< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

32/11/26

بسم الله الرحمن الرحیم

  عنوان البحث: بيع الطيب و كفارة إستعماله
  قلنا في المسألة الثالثة عشرة يلزم على المحرم ان يأخذ بأنفه عندما تفوح رائحة الطيب و أما إذا كانت الراحة نتنة يجب عليه أن لا يمسك عليه. نعم يستطيع أن يغادر المكان أو يتنحى إلى موضع قريب منه لا تؤذيه الرائحة فيه، و الدليل على ذلك أصالة الحلية: "كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام" و أصالة البرائة العقلية: "قبح العقاب بلا بيان" فإن المولى أمر بأن لا يمسك المحرم بأنفه و أما أكثر من ذلك فلا دليل عليه.
  و هل يمكن إلغاء الخصوصية في المقام و القول بأنه كما أن إمساك الأنف حرام كل فعل شابهه مثل مغادرة المكان و التنحي أيضا حرام أم لا؟ لا يمكن الذهاب إلى ذلك لأن إلغاء الخصوصية عرفا يجب أن يكون قطعيا و الإلغاء هنا ليس قطعيا فلا يمكن التعدي من حرمة إمساك الأنف إلى حرمة المغادرة و التنحي و الحكم بأنهما يحرمان أيضا.
  مسألة 14:
  "لا بأس ببيع الطيب و شرائه و النظر إليه. لكن يجب الإحتراز عن إستشمامه"
  الأقوال:
  قد سبق منا القول بأنه يحرم من الطيب شمه و إستشمامه حال الإختيار و إستعماله و أما بيعه و شرائه و النظر فيه فليس بحرام و يبدو أن ذلك موضع إتفاق الفقهاء.
  قال في التذكرة: "و يجوز له شراء الطيب إجماعا، لأنّه غير المنهي عنه فيبقى على الإباحة الأصلية و كذا يشتري المخيط و الجواري، لأنّه غير الإستمتاع بهما، بخلاف النكاح الذي لا يقصد به إلّا الإستمتاع، فلهذا منع منه" [1]
  قد دارت بحوث تفصيلية في علمی الكلام و الأصول حول أن الأصل في الأشياء عقلا هل هو الحظر أو الإباحة؟ قد إدعى بعض قليل من أهل العلم أن الأصل في الأشياء هو الحظر لأن كل شيء ملك للباري سبحانه فيلزم فی کل تصرف الحصول على ترخيص من المالك للتصرف في ملكه فما لم يجز لا يجوز التصرف في شيء من ذلك.
  و لكن على الصحيح أن الأصل في الأشياء هو الإباحة كما أثبتناه في أكثر من موضع و لذلك يقول العلامة "و يجوز له شراء الطيب إجماعا، لأنّه غير المنهي عنه فيبقى على الإباحة الأصلية" [2]
  و قال في المنتهى:
  "... إنّه يجوز له شراء الطيب و لا نعلم فيه خلافا؛ لأنّه منع من إستعماله، و الشراء ليس إستعمالا له، و قد لا يقصد به الإستعمال، بل التجارة أو إستعماله عند الإحلال، فلا يمنع منه" [3]
  إن العلامة هنا إدّعى عدم الخلاف في المسألة و لم يدعي الإجماع و الإجماع أقوى من اللاخلاف لأنه في الإجماع الجميع يتعرضون للمسألة و أما في عدم الخلاف قد لا يتعرض البعض لها.
  و قد تعرض علماء الجمهور للمسألة كما في حاشية الشرواني الشافعي و هو من علماء القرن الثاني عشر فقال:
  "لا يكره للمحرم شراء الطيب و المخيط و الأمة" [4]
  و الدليل: قاعدة الإباحة الشرعية و أصل البرائة العقلية، و أنه لا خلاف بين الفقهاء في المسألة.
  مسألة 15:
  "كفارة إستعمال الطيب شاة على الأحوط، و لو تكرر منه الإستعمال فإن تخلل بين الإستعمالين الكفارة تكررت، و إلا فإن تكرر في أوقات مختلفة فالأحوط الكفارة، و إن تكرر في وقت واحد لا يبعد كفاية الكفارة الواحدة"
  هذه أخر مسألة في الطيب و هي تشتمل على فرعين:
  الفرع الأول: كفارة إستعمال الطيب، بما أن الروايات فيها مختلفة و كثيرة أفتى السيد الماتن بالإحتياط.
  و الفرع الثاني: هو تكرار إستعمال الطيب، و فيه تفصيل فلو إستعمل الطيب أكثر من مرة فإن تخللت الكفارة فيجب تكرارها بتكرر إستعمال الطيب و إن لم يتخلل فلا يبعد وجوب كفارة واحدة، نعم لو إستعمل الطيب في أوقات مختلفة مثل الصبح و الظهر و الليل من دون تخلل الكفارة ففي مثل ذلك تجب إحتياطا.
  ما يبدو من عبارة السيد الماتن هو أن المسألة ذات فرعين و لكن الأفضل أن تقسم إلى أربعة فروع:
  الأول: هل أن في وجوب إستعمال الطيب كفارة أم لا؟ فإن كفارة إستعمال الطيب من المسلمات بين علماء الإسلام إجمالا.
  الثاني: ما هي الكفارة؟ هل أنها دم شاة أو إطعام مساكين أم أنها إستغفار فحسب و هل أن هذا الإستغفار هو كفارة أم أنه مجرد إستغفار؟
  الثالث: هل أن الكفارة تعمم جميع موارد إستعمال الطيب أم تختص ببعضها مثل الشم و الإستشمام؟
  في موارد الإستعمال خلاف بين الفقهاء، فالمحقق و صاحب الجواهر قالا أن في جميع الموارد كفارة و بعضهم قال أن الكفارة في بعضها مثل الشم أو شرب المعطر و إن كانت الإستعمالات الأخرى تحرم في نفسها.
  الرابع: تكرر الكفارة و ما لها من أحكام.
  فلندرس الفروع الأربعة واحدا تلو الأخر:
  الفرع الأول: قد أدعي الإجماع على أن في إستعمال العطر كفارة و قد نُقل عن أحد المتقدمين أنه لم يتعرض للكفارة و لكن ذلك لا يعد مخالفة لما ذهب إليه باقي الفقهاء.
  الأقوال:
  قد تطرق الفقهاء للمسألة ففي الجواهر:
  "المحظور الثاني الطيب فمن تطيب أي إستعمل الطيب كان عليه دم شاة سواء إستعمله صبغا بالكسر أي إداما أو بالفتح أو إطلاء إبتداء أو استدامة بأن كان مستعملا له قبل الإحرام ثم أحرم أو بخورا أي تبخيرا أو في الطعام بلا خلاف أجده فيه، بل عن المنتهى الإجماع عليه" [5]
  قد إدعى صاحب الجواهر عدم الخلاف في المسألة في حين أن بين الفقهاء خلاف في أصل كفارة الشاة كما في كفارة الإستعمالات المختلفة.
  ففي المستند:
  "و منهم من ذكرها للتدهّن خاصّة، كابن سعيد. و منهم من ذكرها لأكل الطعام المطيّب كذلك، كالمفيد و ابن حمزة. و منهم من ذكرها لإستعمال المسك و العنبر و العود و الكافور و الزعفران، كالنزهة. و منهم من ذكرها للأكل و شمّ الكافور و المسك و العنبر و الزعفران و الورس، و صرّح بالنفي فيما عدا ذلك، كالحلبي. و منهم من زاد على الأخير: إستعمال الدهن الطيّب، و نفي الكفّارة عمّا عدا ما ذكره بالإجماع و الأخبار و الأصل، كالخلاف. و منهم من عمّمها للطيب صبغا و أكلا و إطلاء و تبخيرا و شمّا و مسّا و إحتقانا و إكتحالا و إسعاطا، إبتداء و إستدامة، كالشرائع و النافع و القواعد و الإرشاد و المنتهى و التذكرة و التحرير" [6]
  و بذا يتبين أن في المسألة سبعة أقوال و إن لم يكن خلاف في أصل الكفارة لأنه قلنا أنها مسلمة بين فقهاء الفريقين. و إنما الخلاف كل الخلاف في مواردها.


[1] التذكرة/ ج 7. ص 313
[2] المصدر
[3] المنتهى/ ج 12. ص 44
[4] حواشي الشرواني/ ج 4. ص 168
[5] الجواهر/ ج 20. ص 395
[6] المستند/ ج 13. ص 267-266

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo