< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

33/01/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان الموضوع: قاعده الاضطرار
 أن البحث في اضطرار المحرم الی لبس المخیط استدعی بحث قاعدة الاضطرار بصورة شاملة و جامعة، و قد اشرنا في بحثنا السابق الی أن القاعدة جاریة في جمیع ابواب الفقه لکنها لم تعالج في بحوث القوم بوصفها قاعدة مستقلة.
 في مقام دراسة ادلة القاعدة وصل بنا البحث الی الاستدلال بخمس آیات کانت تتحدث عن الاضطرار الی اکل اللحم الحرام، قد قلنا انه بالغاء الخصوصیة نعممم الحکم الی جمیع مواضع الاضطرار .
 و هناک عدد من الروایات استدل فیها الامام بهذه الآیات لتسریة الحکم الی موارد غیر الاضطرار الی اکل اللحم المحرم من خلال الغاء الخصوصة، و هذا یکشف عن أن الاضطرار لا یختص بمورد دون مورد.
 والروایات هي:
 "محمد بن یعقوب عن محمد بن یحیی عن احمد بن محمد عن حماد بن عیسی عن حریز عن محمد بن مسلم قال سالت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل و المرأة یذهب بصره فیأتیه الاطباء فیقولون نداویک شهرا أو اربعین لیلة مستلقیا کذلک یصلی فرخص فی ذلک و قال فمن اضطر غیر باغ و لا عاد فلا اثم علیه" [1]
 الروایة صحیحة سندا، و اما دلالة فهي تتحدث عن الصلاة مستلقیا لمن اراد أن یعالج الداء في بصره فاجاب الامام علیه السلام: من اضطر غیر باغ و لا عاد فلا اثم علیه. إذن الامام استدل بالآیة في غیر موضع الاضطرار الی اکل اللحم المحرم!
 "علی بن ابراهیم فی تفسیره عن ابیه عن القاسم بن محمد عن سلیمان بن داود المنقری عن حفص بن غیاث قال قال ابوعبدالله علیه السلام یا حفص ما منزلة الدنیا من نفسي إلا بمنزلة المیتة إذا اضطررت الیها اکلت منها الحدیث" [2]
 الروایة شاملة فهي تعم کل ما في الدنیا فالامام یقول أن الدنیا بمنزلة المیتة أتناول منها اضطرارا! و الروایة و إن لم تتضمن حکما فقهیا لکن یستشف منها أن الاضطرار یبیح العمل في جمیع المحظورات!
 "عن محمد بن احمد بن یحیی عن علی بن السندی عن محمد بن عمرو بن سعید عن بعض اصحابنا قال اتت امرأة الی عمر فقالت یا امیرالمومنین انی فجرت فأقم في حد الله فامر یرجمها و کان علی علیه السلام حاضرا فقال له سلها کیف فجرت قالت کنت فی فلاة من الارض فاصابنی عطش شدید فرفعت لی خیمة فأتیتها فاصبت فیها رجلا اعرابیا فسالته الماء فأبی علی أن یسقیني إلا أن أمکنه من نفسي فولیت منه هاربة فاشتد بی العطش حتی غارت عیناي و ذهب لساني فلما بلغ مني اتیته فسقاني و وقع علي فقال له علي علیه السلام هذه التي قال الله عز و جل فمن اضطر غیر باغ و لا عاد هذه غیر باغیة و لا عادیة إلیه فخلی سبیلها فقال عمر لو لا علی لهلک عمر" [3]
 في هذه الروایة ایضا نجد أن الامام علیه السلام استند الی الاضطرار في الآیة و عمم الحکم لغیر موردها.
 "محمد بن محمد المفید في الارشاد قال روی العامة و الخاصة أن امرأة شهد علیها الشهود أنهم وجدوها في بعض میاه العرب مع رجل یطؤها ... فقال امیرالمومنین علیه السلام الله اکبر فمن اضطر غیر باغ و لا عاد فلا أثم فلما سمع عمر ذلک خلی سبیلها" [4]
 هذه الروایة هی الروایة السابقة و لکن باختصار.
 لو لم یکن علم الامام امیرالمومنین علیه السلام لکانت الاحکام الصادرة عن هولاء القوم اضرت اکبر الضرر بمکانة الاسلام، فکان الامام امیرالمؤمنین الرصید العلمي الأوفر اطلاعا لهذه الدین کما یشهد عامة المسلمین شیعة و سنة!
 و لو لا علم الامام الذي ورثه من النبی صلی الله علیه و آله لکان الدین الاسلامي ناقصا لا یتمتع بالمکانة التي هو علیها الآن!
 فنظرا لهذه الروایات نقولوا: إنّ الغاء الخصوصیة عما جاء في الآیات قطعي لا مجال للتشکیک فیه!
 و زد علی ذلک أن تناسب الحکم الموضوع عرفا یقتضي أنه عند ما یباح اللحم للاضطرار فکل حرام یضطر الیه الانسان یصبح حلالا و هذا یعني أن تناسب الحکم و الموضوع یکشف عن علة الحکم فیصبح مثل القیاس المنصوص العلة!
 کما أن هناک آیات مثل: «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» [5] و روایات کروایة لا ضرر تصلح لأن تکون مستندا لقاعدة الاضطرار لأنها في کثیر من الموارد تتفق مع مصادیقها!
 و قد تسأل: إذن ما هو الفرق بین قاعدة لا حرج و لا ضرر و قاعدة الاضطرار لو کانت کلها تشیر الی شيء واحد؟ فلم لا تکون لنا قاعدة واحدة بدل ثلاثة قواعد؟
 الجواب: في الفقه خمس قواعد تتشابه فیما بینها إلا أنها لیست شیئا واحدا في حقیقتها و هي:
 قاعدة الاضطرار، قاعدة لا حرج، قاعدة لا ضرر، قاعدة الاکراه، قاعدة التقیة!
 هذه القواعد قد تشترک في بعض الموارد و قد تفترق و قد تجتمع کلها کما في موارد التقیة!
 فالندرس هذه القواعد کلا علی حدة:
 *أما الاکراه فهو کما لو کان الانسان عرضة للتهدید في النفس و المال و العرض کما لو هددوه بهتک الاعراض او إراقة الدماء او اهدار الاموال لو لم یفطر في شهر رمضان مثلا! ففي هذه الحال علیه أن یفطر و لکنه ملزم بالقضاء.
 *و اما قاعدة لا ضرر فهي تختص بما لو کان الانسان عرضة لضرر مالي او عرضي او نفسي فإن قاعدة لا ضرر ترفع الحکم الذي سبب هذا الضرر مثل الوضوء و الصوم الضرریان إلا أنها لا تثبت حکما علی ما قیل! خلافا لما نحن نذهب الیه. و الفرق بین قاعدة لا ضرر و قاعدة الاکراه في أن الاکراه یتم من قبل الآخرین دائما و اما في قاعدة لاضرر ربما لا یکون الضرر من قبل الآخرین کالوضوء الضرري!
 واما قاعدة العسر و الحرج، فلاصلة لها بالاکراه و لا بالضرر لأنها ترمي الی معالجة الشدة و المشقة التی تعتري الانسان مثل داء العطش الذي یوقع ذو العطاش في شدة و حرج لو لم یشرب الماء فأن الذي یصاب بهذا الداء او بضعف في بنیته بسبب الشیخوفة فإنهما لو صاما لایمرضان و لا ینزل بهما الضرر و لکنهما یقعان في عسر و حرج و شدة لا تطاق عادة! فقاعدة العسر و الحرج ترفع الاحکام التي توقع الانسان في مشقة و عسر لا تحتمل بحسب العادة!
 و اما قاعدة التقیة: فهي تختص في الغالب بحالات التعامل مع الآخر في دائرة المسائل الدینیة بل احیانا تکون التقیة للتحبیب و المداراة و کسب الآخر کما هو الحال فی المشارکة في صلاة اهل السنة.
 و اما قاعدة الاضطرار، فقد تکون مواردها من موارد القواعد السابقةو قد لا تکون فمثلا من یروم الی رحلة تجاربة و قد یضطر في رحلته الی اکل المیتة فهو یتمکن أن یعرض عن السفر ففي هذه الحال لا یفوته إلا الارباح التي یکتسبها من رحلته التجاریة فلا یصیبه ضرر جراء ذلک فهذا السفر جائز و إن کان من مصادیق قاعدة الاضطرار.
 و من جملة ما یدل علی أن هذه القواعد تختلف فیما بینها هو حدیث الرفع حیث یقول النبي صلی الله علیه و آله "رفع عن امتی تسعة اشیاء : ... و ما اکرهوا علیه ... و ما لا یطیقون و ما اضطروا الیه"
 فعند ما یَعُّد الرسول صلی الله علیه و آله تسعة اشیاء یلزم أن یغایر کل واحد منها الآخر.
 و ینبغي التنبیه هنا علی أن المراد من لا یطیقون هو ما لا یطیقون من العسر و الحرج لا عدم القدرة اصلا لأن التکلیف مع عدم القدرة محال عقلا فلا وجه للمنة من قبل المولی علی الأمة محمد صلی الله علیه و آله برفع الحکم عنهم لانه لا معنی لأن یقول المولی رفعت عنکم وجوب التحلق في السماء فیتبین مما قد مناه أن مالا یطیقون هو رفع الحکم الذي یؤدي الی العسر و الحرج.
  ***
 الدیل الثاني لقاعدة الاضطرار الروایات،منها حدیث الرفع و هو مشهور جدا و بعض طرقه معتبرة و هو:
 قال رسول الله صلی الله علیه و آله :"رفع عن أمتی تسعة أشیاء: الخطأ و النسیان و ما أکرهوا علیه و ما لا یعلمون و ما لا یطیقون و ما اضطروا الیه و الحسد و الطیرة و التفکر في الوسوسة في الخلق ما لم ینطقوا بشفة"
 و للبحث صلة إن شاء الله.


[1] الوسائل، ج14، باب 7، ابواب القیام للصلاة
[2] -الوسائل، ج16، باب 56، من ابواب الاطعمة المحرمة
[3] - الوسائل ، ج 18، باب 18، ابواب حد الزنا
[4] - حدیث 8
[5] - سورة الحج، آیة 78

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo