< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

33/07/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: حكم ستر مقدار من اطراف الوجه في الصلاة
 مر أنه لا يجوز للمرأة عند الإحرام أن تنقب أو تلبس البرقع، والمسألة الرابعة والثلاثين في ستر مقدار من الوجه للنساء أثناء الصلاة حين الإحرام.
 يقول السيد الماتن:
 مسألة 34: يجب ستر الرأس عليها للصلاة ويجب ستر مقدار من أطراف الوجه مقدمة لكن إذا فرغت من الصلاة يجب رفعه عن وجهها فورا.
 هذه المسألة تؤدي إلى دوران الأمر بين مخدورين:
 1ـ كون الوجه مكشوفاً ولا يغطى جزءً منه.
 2ـ لزوم تغطية الرأس في الصلاة واجزاءً من الوجه من باب المقدمة العلية تحصيلاً لليقين.
 في هذه الحال هل أن الستر الصلاتي مقدم أم الكشف عن الوجه في ذلك الجزء؟
 نحن نرى أن الستر الصلاتي مقدم لدليلين:
 الأول: عندما نراجع المباني الشرعية نجد أن الستر الصلاتي ـ حتى في الصلاة المستحبة ـ أهم وأرجح ولذلك يقدم على ضرورة الكشف في الإحرام وعليه يلزم أن يغطى جانب من الوجه من باب المقدمة العلمية إلاّ انه يجب رفع الستر من ذلك الموضع فوراً بعد انتهاء الصلاة.
 الثاني: جرت سيرة المسلمين على أن تغطي المرأة أثناء الصلاة شيئاً من أطراف وجهها، وقد كان جواز هذا الأمر بدرجة من الوضوح بحيث لم يتطرق إليه القدماء من الفقهاء في كتبهم.
 على أن هذا كله يجري مع فرض أن حكم الجزء كحكم الكل في حين أنه لا اشكال على تغطية بعض الوجه على ما نذهب إليه ولذلك نجوز وضع النظارات السوداء المظلمة الكمامات وعليه تستطيع المرأة ان تغطي أطراف وجهها حتى في غير حال الصلاة!
 ***
 مسألة 35: يجوز إسدال الثوب و إرساله من رأسها إلى وجهها إلى أنفها بل إلى نحرها للستر عن الأجنبي، و الأولى الأحوط أن تسدله بوجه لا يلصق بوجهها و لو بأخذه بيدها.
 إن هذه المسألة لا تخلو من تعقيد وأن مر عليها الفقهاء مرور الكرام، فإن السيد الماتن اشترط اسدال الثوب بوجود الأجنبي وهذا يعني لو لم يوجد أجنبي لا يجوز الاسدال! ثم أشار إلى ان الأحوط أن لا يلتصق الثوب بوجهها!
 الأقوال:
 إن الإسدال في الاصل مجمع على جوازه وحتى فقهاء الجمهور قد افتوا بذلك.
 صاحب الرياض يقول: و یجوز لها ان تسدل ـ أي ترسل خمارها و قناعها ـ من رأسها الی اطراف انفها عند علمائنا اجمع کما فی التذکرة و فیه انه قول عامة اهل العلم و عن المنتهی انه لا نعلم فیه خلافا [1] .
 وقال صاحب المستند: نعم یستثنی منها (من التغطیة) اسدال الثوب و ارساله من رأسها الی وجهها بلا خلاف فیه یعلم کما فی المنتهی وبالإجماع کما عن التذکرة [2] .
 وقال صاحب الجواهر بمثل ذلك ثم أضاف: بل في حکی عن المدارك نسبته الی الاجماع ثم نقل عن كشف اللثام قوله أما جواز السدل ـ بل وجوبه ـ فمع الاجماع ـ لأنها عورة ـ یلزمها الستر من الرجال الاجانب [3] .
 وقال كاشف اللثام أن الاسدال للمحرمة جائز مع حضور الأجنبي وإلا فلا!
 ينبغي أن نبحث الروايات لأنه لو كان الاسدال جائزاً مطلقاً فلم منعت الروايات تغطية الوجه؟! وما قاله السيد الماتن من انه لا يلتصق الثوب بالوجه فما هو منشأه ولم لا يرد شيء من ذلك في الروايات؟ لإيضاح جميع هذه الموارد يجب أن ندرس الروايات واحدة تلو الاخرى.
 تقسم الروايات إلى أربع طوائف:
 الطائفة الأولى: وهي الطائفة التي تجوز الاسدال إلى الأنف أو الفم.
 حدیث 2: أَبِي عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ عِيصِ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) تَسْدُلُ الثَّوْبَ عَلَى وَجْهِهَا قُلْتُ حَدُّ ذَلِكَ إِلَى أَيْنَ قَالَ إِلَى طَرَفِ الْأَنْفِ قَدْرَ مَا تُبْصِرُ [4] .
 الرواية صحيحة سنداً وأما دلالة فليس فيها انه يجب الاسدال عند وجود الأجنبي ومع هنا علها تهدف إلى ذلك!
 حدیث 3: عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنِ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ مَرَّ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) بِامْرَأَةٍ مُتَنَقِّبَةٍ وَ هِيَ مُحْرِمَةٌ فَقَالَ أَحْرِمِي وَأَسْفِرِي وَأَرْخِي ثَوْبَكِ مِنْ فَوْقِ رَأْسِكِ فَإِنَّكِ إِنْ تَنَقَّبْتِ لَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنُكِ فَقَالَ رَجُلٌ إِلَى أَيْنَ تُرْخِيهِ قَالَ تُغَطِّي عَيْنَيْهَا قَالَ قُلْتُ تَبْلُغُ فَمَهَا قَالَ نَعَمْ.
 الرواية صحيحة في السند وأما في الدلالة فأنها تجوز الاسدال إلى الفم.
 الطائفة الثانية: وهي الطائفة التي تجوز الاسدال إلى الذقن.
 حدیث 6: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) الْمُحْرِمَةُ تَسْدُلُ الثَّوْبَ عَلَى وَجْهِهَا إِلَى الذَّقَنِ [5] .
 الرواية صحيحة في سندها، وفي دلالتها فهي واضحة في أن الاسدال إلى الذقن.
 حدیث 7: بِإِسْنَادِهِ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) إِنَّ الْمُحْرِمَةَ تَسْدُلُ ثَوْبَهَا إِلَى نَحْرِهَا.
 الطائفة الثالثة: وهي التي تجوز الاسدال إلى النحر إن كانت المرأة راكبة لأنه ينكشف وجهها عند الركوب.
 حدیث 8: عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ تَسْدُلُ الْمَرْأَةُ الثَّوْبَ عَلَى وَجْهِهَا مِنْ أَعْلَاهَا إِلَى النَّحْرِ إِذَا كَانَتْ رَاكِبَةً [6] .
 يلزم النظر في لقوله: إِذَا كَانَتْ رَاكِبَةً مفهوم أم لا؟ أم تحمل العبارة على الغالب وهو عندما تكون المرأة راكبة يجب أن يمتد الاسدال لكي لا يتبين وجهها.
 الطائفة الرابعة: وهي الطائفة التي تشير إلى التستر من الأجنبي من دون أن تحدد ما يجب أن يستر ولعل المراد هو كل الوجه!
 حدیث 10: باسناد الصدوق عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ الْمُحْرِمَةِ فَقَالَ إِنْ مَرَّ بِهَا رَجُلٌ اسْتَتَرَتْ مِنْهُ بِثَوْبِهَا وَ لَا تَسْتَتِرْ بِيَدِهَا مِنَ الشَّمْسِ [7] .
 في سند الصدوق لسماعة، عثمان بن عيسى وقد دار الخلاف حوله بين من رفع شأنه حتى جعله من أصحاب الأصحاب وبين من حط من شأنه حتى جعله شيخ الواقفية! فانه كان وكيلاً للإمام موسى بن جعفر وكانت لديه أموالاً ضخمة فأبى أن يسلمها إلى الإمام الرضا وأدعى ختم الإمامة بموسى بن جعفر (عليه السلام) وقد غضب الإمام الرضا عليه، بعضهم قال بأنه تاب ورجع إلى الإمام الرضا، وبعضهم قال أن الروايات التي ينفرد بها لا يعتمد عليها، ومهما كان لا نستطيع الاعتماد على سند الرواية. وأما دلالتها فهي ظاهرة في لزوم ستر جميع الوجه.
 زبدة القول:
 إن هذه الروايات ناظرة إلى مراتب التسديل ففي مرتبة يجوز الاسدال إلى الأنف وفي أخرى تشير إلى أبعد من ذلك إذن هي تشير إلى مراتب الجواز فلا مفهوم لها ولا تتعارض فيما بينها. هذا أولاً، وثانياً أن الاسدال إنما يكون في موضع يكون أجنبياً ورواية سماعة تصلح لأن تكون قرينة على ذلك، كما أن الاطلاقات منصرفة إلى ذلك لأنه لو لم يكن أجنبياً فما هو الداعي للإسدال؟
 زد على ذلك أن هناك رواية لعائشة حيث تقول عندما كنا بين يدي الرسول فإذا أقبل أجنبي كنا نرخي الاسدال وعندما كان يخرج كنا نرفعه؛ وسيأتي البحث في هذه الرواية أن شاء الله.


[1] ج 6، ص 301.
[2] ج 12، ص 39.
[3] ج 18، ص 391.
[4] باب 48 من ابواب تروك احرام.
[5] نفس المصدر.
[6] نفس المصدر.
[7] نفس المصدر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo