< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/03/15

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: الزيادة العمدية في الطواف
 البحث في المسألة السابعة عشرة من مسائل الطواف، وبقيت قضية، لم يتعرض لها السيد الماتن وهي ما حكم من تعمد زيادة شوطٍ في الطواف؟
 مع إن الفقهاء قد تعرضوا لهذا الفرع قديماً وحديثاً، خصوصاً أن هذا الفرع ليس من الواضحات، والآراء فيه مختلفة بين الفقهاء.
 أقوال:
 يقول المحقق الأردبيلي في شرحه على الإرشاد المسمى بـ (مجمع الفائدة): تحریم الزیادة فی طواف الفریضة عمدا و انه مبطل للطواف هو قول اکثر علمائنا علی ما فی المنتهی [1] .
 ويقول المحقق النراقي في المستند: قال جماعة: تحرم الزیادة علی سبعة أشواط فی الطواف الواجب بل هو المشهور بین الأصحاب کما فی المنتهی و الذخیرة و فی المدارك انه المعروف من مذهب الأصحاب بل قیل: إن ظاهرهم الاتفاق علی الحکم المذکور إلا نادرا [2] .
 ويقول صاحب الجواهر: الزیادة عمدا علی سبع فی الطواف الواجب محظورة و مبطلة علی الاظهر کما عن الوسیلة (ثم ينقل عن كتب أخرى، ويكمل فيقول) بل فی المدارك: انه المعروف من مذهب الاصحاب و فی کشف اللثام انه المشهور و هو کذلك [3] .
 نقول: لهذه المسألة أربع صور، ويجب علينا أن نوضح محل الخلاف.
 الصورة الأولى:
 أن يكون قد قصد منذ البداية أن يطوف ثمانية أشواط بدل سبعة، لا شك في بطلان هذا الطواف، لأن الإنسان لم يقصد الأمر الإلهي، والذي نواه ليس من الأمر الإلهي في شيء.
 حتى يمكن القول بأن النية المذكورة هي نوع من البدعة، لأنه لا يوجد في الإسلام شيء أسمه ثمانية أشواط (بعدها يجب البحث عن أنه هل يلحق الجاهل بالعمد أو لا؟).
 الصورة الثانية:
 كانت نيته من البداية أن يطوف سبعة أشواط، وفي الأثناء نوى طواف ثمانية أشواط.
 لا شك في بطلان هذه الصورة كذلك لأنه لم يستمر في قصد القربة، وفي وسط العمل ترك الأمر الإلهي، وقصد أمراً آخر.
 الصورة الثالثة:
 كانت نيته من البداية أن يطوف سبعة أشواط، وعندما أنهى الأشواط السبعة، وبعدها ـ ومن دون أن يقصد إضافة شيء إلى الأشواط السبعة ـ أتى بشوطٍ آخر (كما لو اعتقد أن أداء هذا العمل مستحب) من الواضح إن هذا العمل لا يوجب البطلان، لأن العمل تمّ بنية صحيحة، ولم يقصد الزيادة، وبعد الأشواط السبعة تمّ الامتثال، وسقط الأمر، فلم تضر زيادة الشوط بذلك.
 وكذلك نقول في الصلاة، إذا صلى الشخص بنيةٍ صحيحة، وبعد إتمام الصلاة، أتى بركعة دون قصد الزيادة، فصلاته بكل أجزائها صحيحة.
 الصورة الرابعة:
 يمكن أن تكون هذه الصورة تقع محلاً للبحث وقد اختلف فيها العلماء.
 وهي زيادة شوط بنية الجزئية، بعد إتمام الأشواط السبعة.
 إن الفقهاء الذين بحثوا الزيادة العمدية لشوطٍ في الطواف لم يوضحوا بأي واحدة من هذه الصور الأربعة قد تعلقت النية.
 إن البحث يدور حول الصورة الرابعة لأنه في الصورة الأولى والثانية لا شك ببطلان الطواف، وفي الصورة الثالثة لا شك في صحة الطواف.
 مقتضى القاعدة هو إنه قد حصل الامتثال وسقط الأمر، عند أداء الأشواط السبعة، وحتى ولو قصد الجزئية فإنها لا تحصل، والقصد لغو.
 الاستدلال على بطلان هذا الفرض:
 إن الفقهاء لم يصرحوا بأن مرادهم هو الصورة الرابعة ولكن قلنا أن الفروض السابقة واضحة، ومحل البحث هو هذه الصورة فقط.
 الدليل الأول:
 هذا العمل هو خلاف لما قام به سول الله (صلى الله عليه وآله) والمعصومون (عليهم السلام) حيث لم يطوفوا سوى سبعة أشواط.
 يجاب عنه:
 إذا لم يقم الأئمة (عليهم السلام) بهذا الفعل فليس ذلك دليلاً على بطلانه، إن فعل الإمام (عليه السلام) مبهم وليس له بيان، ولا يقول إن الزيادة العمدية توجب بطلان السبعة أشواط التي أديت بشكل صحيح.
 وبعبارة أخرى: إن عدم القيام بهذا العمل من قبل الأئمة، فهل لأنه مبطل للطواف أو لأن هذا العمل ليس واجباً ولا مستحباً؟
 الدليل الثاني:
 الاستدلال برواية الطواف بالبيت صلاة أن زيادة ركعة يؤدي إلى بطلان الصلاة، وهكذا زيادة شوطٍ في الطواف يؤدي إلى بطلان الطواف.
 يجاب عنه:
 هذا الاستدلال مخدوش صغروياً وكبروياً.
 أما صغروياً: فإن هذا الحديث المذكور محل مناقشة ورد دلالة وسنداً.
 أما كبروياً: فإنه لم يثبت بأن أداء العمل المذكور يوجب بطلان الصلاة.
 إذا أديت الصلاة بنية صحيحة وبشكلٍ تام وكامل، وبعد التسليم أتى الشخص لغواً بزيادة ركعة، فإنه بعد حصول الامتثال وإسقاط الأمر، لم يثبت إن الإتيان بهذه الركعة تبطل الصلاة.
 الدليل الثالث:
 الاستدلال بالروايات.
 مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ ثَمَانِيَةَ أَشْوَاطٍ الْمَفْرُوضَ قَالَ يُعِيدُ حَتَّى يُثْبِتَهُ [4] .
 سند الرواية محل بحث، وليس معلوماً من المراد من أبي بصير.
 قال البعض أن ضعف الرواية ينجبر بعمل الأصحاب ولكن يجب النظر في أن عمل الأصحاب هل يطابق هذه الرواية أو لا؟
 ليس واضحاً شمول الرواية لحالة السهو أو حالة العمد، حتى قال البعض بشمولها لحالة السهو لأنه من النادر أن يزيد المكلف إلى الطواف شوطاً عمداً، والإطلاق ينصرف إلى الفرد الغالب، نعم يمكن للمكلف أن يكون جاهلاً.
 فإنه من هذا الحديث أيضاً بأنه لأي من الصور الأربعة يهدف السؤال، وهل يمكن التمسك بالإطلاق لتشمل حتى الصورة الرابعة؟! يمكن أن تكون هذه الرواية في مورد تشمل المكلف الذي منذ البداية قصد طواف ثمانية أشواط جهلاً أو ما إلى ذلك من أسباب، حيث قلنا أن طوافه باطل كذلك.
 عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مَرَّارٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ فِي حَدِيثٍ قَالَ قُلْتُ لَهُ فَإِنَّهُ طَافَ وَ هُوَ مُتَطَوِّعٌ (كان يؤدي طوافاً مستحباً) ثَمَانِيَ مَرَّاتٍ وَ هُوَ نَاسٍ قَالَ فَلْيُتِمَّهُ طَوَافَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَأَمَّا الْفَرِيضَةَ فَلْيُعِدْ حَتَّى يُتِمَّ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ [5] .
 الرواية ضعيفة بأبي بصير.
 إن الإمام يفرق في هذه الرواية بين الطواف الواجب والمستحب.
 يقول في مورد الطواف المستحب بإتمامها إلى أربعة عشر شوطاً، وفي مورد الطواف الواجب يقول بوجوب الإعادة ولكن بقرينة صدر الرواية التي كانت تبين حالة السهو، فإن ذيل الرواية الذي يبين طواف الفريضة متعلق بحالة السهو كذلك.
 يمكننا الاستفادة من قياس الأولوية في هذه الحالة، وهو إذا كان الحكم بحالة النسيان بهذا الشكل، فإنه بطريقٍ أولى أن يكون الحكم في حالة العمد بهذا الشكل أيضاً وعليه نقول: لم يتضح إن الرواية هي أي من هذه الصور الأربعة تريد، فهل كان المكلف يقصد هذا الأمر من البداية أو في الأثناء أو في موارد أخرى.
 يضاف إلى ذلك فإن الشخص الساهي يأتي بالجميع بنية الطواف، ولكن الشخص العالم والعامد ينوي بسبعة أشواط على حدة، ثم ينوي شوطاً على حدة، وفي النتيجة لا أولوية في البين.
 سيأتي البحث في أدلة القائلين بصحة الطواف إن شاء الله.


[1] مجمع الفائدة، ج 7، ص 108.
[2] المستند، ج 12، ص 89.
[3] جواهر الکلام، ج 19، ص 308.
[4] وسائل الشیعة، ج 9، باب 34 من أبواب طواف، حدیث 1.
[5] وسائل الشیعة، ج 9، باب 34 من أبواب طواف، حدیث 2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo