< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/03/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 عن الإمام الهادي (عليه السلام): الْحِكْمَةُ لَا تَنْجَعُ فِي الطِّبَاعِ الْفَاسِدَةِ [1] .
 الحكمة في مصطلح الآيات والروايات هو العلم والمعرفة كما في الآية: وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطابِ [2] . أي علمناهم العلم والمعرفة والظاهر منها هي علم العقيدة والفروع والمسائل الأخلاقية وإن أطلقت الحكمة في الأكثر على الأمور الأخلاقية.
 وحكمة نجعة في اللغة تعني الدخول في الشيء والتأثير فيه، وعن الدواء يقال: (نجع الدواء) أي أنه دخل في بدن المريض وأثر فيه، وقوله: لا ينجع بمعنى عدم تأثيره!
 مهما كان فان الإمام (عليه السلام) يقول: إن الحكمة لا تؤثر في القلوب الفاسدة!
 والقانون العام يفيد: لتحقيق أي غرض لابد من توفر قابلية القابل وفاعلية الفاعل فلكي يؤثر المطر أثره يجب أن تكون الأرض صالحة لنمو النباتات فيها وإلا فلا يترك المطر أثراُ في هذه الأرض وكذلك في معالجات المرضى فمثلاً في زرع الكلية للمريض لابد من أن يستجيب البدن فلولا تكن استجابة من قبل البدن لا يمكن زرعها ولا أثر لفاعلية الكلية لأن البدن لم يتوفر على القابلية.
 وكذلك في دعوة الأنبياء فإن سلمان كانت تتوفر فيه قابلية الاستجابة للدعوة وبفضل ذلك أصبح من أهل البيت حيث قال عنه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): سلمان منا أهل البيت، في حين أن أبا لهب مع إنه كان من أقرباء النبي (صلى الله عليه وآله) كان فاقداً لهذه القابلية فلم تؤثر فيه فاعلية الدعوة فمات بكفره! إن فاعلية الدعوة كان في أعلى المستويات ولكن قابلية الاستجابة في الأفراد كانت مختلفة!
 وعليه لكي نتمتع بما ورد في الآيات والروايات ونوظف ذلك لبناء حياة سعيدة يلزم أن نطهر داخلتنا وأن نتوب إلى الله من ذنوبنا فنجتنب من أكل ما فيه الشبهة ونحفظ ألسنتنا وان نواضب على سلوكنا لكي تشرق الأنوار الربانية في قلوبنا! إن الفيوضات الربانية لا حدود لها فعلى الإنسان أن يعد العدة لكي يتمتع بما يفيضه الرب الرحيم على عباده!
 وهذا هو شأن القوانين الاجتماعية أيضاً فلو لم يكن المجتمع معداً حضارياً فلا تنفع بحاله القوانين الصالحة وإن كانت أكثر القوانين تطوراً وتقدماً!
 * * *
 عنوان البحث الفقهي: حكم إضافة شوط سهواً
 كان البحث في المسألة الثامنة عشرة من مسائل الطواف وهو في الإضافة السهوية فتارة تكون الإضافة أقل من شوط وقد قلنا أنها تلغى والطواف صحيح وقد ثبت ذلك بالروايات الصحيحة والشهرة الفتوائية والأصل.
 وأما فيما يخص إضافة شوط كامل كما لو أتى بثمانية أشواط بدل سبعة أشواط فالسيد الماتن قد أتى باحتياطات ثلاثة فهو يقول: ولو كان شوطا أو أزيد فالأحوط إتمامه سبعة أشواط بقصد القربة من غير تعيين الاستحباب أو الوجوب و صلى ركعتين قبل السعي و جعلهما للفريضة من غير تعيين للطواف الأول أو الثاني و صلى. ركعتين بعد السعي لغير الفريضة.
 ففي الاحتياط الأول يقول: يضيف للشوط الأول ستة أشواط لتبلغ الأشواط أربعة عشر شوطاً من دون أن يعين أي الأسبوعين هو الفريضة وهذا يدل على إنه لم يتبين لسماحته أي الطوافين هو الفريضة وذلك لتضارب الأقوال والروايات.
 وفي الاحتياط الثاني يقول بإتيان ركعتين بعد الطوافين ومن دون أن يشير إلى أن الركعتين لأي واحد من الأسبوعين.
 وفي الاحتياط الثالث يقول أن يأتي بركعتين بعد السعي ناوياً النافلة.
 نحن في بداية البحث نعالج حسب الأصل ما لو أضاف الطائف شوطاً هل يجب عليه أن يجعله أسبوعاً أم لا يجب عليه ذلك؟ وأما صلاة الطواف سيأتي البحث عنها.
 الأقوال:
 المشهور بين الفقهاء هو لزوم إضافة ستة أشواط ولكن الصدوق في المقنع قد عارض ذلك فأفتى ببطلان الطواف كما في إضافة ركعة في الصلاة، وقد حكي إن صاحب الحدائق قد مال إلى رأي الصدوق.
 يقول صاحب الرياض: لو زاد سهوا اکمل أسبوعين علی الأظهر الأشهر کما فی الصحاح المستفیضة و غیرها خلافا للصدوق و مال إليه بعض المعاصرین [3] .
 في تعبيره بالأشهر نحو من التسامح لأن المعارض ليس هو المشهور وإنما هو واحد أو اثنان من الفقهاء.
 وصاحب المستند قد بحث المسألة بدقة أكثر وظاهر ما أفاده هو الشهرة وإن لم يصرح بذلك لأن المخالف ـ كما يقول ـ هو الصدوق وبعض مشايخ والده وهو صاحب الحدائق [4] .
 وقد اعترف صاحب الحدائق بالشهرة فقال: المشهور بین الأصحاب رضوان الله تعالی علیهم انه لو زاد علی السبعة سهوا اکملها أسبوعين... و قال الصدوق فی المقنع، تجب الإعادة [5] .
 وصاحب الجواهر حيث بحث المسألة بصورة مبعثرة تبعاً للشرائع فقال: و من زاد علی السبعة فی طواف الفریضة سهوا شوطا اکملها أسبوعين فی المشهور نصاً وفتوی... خلافاً للصدوق فی محکی المقنع [6] .
 مقتضى الأصل:
 لو أن الطائف نوى ثمانية أشواط من البدء فطوافه باطل كما لو نوى خمسة ركعات في الصلاة لأنه لم ينو المأمور به! ولكن البحث هنا عن السهو في انه أتى بشوط فهل هذه الإضافة السهوية مبطلة لطوافه أم لا؟ لأنه نوى سبعة أشواط وأتى سبعة أشواط وأضاف شوط سهواً فهل هذا الشوط السهوي مانع من الصحة أو لا؟ الأصل عدم المانع ولا دليل على البطلان في إنه كل زيادة مبطلة.
 وقد شبه البعض الطواف بالصلاة بناء على المروي: الطواف بالبيت صلاة، وقد أسلفنا إن هذا التشبيه في غير محله لأن المروي مخدوش سنداً ودلالة.
 وأما الروايات سيأتي البحث عنها إن شاء الله.


[1] بحار الأنوار، ج 75، ص 310.
[2] سورة ص، الآية: 20.
[3] الریاض، ج 7، ص 36.
[4] المستند، ج 12، ص 94.
[5] الحدائق، ج 16، ص 200.
[6] الجواهر، ج 19، ص 364.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo