< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/01/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: كون البيت على الجانب الأيسر من الطواف
 أسلفنا أن الحديث النبوي: خذوا عني مناسككم. قد ورد بالتفصيل في الكتب الفقهية وقد استدلوا به دليلاً أو مؤيداً، قلنا انه لم يرد في مصادرنا الروائية وإن ورد في كتاب عوالي اللئالي! وقد نقله المحدث الثوري في المستدرك بعبارة: خذوا مني والمعروف في روايات العامة هو عني ومع ذلك فإن عوالي اللئالي غير معتمد عندنا.
 مهما كان فإن البحث ما زال في أجزاء الطواف، يقول السيد الماتن: الاحتياط بكون البيت في جميع الحالات على الكتف الأيسر و إن كان ضعيفا جدا‌ و يجب على الجهال و العوام الاحتراز عنه لو كان موجبا للشهرة و وهن المذهب لكن لا مانع منه لو فعله عالم عاقل بنحو لا يكون‌ مخالفا للتقية أو موجبا للشهرة.
 قد أسلفنا انه لا يلزم أن يكون البيت في جميع الحالات محاذياً للكتف إلاّ ان السيد الماتن يرى أن الاحتياط في ذلك حسن وإن كان ضعيفاً، ولكنه حذر الجهلة والعوام من الإتيان بذلك لأنه يؤدي إلى وهن المذهب خلافاً للسادة العلماء حيث إنهم يأخذون بجميع حيثيات الموضوع فالاحتياط منهم حسن مع أخذهم بعين الاعتبار جانب التقية وأن لا يؤدي فعلهم هذا إلى الشهرة بأن أتباع آل البيت يعملون بما يعارض ما عليه سائر المسلمين!
 ويرد عليه:
 أولاً: لم يرد في أي رواية لزوم كون الكتف الأيسر إلى جهة البيت، وما ورد في عبارات العلماء هو أنه يجب أن يكون البيت إلى الجانب الأيسر لا أن يكون الكتف الأيسر دائماً إلى جهة البيت وبعبارة أن يكون الطواف من الجهة اليمنى وعليه أن هذا الاحتياط لا وجه له.
 ثانيا: ان هذا الاحتياط مهما كان يوجب وهن المذهب، لأن هذا الاحتياط لا يكون من قبل واحد من العلماء بل يكون من جمع منهم وهو على أية حال يلفت الأنظار فيؤدي إلى ما لا تحمد نتائجه!
 ثالثاً: لو أن شخصاً صرف اهتمامه إلى هذا العمل فإنه سيفقد إقبال القلب وحضوره، فإن الطواف من أفضل حالات القرب إلى الله وقد وردت أدعية كثيرة فيه فلا ينبغي أن يفقد هذه الحالة لأجل احتياط ضعيف فهذا الاحتياط مخالف للاحتياط فيحسن الأعراض عنه!
 زد عليه أن هذا الاحتياط قد يؤدي إلى الوسوسة، مهما كان فلو أدى هذا الاحتياط إلى الوسوسة والشهرة ووهن المذهب فإنه سيؤدي إلى بطلان العمل لأن هذه الأعمال منهياً عنها وإذا ما أتحدت مع المأمور به وهو الطواف تؤدي بالعمل إلى البطلان كما أن الصلاة في الأرض المغصوبة تؤدي إلى البطلان.
 المسألة 9: لو طاف على خلاف المتعارف في بعض أجزاء شوطه‌ مثلا - كما لو دار وجهه بواسطة المزاحمة إلى الكعبة أو خلفه إليها أو طاف على عكس المتعارف - يجب جبرانه. و لا يجوز الاكتفاء به.
 لم ترد رواية خاصة في هذه المسألة ويجب أن تعالج بحسب القواعد، في هذه المسألة فرعان:
 الأول: لو ذهب مستقبلاً القبلة أو مستدبها أو مشى القهقري فعليه أن يعيد ما جاءه كذلك، والدليل على وجوب الجبران هو أن الواجب أن يطوف والبيت على يساره وهو لم يأت به على هذه الصورة فلا يقبل منه!
 إنّ صاحب الجواهر [1] يرى أن الإتيان بالعمل على هذه الشاكلة سواء كان عن عمد أو سهو أو إكراه يلزم عليه الجبران!
 نعم إن لم يتمكن من الرجوع فعليه أن يدور حول البيت من دون نية الطواف وعندما يصل إلى النقطة التي تخلف فيها يأتي بما فاته من الشوط ناوياً الجبران.
 الثاني: لا يبطل طوافه بذلك لأننا عند طروء المانع نشك في بطلان الطواف فنجري البراءة لأننا نقول بجريان البراءة عند الشك في المانعية والشرطية والجزئية لأن أصل البراءة حاكم هنا فنحكم بصحة الطواف مع جبران ما فات!
 أضف إليه أن العمدة من الدليل على أن الطواف يجب أن يكون من الجهة اليمنى هو سيرة المسلمين، فبحسب هذه السيرة لو أن موجة الطائفيين أخذته من الاتجاه الصحيح إلى اتجاه آخر طوافه صحيح وغاية ما عليه هو أن يجبر ما فاته!
 وبعبارة: أن دليلنا هنا لبي فلم يكن دليلاً لفظياً لكي نتمسك بإطلاقه أو عمومه فنأخذ بالقدر المتيقن منه، والقدر المتيقن هو أن تطوف من اليمين إلى اليسار فلو مال بالاتجاه الآخر وخطى خطوات بهذه الشاكلة فلم يتوفر دليل على البطلان ولاسيما أن ذلك يحدث كثيراً عند زحام الطائفيين، ويجب القول انه ولو لم يسع الوقت لأن يجبر ما فات فعليه أن ينوب من يؤدي عنه ذلك.
 مسألة 10: لو سلب بواسطة الازدحام الاختيار منه في طوافه فطاف و لو على اليسار بلا اختيار وجب جبرانه‌ و إتيانه باختيار، و لا يجوز الاكتفاء بما فعل.
 إن ما ذهب إليه السيد الماتن يبدو واضحاً لأن العمل العبادي يجب أن يكون اختيارياً ولو لم يكن اختيارياً فلا تصدق الطاعة لأن العمل لا ينسب إليه حينئذ فلا يكون الفعل فيما نحن فيه طوافاً.
 مع ذلك نقول: منذ البدء نعلم أنه عندما تدخل في جموع الطائفيين تأخذنا الموجة من غير اختيار فعند ذلك ننوي أن تدخل في هذا الجموع الغفيرة لتأخذنا معها في حال الطواف، فعند ذلك وإن كان الفاعل للطواف هذه الجموع ولكني أن اختياراً نويت الطواف ضمن هذه الجموع كمن ينوي الطواف حول البيت راكباً فهو وان كانت الحركة بسبب مركبه ولكن بما أن العزم والإرادة كانتا منه ينسب إليه العمل ولو لم نقل بذلك فلا يصح الطواف أصلاً لكثرة الطائفين!


[1] الجواهر، ج 19، ص 292.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo