< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

33/07/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: محاضرة اخلاقية
 من الكلمات القصار للإمام الهادي (عليه السلام): إِنَّ الظَّالِمَ الْحَالِمَ يَكَادُ أَنْ يُعْفَى عَلَى ظُلْمِهِ بِحِلْمِهِ وَ إِنَّ الْمُحِقَّ السَّفِيهَ يَكَادُ أَنْ يُطْفِئَ نُورَ حَقِّهِ بِسَفَهِهِ.
 إن الإمام الهادي (عليه السلام) في كلمته المقتضبة هذه قارن بين الظالم الحليم وصاحب حق سفيه، طبعاً قد يراد من الحلم هنا العقل وقد يراد المعنى المعروف، فالإمام يقول إن الأول قد يشمله العفو الإلهي بسبب حلمه وأما السفيه قد يحرم من العناية الربانية لأجل سفهه.
 إن العاقل الحليم عن ظلمه يتوقف عند حد وبما أنه حليم قد يندم من فعلته فيحاول أن يجبر، إلا أن السفيه عند مقاضاة حقه قد يرتكب أعمالاً فاسدة تفوق استحقاقه وقد يؤدي خدمة تقترن بالمنة والأذى فيهدر عمله الصالح بكل بساطة!
 فقد قلنا مراراً ما يجب اعتماده في كل زمان ومكان خصوصاً في اوضاعنا الراهنة هي العقلانية!
 إنَّ كثيراً من الأديان احمجوا عن العقل فلم يتخذوه مستنداً في أفكارهم وآرائهم ومواقفهم فعندما تسأل المسيحية مثلاً عن التثليث بأنه كيف يكون الواحد ثلاثة والثلاثة واحداً؟! يجيبون بأن هذا يرتبط بالقلب دون العقل فلا سبيل للعقل إلى ذلك فإن الواحد ثلاثة والثلاثة واحد حقيقة!
 وكذلك عندما نقول للمتصوفة أن وحدة الوجود لا تصح وإلا فلا يبقى فرق بين الخالق والمخلوق فيلزم منه أن الله سبحانه يلقي بنفسه العبد في جهنم ويذهب بنفسه به إلى الجنة! وهم يجيبون بأن هذا فعل القلب دون العقل!
 ومن المحزن أن بعض المسلمين بسبب ابتعادهم عن مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ابتلوا بأفكار منحرفة عن الصواب فقالوا بفكرة الجبر، فعندما يقال لهم أن ذلك لا يتماشا مع العقل لأننا في هذا الحال نصبح مجبورون على المعاصي ومع ذلك يعذبنا الله! فيجيبون بأنه لا مجال للعقل في هذه الميادين! وهكذا يدَّعون انه لا صلة للإحكام بالمصالح والمفاسد من دون أن يعلمون أن ذلك يؤدي إلى الترجيح بلا مرجح! لأنه نسأل لم صارت بعض الأفعال محرمة وبعضها الآخر واجبة؟ لم لا نقول بالعكس؟
 ولكن نحن بفضل تعاليم آل البيت من رواد العقلانية في الإسلام، فإنَّ الآيات التي تشير إلى العقل بلغت السبعين مثل الآيات التي وردت فيها كلمات: أولوا الألباب، يتذكرون، يتفكرون. ومن هنا نجد أول فصل يبتدؤه كتاب الكافي هو كتاب العقل والجهل وقد توافرت الأخبار التي وردت في ذلك أو عليه أن اتباع هذا المذهب من رواد العقلانية، إن ما يرغب فيه في عالم اليوم هو العقلانية وهناك روايات تتحدث عن فلسفة الأحكام وهذا يعني أن الدين الإسلامي يقوم على العقل ولو لا العقل يهوي الدين في واد سحيق من الإنحرافات!
 وقد أشار الإمام الهادي (عليه السلام) في كلمته الناصعة إلى دور العقل في الحياة الإنسانية.
 إن الإمام الراحل أيضاً قاد الثورة بعقلانية ناضجة إلى أن انتصرت وبذلك خطى في طريق النصر نفس الخطوات التي خطاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ثورته المظفرة!
 ***
 عنوان البحث الفقهي: حكم التظليل للرجال
 كان البحث في المسألة التاسعة عشرة من تروك الإحرام. قلنا أن في هذه المسألة سبعة طوائف قد مر ذكرها والآن حان الوقت لاستخلاص ما تفيده هذه الروايات.
 بعض الروايات كانت تشير إلى التظليل على وجه الاطلاق وبعضها بالإشارة إلى المصاديق، وبعضها بإعفاء النساء والأطفال ولهذه الروايات مفهوم يؤيد ما أشارت إليه الروايات الأخرى، وكذلك الطائفة من الروايات التي كانت تقول انه في المنازل يجوز الاستظلال دون ساعات السفر.
 قلنا أنه يكتشف من الحديث 10، باب 64، من أبواب تروك الإحرام، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ لَا بَأْسَ بِالظِّلَالِ لِلنِّسَاءِ وَقَدْ رُخِّصَ فِيهِ لِلرِّجَالِ.
 وكذلك الحديث 2، باب 64: عَنِ ابْنِ سِنَانٍ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنِ الْحَلَبِيِّ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنِ الْمُحْرِمِ يَرْكَبُ فِي الْقُبَّةِ قَالَ مَا يُعْجِبُنِي إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَرِيضاً قُلْتُ فَالنِّسَاءُ قَالَ نَعَمْ.
 إن كلمة الإمام مَا يُعْجِبُنِي لا يتعارض مع الطوائف التي مرت وأن ذيل الحديث يوضح ذلك حيث يقول الإمام: ... إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَرِيضاً... وكذلك الحديث السابق فإنهما يحملان على الضرورة!
 وزبدة القول:
 فإن المسألة في الأساس لاشية فيها وأنها مسلمة من ناحية الأقوال والروايات، والظاهر من بعض الروايات أن أصل المسألة كانت عند الراوي واضحة ومسلمة إلا أن السؤال كان عن فروعها.
 ثم أن السيد الماتن استثنا من حرمة التظليل النساء والصبيان ونحن قد أوردنا الروايات التي تستثني هذين الصنفين في الطائفة الثالثة.
 وينبغي التنبيه إلى أن المراد من الصبي هو الذي لم يبلغ البلوغ بحيث لا يتحمل حر الشمس وبرد الشتاء!
 الفرع الثاني:
 في انه لا فرق بين أنواع التظليل سواء كانت في الوسائل القديمة مثل المحمل والحديثة مثل السيارات، ولا يستطيع أحد أن يخصص حكم التظليل بالوسائل القديمة دون الوسائل الحديثة!
 والدليل في عدم الفرق بينهما:
 الأول: الاطلاقات حيث أن الطائفة الأولى كانت مطلقة تعم كل أقسام الاستظلال.
 الثاني: إن الطائفة الثانية ذكرت مصاديق مثل القبة والحمل والكنيسة إلا أنها لا تستطيع أن تقيد الروايات المطلقة لأنها من باب المصداق وإثبات الشيء لا ينفي ما عداه، مع أنه نستطيع إلغاء الخصوصية عرفاً لأنه عند العرف لا فرق بين القديم والحديث!
 الفرع الثالث:
 هل أن الحرمة تختص بما إذا كان الظل فوق الرأس أم يعم ما لو كان جانبياً على جهة اليمنة أو اليسرة كما لو كانت الشمس تسطع من الشرق فينعكس الظل على جهة الغرب سواء كان الظل لوسيلة متحركة كالسيارة أو ثابتة كالجدار فهل يعم كلا الحالتين أم يختص بما كان فوق الرأس؟!
 إن الشهيد الثاني في المسالك ـ على ما في الجواهر [1] ـ خصص الحكم بما إذا كان الظل فوقياً لا جانبياً إلا أن بعض عبارات الفقهاء تفيد أن الحكم عام يشمل ما لو كان الاستظلال جانبياً.
 ولكن نستطيع القول بأنه إذا كان المقياس الروايات المطلقة في الطائفة الثانية حيث كانت تتحدث عن الظل والتستر فعند ذلك الحكم يعم كل أنواع الظل الجانبي منه والفوقي، إلا أن صحيحة ابن بزيع [2] ، من الطائفة الخامسة تفيد انه لا مانع من الاستظلال إذا كان الظل جانبياً، وكذلك مرسلة الحميري [3] ، فإنها تجوز الاستظلال بما لو كان الظل جانبياً!
 
 
 


[1] ج 18، ص 403.
[2] ح1، باب 67، من أبواب تروك الإحرام.
[3] ح6، باب 67، من أبواب تروك الإحرام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo