< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/02/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: حكم الطواف بين البيت والمقام
 كان البحث في الخامس من واجبات الطواف وهو أن يكون الطواف في حدود الفاصل بين الكعبة ومقام إبراهيم فلا يجوز تجاوز هذا الحد.
 يقول السيد الماتن بهذا الصدد: الخامس ـ أن يكون الطواف بين البيت و مقام إبراهيم عليه السلام و مقدار الفصل بينهما في سائر الجوانب فلا يزيد عنه، و قالوا: إن الفصل بينهما ستة و عشرين ذراعا و نصف ذراع، فلا بد أن لا يكون الطواف في جميع الأطراف زائدا على هذا المقدار.
 ما يفهم من عبارة السيد هو أنه يجب مراعاة هذا الفاصل حتى حجر إسماعيل لأن الفاصل بين الحجر والكعبة عشرون ذرعاً تقريباً فما يتبقى للطائفيين من هذا الفاصل ستة أذرع ونصف أي ما يعادل ثلاثة أمتار تقريباً وهو فاصل ضيق جداً بالنسبة إلى ملايين الطائفيين الذين يمرون من ذلك المكان!
 إن هذه المسألة تارة تبحث بحسب الاختيار وأخرى بحسب الاضطرار ولاسيما في الوقت الراهن حيث يكتظ المسجد بالحجيج بل أن بعضهم يطوف في الطبقات العلوية من المسجد.
 الأقوال:
 البعض أدعى الشهرة في المسألة وبعض آخر أدعى الاشهرية وهي أضعف من الشهرة وبعض ثالث أدعى عدم الخلاف وبعض رابع أدعى الإجماع وسيتضح أنه ليست أجماعية فحسب بل لعلها لم تكن مشهورة أيضاً.
 ففي الرياض: أن یکون طوافه بین المقام و البیت مراعیا قدر ما بینهما من جمیع الجهات مطلقا علی المشهور بل قیل كاد أن یکون إجماعا و فی الغنیة الإجماع علیه صریحا [1] .
 إن المعروف من صاحب الغنية أنه يدعي الإجماع بكل بساطة!
 والنراقي في المستند كرر عبارة الرياض وأضاف: خلافا للمحکی عن الاسکافي و جوزه خارج المقام مع الضرورة و عن المختلف و المنتهی و التذكرة المیل إلیه [2] .
 وعليه أن ابن جنيد لم يكن مخالفاً لأن الجميع يجوزونه عند الضرورة.
 وقال شيخ الحدائق: وهو الأظهر الأشهر بین العلماء الأعلام [3] .
 وقال شيخ الجواهر: لا خلاف معتد به أجده فی وجوب کون الطواف بینه و بین البیت بل عن الغنیة الإجماع علیه [4] .
 وأما في عبارات الجمهور فلم نعثر على شيء يدل على أنهم يقولون بحد في الطواف. ومن الملفت أن للشيخ الطوسي في الخلاف عبارة تفيد أنه لا يعتبر حداً للطواف وغاية ما يقوله هو أنه لا يذهب إلى ما خلف زمزم وهو في آخر مساحة المسجد ولم يبق منها اليوم أثر.
 ففي المسألة 133 بعنوان: (من تباعد عن البيت حال طوافه) يقول: إذا تباعد عن البیت حتى یطوف بالسقایة و الزمزم لم یجزه و قال الشافعی: یجزیه. دلیلنا: إن ما ذکرناه مقطوع علی أجزائه و ما ذکروه لیس علی أجزائه دلیل فالاحتیاط أيضاً یقتضی ما قلناه [5] .
 فالشيخ أعتمد الاحتياط في المسألة وقد قلنا قبل هذا أن القدماء من الفقهاء كانوا يتخذون الاحتياط دليلاً ولم يلجؤوا إلى البراءة بسهولة في حين أن ذلك من موارد الشك في التكليف فتجري فيه البراءة!
 وملخص القول:
 هذه المسألة لم تعالج عند فقهاء الجمهور، وعند الخاصة أيضاً لم تكن موضع اهتمام بحيث توجب شهرة قوية لأن الفقهاء لم يتعرضوا لها جميعاً فلم تكن أجماعية فدعوى الإجماع ليست ثابتة، وما يمكن قوله في المقام هو انه لم نجد مخالفاً في المسألة كما قال صاحب الجواهر، وقد يمكن القول بأن المسألة مشهورة بين المتأخرين.
 الدليل على فرض الاختيار:
 إن الآية 22 من سورة الحج تشير إلى الطواف فحسب فلا تذكر المقام فهي تقول: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتيقِ.
 هذا إذا لم يبتعد من الكعبة فإذا أبتعد منها وطاف بحيث لا يقال عرفاً عنه أنه طاف حول البيت فلا يصح طوافه لعدم صدق الطواف.
 وأما الروايات، فمع أن المسألة موضع ابتلاء لم ترد فيها روايات كثيرة فهناك رواية ضعيفة تقول يجب مراعاة الفاصل وهناك رواية قوية وصحيحة سنداً تقول لا يلزم مراعاة هذا الفاصل!
 فالرواية الأولى:
 مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى وَ غَيْرِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يَاسِينَ الضَّرِيرِ عَنْ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ حَدِّ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ الَّذِي مَنْ خَرَجَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ طَائِفاً بِالْبَيْتِ قَالَ كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ وَ الْمَقَامِ وَ أَنْتُمُ الْيَوْمَ تَطُوفُونَ مَا بَيْنَ الْمَقَامِ وَ بَيْنَ الْبَيْتِ فَكَانَ الْحَدُّ مَوْضِعَ الْمَقَامِ الْيَوْمَ فَمَنْ جَازَهُ فَلَيْسَ بِطَائِفٍ وَ الْحَدُّ قَبْلَ الْيَوْمِ وَ الْيَوْمَ وَاحِدٌ قَدْرَ مَا بَيْنَ الْمَقَامِ وَ بَيْنَ الْبَيْتِ مِنْ نَوَاحِي الْبَيْتِ كُلِّهَا فَمَنْ طَافَ فَتَبَاعَدَ مِنْ نَوَاحِيهِ أَبْعَدَ مِنْ مِقْدَارِ ذَلِكَ كَانَ طَائِفاً بِغَيْرِ الْبَيْتِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ طَافَ بِالْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ طَافَ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَ لَا طَوَافَ لَهُ [6] .
 أما سندا؟ً فهي ضعيفة بياسين الضرير لأنه مجهول الحال وقيل أنه من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) وله كتاب، مهماً كان فأنه لم يوثق! مع أن الرواية مضمرة إلاّ أن يقال أن محمد بن مسلم لا يروي إلاّ عن الإمام!
 وأما دلالة ففي الرواية إشكال من أنه مقام إبراهيم كان متصلاً بالبيت ثم انفصل عنه ولكن هنا أسئلة وهي أنه لماذا انفصل المقام عن الكعبة ومن فصله ولماذا لم يكن يُفصل في أيام الرسول وأنفصل بعده؟!
 ومن العجب أنه مع أن انفصال المقام كان بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) فصار فيما بعد إدخاله في الطواف مبطلاً له؟!
 مهما يكن من شيء فهناك رواية صحيحة سنداً قد وردت معارضة لهذه الرواية!
 


[1] الریاض، ج 7، ص 18.
[2] المستند، ج 12، ص 75.
[3] الحدائق، ج 16، ص 110.
[4] الجواهر، ج 19، ص 295.
[5] الخلاف، طبعة جدیدة، ج 2، ص 324.
[6] الوسائل، ج 9، باب 28 من أبواب طواف حدیث 1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo