< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

32/12/02

بسم الله الرحمن الرحیم

  عنوان البحث: تكرار الكفارة بتكرر إستعمال الطيب
  كان البحث في الفرع الرابع و هو أنه لو تكرر إستعمال الطيب هل تتكرر الكفارة أم لا؟ قلنا أن الأراء في المسألة مختلفة، فكان البعض يعتبر تعدد المكان و بعض أخر تعدد الزمان و بعض ثالث تعدد الصنف و كان بعضهم يقول أن التكرار في الإستعمال يوجب تكرار الكفارة مطلقا.
  و للسيد الماتن تفصيل لا أظن أن ينكره أحد من الفقهاء و إن لم يتعرض له الكثير منهم، و هو أنه:
  "لو تكرر منه الإستعمال فإن تخلل بين الإستعمالين الكفارة تكررت"
  و الدليل على ذلك بين لأنه إرتكب الفعل و دفع الكفارة و هذا لا يصلح أن يكون مسوغا ليرتكب الفعل ثانية! كما لو قتل نفسا و دفع الكفارة فإن ذلك لا يعني أنه لو إرتكب جريمة القتل ثانية ليس عليه كفارة!
  ثم قال السيد الماتن: "و إلا فإن تكرر في أوقات مختلفة فالأحوط الكفارة، و إن تكرر في وقت واحد لا يبعد كفاية الكفارة الواحدة"
  تأسيسا على ذلك لو إستعمل الطيب صباحا مثلا ثم إستعمله ليلا فعليه كفارتان إحتياطا و إن لم تتخلل الكفارة لأن الفعل وقع في وقتين متغايرين.
  الدليل:
  ينبغي أولا أن نعالج المسألة بحسب القواعد العامة للبحث ثم نعرج إلى ما يقتضيه ظاهر الروايات، فبحسب القواعد العامة لو قال الإمام عليه السلام: "من إستعمل طيبا فعليه دم شاة" فهل أن إطلاقه يشمل عامة المصاديق من الإستعمال صباحا و ظهرا و ليلا مثلا أم لا؟ و هل أنها منصرفة عن بعض الأفراد أو لا؟ كما لو إستعمل المحرم في زمان واحد الطيب عدة مرات! قد يقال أن الإطلاق منصرف عن ذلك لأنه قد يعده العرف فعلا واحدا!
  فلنبحث فروض المسألة كلا على إنفراد:
  1. الأول: قد يكون الإستعمال في زمن معين كالصباح و في مكان معين كالمسجد و من نوع خاص من الطيب كالمسك مثلا فإتحد الزمان و المكان و النوع! و كذلك لو إستعمل طيب الخلوق ليلا في البيت مثلا فعند ذلك تختلف المصاديق فتتعدد الكفارة.
  2. الثاني: كما لو إستعمل الطيب في زمانين صباحا و ليلا مثلا و لكن في مكان واحد كالبيت فالظاهر عندئذ أن الإطلاق يعم هذين الفردين أي الإستعمال عند الصباح و عند الليل فتتعدد الكفارة حينئذ.
  3. الثالث: ما لو كان الزمان واحدا و لكن تعدد المكان كما لو إنتقل المحرم من خيمة كان فيها طيب فإستشمه إلى خيمة ثانية إستشم فيها الطيب أيضا فإن الزمان واحد عرفا و إن تعدد المكان قد يقال في ذلك أن الإطلاق منصرف عن هذا المورد! إلا أن شمول الإطلاق له ليس ببعيد.
  4. الرابع: ما لو إستعمل الطيب في مجلس واحد عدة مرات فإن العرف يعدّ إستعمالاته المختلفة فعلا واحدا فليس عليه إلا كفارة واحدة كما لو أكل المحرم في وليمة واحدة من لحم الصيد عدة مرات فكفارته واحدة، و كذلك في الممارسة الجنسية حيث فيها التقبيل و اللمس و النظر بشهوة و الإدخال و الإنزال فإن لكل ذلك كفارة واحدة.
  فالمعيار في ذلك هو تعدد الفعل و وحدته عرفا فلا دور للزمان و المكان في تحديد ذلك، و هكذا في أكل الشيء المعطر.
  و أما في نذر ترك التدخين مثلا فتفصيل فلو نذر على نحو العام المجموعي بأن لا يدخن فلو حنث فليس عليه إلا كفارة واحدة و أما إذا كان على نحو العام الأفرادي بأن ينذر المدخّن أن لا يدخن في كل يوم يوم و أن لا يستعمل كل أنواع السيكارة فكل مرة يدخن فيها فعليه كفارة مستقلة، و إن شك أن نذره في ترك التدخين على نحو العام المجموعي أم الأفرادي فيحمل الترك على العام المجموعي لجريان البرائة عن الزائد.
  و مهما يكن من شيء فإن الناذر لو أشعل سيكارته فدخن عدة مرات فيعد فعله عملا واحدا فيلزم بكفارة واحدة!
  و كذلك في من أفطر في نهار شهر رمضان!
  • الخامس: أحيانا يقوم دليل خاص يقتضي أن يعد الفعل الواحد عرفا أفعالا متفاوتة كما لو سرق الرجل عدة مرات و بعد ذلل أقيم عليه الحد! أو كانت مومسة تمتهن الفحشاء فإنها لا يقام عليها إلا حدا واحدا ما لم يتخلل فعلها قيام الحد. و ذلك لأن سيرة المسلمين جرت على ذلك، هذا كله في الحدود و أما في الجنايات فيتعدد القصاص و الديات بتعدد الأسباب.
  و ملخص القول:
  فإن المقياس في ذلك هو الوحدة و التعدد العرفيان لا العقليان فلا أثر للزمان و المكان و النوع في تحديد ذلك فلو تعددت المصاديق عرفا فكل المصاديق تدخل تحت الإطلاق و لو إتحد عرفا فيدخل تحت الإطلاق كذلك إلا أن يقوم دليل خاص.
  و هناك رواية إستظهر صاحب الحدائق منها أن الوحدة و التعدد في المصاديق و الأفراد بحسب النوع! و الرواية هي:
  "مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ حَرِيزٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنِ الْمُحْرِمِ إِذَا احْتَاجَ إِلَى ضُرُوبٍ مِنَ الثِّيَابِ يَلْبَسُهَا قَالَ عَلَيْهِ لِكُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا فِدَاءٌ" [1]
  قد يقال أن الرواية تختص بحال الإضطرار، إلا أنه لا فرق بين الإضطرار و العمد في تعلق الكفارات.
  في هذه الرواية قد عين الإمام عليه السلام لكل صنف من الملبس كفارة في حين أن العرف يعد ذلك فعلا واحدا، فما هو السبيل للخروج من ذلك؟
  للأخذ بهذه الرواية يجب أن ننظر هل أن الإصحاب عملوا بها أم لا؟ فلو عمل الأصحاب بهذه الرواية فالقاعدة العامة التي أسسناها و هي أن الوحدة و التعدد يحددها العرف تنتقض في الملبس لأننا قلنا إستعمال الصنوف المختلفة للملبس يعد فعلا واحدا فلا تكون أفعالا متعددة فوحدة الكفارة و تعددها تابع لرأي العرف في تحديد المصاديق و أما الطيب فلا تنتقض فيه القاعدة كما سنشير.
  و لم يكن بين الأراء المختلفة التي عرضناها في تحديد المصاديق إلا رأيا واحدا كان يقول بتعدد الكفارة بتعدد الصنوف، فيبدو أن الرواية معرض عنها حتى في موردها و هو الملبس فكيف بها لو تعدينا منها إلى موارد و أصناف أخرى من الطيب و إستعماله و لاسيما أن إلغاء الخصوصية يلزم أن يكون قطعيا و أنّى لنا القطع بذلك.
  و السيد الماتن لا يذهب إلى تعدد الكفارة في تعدد أصناف الطيب، فأما أنه يعد هذه الرواية معرض عنها أو يعدها قد عمل بها الإصحاب و لكن لا يرى إلغاء الخصوصية قطعيا لكي يتعدى بالحكم إلى الطيب!
  و زبدة القول:
  لو تخللت الكافرة فتعدد بتعدد الفعل و إن لم تتخلل فالحكم للعرف إن قال بتعدد الفعل فالكافرة تتعدد و إن قال بوحدة الفعل فالكفارة تتوحد.


[1] الوسائل/ ج 13 (ط الحديثة). أبواب بقية كفارات الإحرام. باب 9. ح 1

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo