< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشيرازي

32/11/24

بسم الله الرحمن الرحیم

  عنوان البحث: تروک الإحرام- الطيب، حكم الأخذ بالأنف في سوق العطارين
  قلنا أنه لا بأس في العبور من سوق العطارين في المسعى و إنتقلنا منه إلى كل سوق لهم فلا يجب الأخذ بالأنف لمنع وصول الرائحة للأنف إذا كان المحرم مضطرا إلى العبور!
  كثير من الفقهاء لم يتعرض للمسألة و من تعرض لها منهم إستند في الجواز إلى دليلين:
  1. الضرورة
  2. و رواية هشام بن الحكم!
  بقي هنا أمور:
  الأول: أن الأخذ بالأنف عند العبور من سوق العطارين هل أنه من باب الضرورة أو التعبد؟! فإن كان من باب الضرورة فيمكن التعميم لكل سوق للعطارين يقع على طريق المحرم فلا يجب الأخذ بالأنف حينئذ و إن كان من باب التعبد فلا يمكن التعدي منه إلى غيره، و لكنه لا وجه للتعبد لأنه لا خصوصية لسوق العطارين في المسعى!
  الثاني: بناء على القول بالتعبد هل أن عدم الأخذ بالأنف يختص بظرف السعي أم لا؟ فيعم الظروف و الأحوال الأخرى كما لو إنتهى مرشد الحجيج من سعيه ثم دعت الحاجة إلى الذهاب إلى المسعى، و كذلك إذا أراد أن يذهب إليه ليشارك في الصلاة التي تقام هناك!
  فلو قلنا بالضرورة في عدم وجوب الأخذ بالأنف عند المسعى لا يجوز له أن يذهب لأجل الإشتراك في الجماعة التي تقام فيه لأنه لا ضرورة في ذلك فلا يجوز له أن يشم رائحة الطيب فيلزم أن يأخذ بأنفه لو ذهب.
  و إن قلنا بالتعبد نأخذ بالقدر المتيقن و هو عدم وجوب الأخذ بالأنف حال السعي فحسب و الظاهر من رواية هشام هو الإمساك حال السعي فقط دون الحالات الأخرى!
  الثالث:
  إن السيد الگلبایگانی في كتاب الحج يقول: "و أما الإجتياز من سوق العطارين فلا إشكال في جوازه و لا إختصاص بالسوق السابق بين الصفا و المروة بل يعم كل سوق يباع فيه الطيب لعدم شمول الأدلة لذلك كلّه" [1]
  ما هو محط البحث من كلام السيد هو قوله: "... بل يعم كل سوق يباع فيه الطيب لعدم شمول الأدلة لذلك كلّه"
  لأنه إذا كان يرى الجواز من باب الضرورة فلا إشكال و إنما الإشكال في قوله إن الأدلة قاصرة عن إفادة المعنى في حين أنها ليست بقاصرة لأنه كثيرا من الروايات كانت تدل على وجوب الأخذ بالأنف! فما هو مراد السيد هل أنه يعني: لو كانت رائحة الطيب منتشرة في الجو فلا إشكال و إنما الإشكال في إطلاء الجسم بالطيب؟! إذا كان هذا مراده فهو خلاف الظاهر، بل أن رواية هشام تقول بأنه لا بأس بشم الطيب في سوق العطارين في المسعى و هذا يدل بالمفهوم أنه إذا كان في غير المسعى ففيه بأس.
  مسألة 13:
  "لو اضطر إلى لبس ما فيه الطيب أو أكله أو شربه يجب إمساك أنفه، و لا يجوز إمساك أنفه من الرائحة الخبيثة، نعم يجوز الفرار منها و التنحي عنها"
  في المسألة فرعان:
  الأول: ما لو إضطر المحرم من لبس ما فيه الطيب أو أكل شيء معطر أو شرب ما كان كذلك فعليه أن يمسك بأنفه لأن الضرورات تقدر بقدرها.
  الثاني: يجب عليه أن لا يمسك بأنفه من الرائحة النتنة و إن كان له أن يفر من ذلك المكان أو يتنحى جانبا عنه.
  الأقوال:
  قال النراقي في الفرع الأول:
  "إذا اضطرّ المحرم إلى مسّ الطيب- لدواء و نحوه - أو إلى‌ أكله، قبض على أنفه وجوبا، و نسب إلى الأصحاب مؤذنا بدعوى الإجماع" [2]
  و قد ورد في هامش المحقق: أن الذي نسب هو العلامة في التذكرة حيث أن كلامه ظاهر في الإجماع.
  و قد أورد ذلك المحقق في الشرائع و تبعه الجواهر كما أن صاحب الجواهر لم يورد ما يخالف ذلك من الأصحاب.
  الدليل:
  الأول: القاعدة
  هناك قاعدة تفيد أن الضرورات تقدر بقدرها و هي قاعدة عقلية و شرعية فلو إقتضت الضرورة جواز الإستفادة من شيء ينبغي أن يكون الجواز بقدر رفع الضرورة، فالجائع عندما يضطر إلى أكل الميتة فلا يستطيع أن يأكل بقدر ما يشتهي بل عليه أن يأكل ما يسد به رمقه و ينقذه من الموت المحتم.
  و كذلك الأمر فيما نحن فيه فإنه لو إضطر المحرم على أكل أو لبس ما فيه طيب فلا يجوز له أن يشم رائحتهما لأنه ليس بمضطر على الشم و الإستشمام و إذا إضطر إليه فهو أيضا يجوز بقدر الضرورة.
  الثاني: الروايات
  "مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَلَبِيِّ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ جَمِيعاً عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام قَالَ الْمُحْرِمُ يُمْسِكُ عَلَى أَنْفِهِ مِنَ الرِّيحِ الطَّيِّبَةِ وَ لَا يُمْسِكُ عَلَى أَنْفِهِ مِنَ الرِّيحِ الْخَبِيثَةِ" [3]
  بما أن الرواية قد رويت بثلاث طرق فهي ثلاث روايات.
  و أما الدلالة فهي تحرّم مطلق الرائحة الطيبة فتشمل الرياحين كما تشمل الفواكه ذات الرائحة الطيبة و ما نذهب إليه هو أن ما يحرم هو الطيب فقط فلابد من تقييد الرواية أو حمل الرواية على إستحباب إجتناب ما سوى الطيب.
  "وَ بِالْإِسْنَادِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَ صَفْوَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام قَالَ لَا تَمَسَّ شَيْئاً مِنَ الطِّيبِ فِي إِحْرَامِكَ وَ أَمْسِكْ عَلَى أَنْفِكَ مِنَ الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ (وَ لَا تُمْسِكْ عَلَيْهِ مِنَ‌ الرَّائِحَةِ الْمُنْتِنَةِ) الْحَدِيث‌" [4]
  الرواية صحيحة سندا و هي في دلالتها أفضل من سابقتها لأنه ما منع فيها هو إستعمال الطيب و بما أن قوله "الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ" وردت بعد الطيب قد يقال أن المراد منه هو رائحة الطيب لا الرائحة الطيبة علي نحو الإطلاق.
  و نظرا إلى ما سبق من الروايات يُعبر عن منع وصول الرائحة الطيبة إلى الأنف بـ: قبض الأنف، أخذ الأنف، و إمساك الأنف.
  و أما الرواية التالية:
  " مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ يَعْنِي ابْنَ بَزِيعٍ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السّلام كُشِفَ بَيْنَ يَدَيْهِ طِيبٌ لِيَنْظُرَ إِلَيْهِ وَ هُوَ مُحْرِمٌ فَأَمْسَكَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ بِثَوْبِهِ مِنْ رِيحِهِ" [5]
  فإنها تشير إلى فعل الإمام عليه السّلام و دلالة فعل الإمام عليه السّلام على الحكم إجمالية فإنه قد يدل على الوجوب كما قد يدل على الإستحباب و لعل فعله دل على الإباحة أيضا إلا أنه في المقام لا يدل على الإباحة.
  فإمساك الإمام عليه السّلام أنفه في الرواية قد يدل على الحرمة كما أنه قد يدل على الإستحباب، و عليه أن الإستدلال بالرواية على المدعى فليس بالأمر الهين.


[1] كتاب الحج/ ج 2. ص 94
[2] المستند/ ج 11. ص 377
[3] الوسائل/ ج 12 (ط الحديثة). أبواب تروك الإحرام. باب 23. ح 1
[4] المصدر/ ح 2
[5] المصدر/ باب 18. ح 1

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo