< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

32/12/05

بسم الله الرحمن الرحیم

  المحاضرة الأخلاقية
  في كتاب الإيمان و الكفر من أصول الكافي:
  "... عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَا أَخَا جُعْفٍ إِنَّ الْإِيمَانَ أَفْضَلُ مِنَ الْإِسْلَامِ وَ إِنَّ الْيَقِينَ أَفْضَلُ مِنَ الْإِيمَانِ وَ مَا مِنْ شَيْ‌ءٍ أَعَزَّ مِنَ الْيَقِينِ" [1]
  إن الإمام الصادق عليه السلام في هذه الرواية ذكر ثلاثة مراحل لمعتقد الفرد، أولها الإسلام و الإسلام يعني التسليم الظاهري فلو أدى الإنسان الشهادتين فهو مسلم و إن لم يعتقد في داخلته بما نطق به، و ثانيها الإيمان و هو ما يعتمل في أعماق قلب الإنسان و هو يفوق ما يجري على لسانه بكثير، و حصول هذا الإيمان إنما يتم من خلال البحث و الإستدلال فمثلا يبحث الشخص في كائنات الوجود و ظواهره فمن خلال البحث في هذه الكائنات و الظواهر فيتعرف على صانعها الواحد الأحد و بذا يترسخ الإيمان في نفسه. و قد ورد في المأثور إذا أردت أداء صلاة الليل فبعد اليقضة أتلو هذه الأية: "إِنَّ في‌ خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ" [2]
  فإن هذه الأية الكريمة تشير إلى ضرورة التمعن في الخلق للكشف عن عظمة الباري جل و علا من خلال إتقان صنعه.
  و ثالثها اليقين و هو أن يبلغ الإنسان مرحلة الشهود و هو الأمر الذي كان يطلبه إبراهيم عليه السلام من المولى الحق جل جلاله في قوله: "... بَلى‌ وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبي" [3]
  إن الإيمان الحاصل بالإستدلال شيء حسن و لكن قد تعتريه الوساوس الشيطانية و النفسانية، إلا أن الإيمان إذا إرتقى إلى مرحلة الشهود يصبح عصيا على الوساوس.
  و قد أشارت الأيات الكريمة من سورة التكاثر إلى اليقين حيث تقول: "... ثُمَّ كلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ، كلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ، لَترَوُنَّ الجْحِيمَ، ثُمَّ لَترَوُنهَّا عَينْ‌َ الْيَقِينِ، ثُمَّ لَتُسْلُنَّ يَوْمَئذٍ عَنِ النَّعِيمِ" [4] فإن لليقين ثلاثة مراحل : علم اليقين، عين اليقين و حق اليقين!
  فإن المرحلة الأولى عامة تشمل جميع الأفراد.
  و الثانية للخواص من الناس الذين وصلوا إلى مرحلة عالية من الإيمان.
  و الثالثة هي التي تختص بأولياء الله و أحبائه.
  و قد مثلوا لإيضاح المراحل الثلاثة بالنار: فإن الذي يشاهد الدخان من مكان بعيد يحصل له علم اليقين بوجود النار و عندما يتقرب من النار و يشاهدها بأم عينه يحصل له العلم الذي يطلق عليه عين اليقين و عندما يقترب من النار أكثر فأكثر حتى يلمس النار تحصل له الحالة من العلم الذي يطلق عليها حق اليقين.
  و لو أردنا أن نطبق ذلك على ما ورد في الرواية الشريفة فنقول أن الإنسان عندما يشاهد أثار صنع الله سبحانه يتعرف على المؤثر و بعدها يصل إلى مرحلة الشهود ثم إلى مرحلة الفناء في الله جل جلاله و هي مرحلة اليقين.
  فإن إجتياز هذه المراحل لم يكن بالأمر السهل الهين لأنه يحتاج الإنسان فيها إلى جهود مكثفة و متواصلة لكي يطوي هذه المراحل و يلزم التنبيه على أن السالك لهذا الطريق لا يحتاج إلى دليل يدله لأن الكتاب و السنة قد أوضحا المعالم فالإنسان بنفسه يتمكن من أن يسير في الطريق بحسب ما ورد في الكتاب و السنة فمثلا خطبة همام توصل الإنسان حتى يبلغ مرحلة حق اليقين، فإن الأذكار و الأوراد حسنة إلا أن بناء الذات يفتقر إلى تحول عميق فيها و لا يحصل ذلك إلا بزوال الأنانية و الذاتية من داخلة الإنسان!
  لكي نلقي الضوء على الرواية التي نحن بصددها نأتي بما حكي عن ميزان الحكمة و ذلك هو أنه "سأل أمير المؤمنين ع الحسن و الحسين ع فقال لهما ما بين الإيمان و اليقين فسكتا فقال للحسن أجب يا أبا محمد قال بينهما شبر قال و كيف ذاك قال لأن الإيمان ما سمعناه بآذاننا و صدقناه بقلوبنا و اليقين ما أبصرناه بأعيننا و استدللنا به على ما غاب عنا " [5]
  نرجوا من الله التوفيق لكي نصل إلى ما أسلفنا ذكره فإنه لولا عناية الباري سبحانه لا يحصل شيء من ذلك أبدا!
  ملاحظات هامة:
  في القانون المدني ثلاث مواد يلزم دراستها و إعادة النظر فيها و هي:
  الأولى: أن القانون المدني يقول: لو لم يدفع المهر للزوجة فالزوج يسجن، و الحكم بالسجن قرار خاطئ لأن الإعسار مطابق للأصل، و اليسار هو الذي يتطلب الإثبات فلو لم يثبت اليسار لا يحق للمحاكم الحكم بالسجن على الزوج.
  الثانية: بعد أن يدفع الزوج أول قسط من المهر إلى المرأة عليها أن تمكن الزوج من نفسها و ليس لها الإجتناب من ذلك حتى يدفع كل المهر.
  الثالثة: أنه في تعيين المهور الغالية في العقد ليس للزوج إرادة جدية، في حين أن لزومه يتطلب إرادة جدية لكي يلزم الزوج به.
  و الحل الأمثل للتصدي لمثل هذه المعوقات هو أن يعين السقف المناسب للمهر بحيث لا يسجل شيء أكثر من ذلك في دفاتر ثبت الزواج.


[1] الكافي/ ج 2. كتاب الإيمان و الكفر. باب فضل الإيمان على الإسلام. ح 1
[2] أل عمران (3): 190
[3] بقرة (2): 260
[4] التكاثر (102): 4-8
[5] مشكاة الأنوار/ الباب الأول في الإيمان و الإسلام. فصل 3. ص 16

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo