية كالخزامى، و هو نبت زهره من أطيب الأزهار على ما قيل، و القيصوم و الشيخ و الإذخر ..."
  إن مستند السيد الماتن هو رواية صحيحة.
  "مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ فَضَالَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام لَا بَأْسَ أَنْ تَشَمَّ الْإِذْخِرَ وَ الْقَيْصُومَ وَ الْخُزَامَى وَ الشِّيحَ وَ أَشْبَاهَهُ وَ أَنْتَ مُحْرِمٌ" [8] .
  هنا تساؤل عن إستناد السيد الماتن إلى هذه الرواية:
  أولا: لم لم يرتب أثرا على قوله و أشباهه فإنها عامة تشمل الرياحين البرية و غير البرية؟
  ثانيا: هل أن المسألة تعبدية؟ أم أن النكنة واضحة في المقام و ذلك لأن الرياحين ليست من الطيب؟
  قد بقي هذان السؤالان من دون جواب، و عليه لا وجه لهذا الإستثناء بل الحكم يعم جميع الموارد المشابهة لها.
  و أما الإستثناء الأخر هو خلوق الكعبة، هل أن إستثنائه موضوعي أم حكمي؟ و ما هو الدليل على الإستثناء؟ هل هناك رواية؟ و ما هو الموضوع؟ يقول السيد الماتن في ذلك:
 "و يستثنى من الطيب خلوق الكعبة، و هو مجهول عندنا، فالأحوط الاجتناب من الطيب المستعمل فيها"


[1] الوسائل/ ج 12(ط الحديثة). أبواب تروك الإحرام. باب 24. ح 1
[2] المصدر/ ح 2
[3] المصدر/ باب 23. ح 1
[4] المصدر/ باب 25. ح 1
[5] المصدر/ باب 26. ح 2
[6] المصدر/ ج 13. أبواب مقدمات الطواف. باب 3. ح 1
[7] المصدر/ ح 2
[8] المصدر/ ج 12. أبواب تروك الإحرام. باب 25. ح 1

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo