< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

33/12/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 
 عن الإمام الهادي (عليه السلام): لَيْسَتِ الْعِبَادَةُ كَثْرَةَ الصِّيَامِ وَ الصَّلَاةِ وَ إِنَّمَا الْعِبَادَةُ كَثْرَةُ التَّفَكُّرِ فِي أَمْرِ اللَّهِ [1] .
 قد روي هذا المضمون من أئمة آل البيت (عليه السلام) في روايات أخرى عنهم (عليهم السلام) وهو يبين موقف الإسلام من مسألة فردية واجتماعية فهو يقول أن التفكر في أمر الله أهم من الصوم والصلاة على أهميتهما ولكن ما هو أمر الله؟ أن المراد من أمر الله أحد شيئين:
 الأول: أن يكون المراد هو التكوين وبنيان عالم الوجود من كواكب وأفلاك وما شابه وقد تكون الكرة الأرضية بعظمتها ذرة ضئيلة فيها فعندما يفكر الإنسان في الكائنات من حشرات وحيوانات ونباتات وينظر في عجائبها أو ينظر في بناء جسد الإنسان ومكوناته يشاهد عظمة الباري سبحانه فأنه في بدن الإنسان أجهزة مثل الكبد فإنه يقوم بأربعة آلاف عملية! ففي كل طرف من أطراف الوجود ننظر نشاهد آثار عظمة الله سبحانه والتفكر فيها يوصلنا إلى عظمة الله جل وعلا ومشاهدة حضوره في كل مكان وعلى ضوء ذلك نحس بما تقوله الآية: وَ إِنْ مِنْ شَيْ‌ءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبيحَهُم [2] ، وهذا كله يقوي الإيمان ويزيد في حب الإنسان لله جل جلاله.
 الثاني: أن يكون المراد أمر الله التشريعي من قوانين في العبادة والتجارة ونظام الحكم فإن التأمل فيها يسوقنا إلى التعرف على حكمة الباري وعلمه فأنه سبحانه يعلم بحاجاتنا فيشرِّع ما يناسب تكويننا جلت عظمته!
 إن هذه الرواية تكشف عن ان الإسلام يقوم على التفكير فيجب أن نفعِّل عقولنا فلا يليق بالإنسان أن يتبع هذا وذاك من غير روِّية، إن مشكلة بعض الدول هي أنها تتبع الآخرين من غير وعي وبصيرة فأدى الأمر بها إلى الوقوع في مشاكل جمة! إن الثقافة المادية ثقافة قاسية لا يسودها العقل والحكمة فمثلاً لكسب أصوات المثليين يمنحونهم امتيازات!!! وبأس ما يفعلون.
 * * *
 عنوان البحث: استثناءات المولاة عند الطواف
 في البحث السابق تحدثنا عن مستثنيات المولاة في الطواف وما يلي نأتي على ما تبقى منها:
 السادس من الموارد: قطع الموالاة لأجل قضاء حاجة مؤمن فانه يتمكن أن يصنع ذلك وبعد أن انتهى منه يأتي بما تبقى من أشواط.
 مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ صَفْوَانَ الْجَمَّالِ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علي السلام) الرَّجُلُ يَأْتِي أَخَاهُ وَ هُوَ فِي الطَّوَافِ فَقَالَ يَخْرُجُ مَعَهُ فِي حَاجَتِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ وَ يَبْنِي عَلَى طَوَافِهِ [3] .
 إن هذه الرواية مطلقة تعم الطواف الواجب والمستحب وجميع الأشواط سواء تجاوز النصف من الأشواط أو لم يتجاوز!
 وهناك مرسلة للصدوق أوردها صاحب الوسائل في هذا الباب وهي: وَقَالَ الصَّادِقُ (عليه السلام) قَضَاءُ حَاجَةِ الْمُؤْمِنِ أَفْضَلُ مِنْ طَوَافٍ وَ طَوَافٍ وَ طَوَافٍ حَتَّى عَدَّ عَشْراً [4] .
 مرسلة الكيليني تقول:
 مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ السَّرَّاجِ عَنْ سُكَيْنِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِنَا يُكَنَّى أَبَا أَحْمَدَ قَالَ كُنْتُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فِي الطَّوَافِ وَ يَدُهُ فِي يَدِي إِذْ عَرَضَ لِي رَجُلٌ إِلَيَّ حَاجَةً فَأَوْمَأْتُ إِلَيْهِ بِيَدِي فَقُلْتُ لَهُ كَمَا أَنْتَ حَتَّى أَفْرُغَ مِنْ طَوَافِي فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) مَا هَذَا فَقُلْتُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ رَجُلٌ جَاءَنِي فِي حَاجَةٍ فَقَالَ لِي أمُسْلِمٌ هُوَ قُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ لِي اذْهَبْ مَعَهُ فِي حَاجَتِهِ فَقُلْتُ لَهُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ فَأَقْطَعُ الطَّوَافَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَ إِنْ كُنْتُ فِي الْمَفْرُوضِ قَالَ نَعَمْ وَ إِنْ كُنْتَ فِي الْمَفْرُوضِ.. [5] .
 وهذه الرواية تصرح بقطع الموالاة في طواف الفريضة:
 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى‌ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ صَاحِبِ الْكِلَلِ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ قَالَ كُنْتُ أَطُوفُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فَعَرَضَ لِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا كَانَ سَأَلَنِيَ الذَّهَابَ مَعَهُ فِي حَاجَةٍ فَبَيْنَمَا أَنَا أَطُوفُ إِذْ أَشَارَ إِلَيَّ فَرَآهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فَقَالَ يَا أَبَانُ إِيَّاكَ يُرِيدُ هَذَا قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَمَنْ هُوَ قُلْتُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ هُوَ عَلَى مِثْلِ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَاذْهَبْ إِلَيْهِ قُلْتُ وَ أَقْطَعُ الطَّوَافَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَ إِنْ كَانَ طَوَافَ الْفَرِيضَةِ قَالَ نَعَمْ فَذَهَبْتُ مَعَهُ الْحَدِيثَ [6] .
 إن صاحب الحدائق تمسك بهذه الروايات ليدعي أن الموالاة لا تجب مطلقاً، في حين أن الروايات تختص بمورد معين وهو قضاء حاجة المؤمنين.
 وبلزم التنبيه على أن زمان قضاء حاجة المؤمن يجب أن يكون فترة معقولة فالروايات منصرفة عما إذا دام لأكثر من يوم مثلاً!
 المورد السابع:
 ما لو تعب الطائف فأراد أن يأخذ قسطاً من الراحة في المطاف أو خارجاً عنه، قد صرحت الرواية أن ذلك جائز وهذا الانقطاع لا يضر بالطواف!
 ففي صحيحة محمد بن يعقوب:
 مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) الرَّجُلُ يُعْيِي فِي الطَّوَافِ ألَهُ أَنْ يَسْتَرِيحَ قَالَ نَعَمْ يَسْتَرِيحُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَبْنِي عَلَى طَوَافِهِ فِي فَرِيضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي سَعْيِهِ وَ جَمِيعِ مَنَاسِكِهِ [7] .
 الرواية لم تفرق بين ما لو بلغ النصف أو لم يبلغ كما قد صرحت أن ذلك جائز في طواف الفريضة وغيره، كما أشارت أن ذلك جائز في السعي أيضاً، وبما أن السعي واجب دائماً فإنه يقوي أن ذلك يجري في الطواف الواجب أيضاً.
 عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ دَعِ الطَّوَافَ وَ أَنْتَ تَشْتَهِيهِ [8] .
 هذه الرواية تنصح بأن لا تتعب نفسك في الطواف فإذا اشتقت أن تزيد فلا تواصل لان ذلك يؤدي إلى الملل والكلل، كما في تناول الطعام فإن الإكثار فيه يؤدي إلى عدم الرغبة وانعدام الميل إليه.
 ـ عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد:
 عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ‌ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَسْتَرِيحُ فِي طَوَافِهِ فَقَالَ نَعَمْ أَنَا قَدْ كَانَتْ تُوضَعُ لِي مِرْفَقَةٌ فَأَجْلِسُ عَلَيْهَا [9] .
 إن الإمام هو بالذات يصرح بأنه عندما يتعبه الطواف بأخذ قسطاً من الراحة.
 نقطة هامة:
 هل ينبغي أن نختصر في قطع الطواف على هذه الموارد المنصوصة أم نستطيع أن نعم الحكم إلى موارد أخرى بإلغاء الخصوصية؟! كما في الموارد التالية:
 ألف: عندما يعمد خَدَمَةُ المسجد إلى غسله وبذلك يمنعون الطائفيين من مواصلة الطواف فهل هذه الحالة من تلك الموارد التي يلزم فيها إكمال الأشواط أم يبطل الطواف ويجب الاستئناف؟
 ب: في بعض الأحايين ترد موجة من الطائفيين في المطاف بحيث لو حاول أن يكمل طوافه يقع في مشقة أو يواجه خطراً فهل يحق له أن ينسحب جانباً حتى تمر الموجة ثم يواصل الطواف أم لا؟
 ج: لو فقد الفرد رفقته فينسحب من الطواف لكي يعثر على أصحابه حتى لا يواجه صعوبات عند السعي والأعمال الأخرى ثم يكمل طوافه فهل له ذلك أم لا؟
 لو أمعنا النظر نجد أن العرف يقول أنه لا فرق بين هذه الموارد والموارد المنصوصة من المستثنيات فالحكم واحد في الجميع.
 ان قلت: أن ذلك يؤدي إلى كثرة التخصيص في الموالاة فيكون من باب تخصيص الأكثر.
 قلت: إن ذلك لا يؤدي إلى تخصيص الأكثر لأن قليلاً ما نجد أن الطائف يقع في مثل ذلك أثناء الطواف.


[1] بحار الأنوار، ج 75، ص 373.
[2] سورة الإسراء، الآية: 44.
[3] الوسائل، ج 9، باب 42 من أبواب طواف، حدیث 1.
[4] الوسائل، ج 9، باب 42 من أبواب طواف، حدیث 2.
[5] الوسائل، ج 9، باب 42 من أبواب طواف، حدیث 3.
[6] الوسائل، ج 9، باب 42 من أبواب طواف، حدیث 4.
[7] الوسائل، ج 9، باب 46 من أبواب طواف، حدیث 1.
[8] الوسائل، ج 9، باب 46 من أبواب طواف، حدیث 2.
[9] الوسائل، ج 9، باب 46 من أبواب طواف، حدیث 3.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo