< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

33/01/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: لبس المخیط - قاعدة الاضطرار
 کان البحث فی المسالة السادسة عشرة من مسائل تروک الاحرام، قلنا أن في المسالة فرعین:
 الاول: لو احتاج المحرم الی شد فتقة بالمخیط جاز لکن الاحوط الکفارة.
 و نحن نقول بعدم وجوب الکفارة في ذلک لأن ما یحرم هو المخیط الذین یحیط بالبدن و هذا المقدار من المخیط لا یحیط به!
 و الثانی: لو اضطر الی لبس المخیط کالقباء و نحوه جاز و علیه الکفارة!
 إذن في هذا الفرع جانبان:
 احدهما: یجوز للمحرم أن یلبس المخیط اضطرارا کما لو آذاه البرد او الحر او المرض،هذا من المسلمات و لم یعارض فیه احد. ثانیهما: علیه الکفارة و إن کان مضطرا! و هو ما قال به المشهور.
 بما انه قد اشرنا الی الاضطرار في لبس المخیط یحسن منا أن نتطرق الی قاعدته حیث إننا لم نجد أحدا تعرض لها من قبل کما لم نعالجها نحن فی کتابنا:«القواعد الفقهیة»الذی اشتمل علی ثلاثین قاعدة فقهیة!
 و قد اُشیر الی هذه القاعدة في کثیر من المصادر الفقهیة فی ابواب مختلفة من الفقه مثل الوضوء، و القیام في الصلاة و اکل المیتة عند الضرورة، و قد استدل بها صاحب الجواهر في اکثر من عشرین مورد کما أن الشیخ الطوسی قد استدل بها فی سبعة و ثلاثین موضع! إلا انهم لم یبحثوها بوصفها قاعدة مستقلة
 کما بحثت القواعد الفقهیة الاخری!
 لتبیین اسس القاعدة و ابعادها سنبحثها في عدة مقامات:
 الاول: ادلة القاعدة بصورة عامة
 للبرهنة علی هذه القاعدة نستدل بالادلة الاربعة:
 الکتاب العزیز:
 اشارت الآیات في مواضع مختلفه من الکتاب العزیز الی اکل اللحم المحرم اضطرارا و هي کما یلي:
 الآیة الاولی:
 «انما حرم علیکم المیتة و الدم و لحم الخنزیر و ما أهل به لغیر الله فمن اضطر غیر باغ و لا عاد فلا إثم علیه إن الله غفور رحیم» [1]
 إن الآیة استثنت من حرمة اکل اللحم و الدم، من اضطر الیه، کما أنها قد استثنت من اباحة الاکل من کان باغیا او عادیا في الأکل! و ستاتي التفاصیل عن ذلک!
 الآیة الثانیة:
 «حرمت علیکم المیتة و الدم و لحم الخنزیر و ما أهل لغیر الله به و المنخنیقة و الموقوذة والمتردیة و النطیحة و ما أکل السبع إلا ما ذکیتم و ما ذبح علی النصب و أن تستقسموا بالأزلام فمن اضطر فی مخمصة غیر متجانف لإثم فإن الله غفور رحیم» [2]
 وهي تضیف الی الموارد التي ذکرت في الآیة السابقة موارد أخری مصادیقا لللحم المحرم! و قد تکررت کلمة الباغي و العادي في هذه الآیة ایضا.
 الآیة الثالثه:
 «قل لا أجد في ما أوحي ألي محرما علی طاعم یطعمه إلا أن یکون میتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزیر فإنه رجس أو فسقا أهل لغیر الله بیه فمن اضطر غیر باغ و لا عاد فإن ربک غفور رحیم» [3]
 في هذه الآیة الکریمة ایضا تکررت کلمتا العادي و الباغي.فیحل اللحم المحرم علی المضطر ما لم یصبح باغیا او عادیا!
 الآیة الرابعة:
 «إنما حرم علیکم المیتة و الدم و لحم الخنزیر و ما أهل لغیر الله به فمن اضطر غیر باغ و لا عاد فإن الله غفور رحیم» [4]
 و هي نفس الآیة الاولی في کل التفاصیل!
 الآیة الخامسة:
 «و ما لکم ألا تأکلوا مما ذکر اسم الله علیه و قد فصل لکم ما حرم علیکم إلا ما اضطررتم إلیه» [5]
 هذه الآیة المبارکة تشیر الی الاضطرار في اکل اللحم و تستثنیه إلا أنها لا تستثني من کان عادیا او باغیا خلاف للآیات التي تسبقتها!
 في الآیات نقاط تستلزم التوقف عندها:
 الاولی: استثناء الباغي و العادي
 في تفسیر الباغی و العادي رأیان:
 اولهما: الباغي هو الذي یبغي اللحم المحرم فیبحث عن ذریعة لکي یأکل منها في حین أنه لم یکن مضطرا! و العادي هو الذي یأکل منه للاضطرار و لکن اکثر مما یضطر الیه. بنا علی هذا الرأي في تفسیر الآیات أن استثنا، هذین استثناء منفصل لانهما لیسا مضطرین!
 و ثانیها: الباغی تعني الظالم، و بعبارة: هو الذي یقوم بسفر محرم کما لو ذهب للصید ترفیها حیث یکون صیده لهویا و بحسب ما نفتي به فإن سفره حرام و صلاته کاملة- و ذلک مثل صید الملوک و الامراء ففي هذه السفرات و أن لم یکن نفس الاستجمام حراما الا أن صیده محرم! في هذه الحال لو صاد صیدا ثم اضطر، لا یجوز له أن یأکل من لحمه!
 و اما العادي علی هذا التفسیر- هو السارق، الذي یسرق غنما علی سبیل المثال و في اثناء الطریق یضطرالی اکل لحمه ففي هذه الحال لا یستطیع أن یأکل من اللحم الحرام فبناء علی هذا التفسیر یکون الاستثناء متصلا لأن الباغي و العادی کلاهما مضطران.
 إن قلت: بناء علی ما تقدم ماذا یصنع هولاء؟ هل أن علیهما أن یموتا جوعا؟
 قلت : علیهما أن یأکلا اللحم بحکم العقل و لکن تسجل علیهما العقوبة، لمعصیة حکم الشرع! و ذلک کالذي اراق ماء الوضو فاصبح فاقدا للماء او اُخَّر وقت الغسل حتی ضاق به الوقت فعلیه أن یتیمم لیقیم الصلاة و لکنه یعاقب لأن الامتناع بالاختیار لا ینافي الاختیار!
 الثانية:قلنا إن الآیات الأنفة الذکر تحدثت عن الاضطرار الی اکل المیتة فالسؤال هنا هو: هل نتمکن من الغاء الخصوصیة لا ثبات حکم عام یشمل کافة موارد الاضطرار؟
 وفي الجواب نقول: أن التعمیم لیس ببعید و ذلک لتناسب الحکم و الموضوع حیث أن الاضطرار في مفروض المسألة جوز اکل اللحم الحرام فوفقا لذلک کل ما کان موردا اضطراریا نحکم بجواز التصرف فیه و ذلک کما لو کان الطعام نجسا و اضطر الی الانسان اکله و کذلک لو اضطر الی لبس الملبس الغصبي او اکل مال الغیر، الا أنّه في هذه الحال علیه أن یدفع للمالک ما ضمنه بسبب تصرفه!
 و النقطة الثالثة و الاخیرة:
 هل أن الاضطر یختص بما اذا کانت نفس الانسان عرضة للخطر ام تعم ما کان دون ذلک ایضا مثل حالات المرض و الوقوع في المشفة و الشدة التی لا تطاق؟ نحن نری أن الاضطرار یعم جمیع هذه الموارد فإن قوله تعالی: «الا ما اضطررتم» لا یستثنی شیئا منها و العرف یقر ذلک!


[1] .سورة البقره، آیة 173
[2] .سورة المائده،آیة 3.
[3] .سورة الانعام، آیة 145.
[4] .سورة النحل، آیة 115
[5] .سورة الانعام، آیة 119

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo