< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/01/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: بداية الطواف ونهايته
 كان البحث في الجزء الأول والثاني من أجزاء الطواف وهو الابتداء بالحجر الأسود والأنتهاء به، قلنا أن المسألة اجماعية وذكرنا الأدلة عليها، بقيت هنا أمور لابد من بحثها:
 الأول: لو لم يبدأ الطائف من الحجر الأسود كما لو بدأ من باب البيت أو حجر إسماعيل فإن شوطه باطل. لو أن أحداً بدأ طوافه من غير الحجر وقيل له أن طوافه باطل ومع ذلك استمر بطوافه حتى وصل الحجر الأسود فهل يحتاج أن يستأنف النية أم أن نيته السابقة تكفي؟
 بعض من الفقهاء تشدد في ذلك واشترط تجديد النية لأن استمرار النية السابقة لا تكفي ـ حسب رأيه ـ ، ونحن نرى أن هذا الرأي غير صائب لأنه يشترط في النية أمران:
 قصد العمل وقصد القربة والأمران حاصلان فيما نحن فيه، مع فرق هو أن الشوط الاول باطل إلاّ أن بطلان الشوط الأول لا يضر بقصد القربة فتكفي النية السابقة وأما العمل الجديد فيبدأ من الحجر الأسود!
 الثاني: هل يجب على الطائف أن ينوي عنوان الابتداء، بأن ينوي الأشواط قربة إلى الله مبتدءاً ومنتهياً بالحجر الأسود؟ بعض الفقهاء تشددوا في هذا أيضاً فحكموا بلزوم نية العنوان ولكن نحن لا نرى ضرورة لذلك لأن الطائف يعلم أن عليه أن يبتدئ بالحجر وينتهي به فلا مبرر لقصد العنوان بخصوصه واستحضاره في الذهن.
 الثالث: من أي جزء من الحجر يجب الابتداء بالطواف وأي جزء من البدن يجب أن يكون محاذياً للحجر؟ في ذلك ثلاثة احتمالات: أن يكون الأنف محاذياً، وأن تكون البطن محاذية، وأن يكون الأصبع الأكبر ـ أصبح الإبهام ـ محاذياً.
 إن العلامة زاد المسألة غموضاً وعقَّدها وقد اتَّبعه بعض الأعلام مع أن المسألة بسيطة جداً.
 والحق في المسألة وفيما شابهها من مسائل هو أن المعيار فيها هو المصاديق العرفية، فإن العرف يرى أن الطواف هو الشروع بالحجر والانتهاء به لا أكثر ولا أقل.
 إن شيخ الجواهر في جواهره والنراقي في مستنده قالا: إن هذه التدقيقات تؤدي إلى الوسواسة والوهن في المذهب، وقد مثل أحد الأعلام بأنه لو أن سيداً أمر عبده أن إاتني من الأسطوانة الفلانية فانه لا يدقق من أي نقطة من الأسطوانة الحجر والانتهاء به لا أكثر ولا أيبدأ بالمجيء وأي جزء من بدنه يكون محاذياً لها!
 وهناك نقطة هامة نبه عليها المحقق النراقي وهي انه لو أراد أحد أن يحتاط ليطمئن انه محاذ للحجر فاليعمل بالمقدمة العلمية بأن ينوي الطواف قبل الوصول إلى الحجر كما في الوضوء حيث انه نغسل اليد من أعلى المرفق حتى يحصل اليقين بغسله، ولكن يجب في الطواف أن لا أن ينوي قبل الحجر جزءاً من الطواف لأنه بذلك بطل الطواف، وما يلزم أن يفعله هو أن ينوي بدء الطواف بالحجر وبعد الانتهاء بالحجر يخطو خطوتين بعده لا بنية الطواف حتى يحصل اليقين بأنه قد أكمل الطواف بدقة!
 قبل سنين وضعوا خطأ من الحجر عرضه خمسة عشر سانتيما وطوله بامتداد المطاف فكان الطائعون يحددون الشوط به إلاّ أن ذلك سبب زحاماً مما أدى إلى إلغائه، وقد وضعوا فيما بعد مصباحاً أخضر لتحديد المحاذاة للحجر، والخيار الأفضل هو وضع علامة لكي لا يصاب الناس بالوسوسة.
 لتصوير الحكم حسب ما يقتضيه الذوق العرفي استندوا إلى فعل الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) حيث لامس الحجر بمحجنه بدلاً من اللمس باليد!
 في ذلك روايتان:
 مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى الْكَاهِلِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَقُولُ طَافَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) عَلَى نَاقَتِهِ الْعَضْبَاءِ وَ جَعَلَ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ بِمِحْجَنِهِ وَ يُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ [1] .
 سند هذه الرواية أفضل من سابقتها:
 مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) طَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ وَ سَعَى عَلَيْهَا (علی راحلته) بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ [2] .
 حسب هاتين الرواتين أن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أراد أن يشير إلى أن الراكب أيضاً يتمكن أن يطوف ويسعى أو أنه (صلى الله عليه وآله) عمل ذلك لأنه أصيب بوكعة صحية.
 وهاتان الروايتان تدلان على أنه من كان على راحلة وهو يمس الحجر الأسود من على الناقة أثناء الطواف لا يجب أن يكون جزئاً من بدنه محاذياً لأول الحجر الأسود أو وسطه أو آخره!
 مهما يكن من شيء فإن السيد الماتن يقول: الأول: الابتداء بالحجر الأسود و هو یحصل بالشروع من الحجر الأسود من أوله أو وسطه أو آخره، الثاني: الختم به و يجب الختم في كل شوط بما ابتدأ منه.
 ونحن نقول: أن المحاذاة العرفية تكفي فلا يلزم أن يختم بما ابتدأ به فلو بدء بأول الحجر يستطيع أن يختم بآخره!
 ثم قال: ويتم الشوط به وهذان الشرطان يحصلان بالشروع من جزء منه و الدور سبعة أشواط و الختم بما بدأ منه و لا يجب بل لا يجوز ما فعله بعض أهل الوسوسة و بعض الجهال مما يوجب الوهن على المذهب الحق، بل لو فعله ففي صحة طوافه إشكال.
 فقوله: ففي صحة طوافه إشكال، لأن الوسواس حرام وهو متحد مع العبادة فمن طريق اجتماع الأمر والنهي نحكم ببطلانه كالصلاة في الأرض المغصوبة. فما ذهب إليه السيد الماتن صحيح في استشكاله، ومن هنا يتبين أن بعض الاحتياطات تحرم وتؤدي إلى البطلان.
 
 


[1] الوسائل، ج 9، باب 81 من أبواب طواف، حدیث 1.
[2] الوسائل، ج 9، باب 81 من أبواب طواف، حدیث 2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo