< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/03/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 كلمة بمناسبة ولادة النبي (صلى الله عليه وآله) وحفيده الإمام الصادق (عليه السلام)
 في هذه الأيام زيادة على الفرح والسرور يجب أن نسعى للتعرف على صفاتهم وسلوكهم وأن نعمل على أساس ذلك.
 ذكر القرآن الكريم في الآية 28 من سورة التوبة للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) خمس صفات يقول الله تعالى فيها: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنينَ رَؤُفٌ رَحيمٌ [1] .
 الصفة الأولى:
 هي عبارة مِنْ أَنْفُسِكُمْ، يعني إن رسول الله كان من وسطكم، يعني أنه كان يعرف مشاكلكم، الشخص الذي يريد أن يقود الناس، عليه أن يعرف مشاكلهم، وهذا لا يتأتى إلاّ للشخص الذي يعيش في أوساطهم.
 الصفة الثانية:
 عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ، لقد كانت تألمه معاناتكم، وهذا يعني أنه كان في غاية الرحمة، الشخص الذي يريد أن يقود الناس عليه أن يكون رحيماً بهم، عندما يتألم ويعيني معاناتهم، وعندما تواجه الطبقات الضعيفة صعوبات، فهو يتعاطف معهم.
 الصفة الثالثة:
 حَريصٌ عَلَيْكُمْ، هذه الصفة تحكي عن الحب الشديد للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) لهداية وسعادة الناس، وهو يسعى بإصرار لتحقيق هذا الأمر.
 الصفة الرابعة والخامسة:
 بِالْمُؤْمِنينَ رَؤُفٌ رَحيمٌ، وقد جاء في بعض مصادر اللغة إن معنى الرأفة هو الرحمة الشديدة، بناءً عليه فإن هذه الآية تعني إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا لم يكن للبعض شديد الرحمة فإنه كان يبدي الحد المتعارف للرحمة على الأقل، وكان يبدي الرحمة الشديدة للبعض الآخر.
 إذا كانت هذه الصفات موجودة في كل مدير فإنه يحقق نجاحاً باهراً في الإدارة، كما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ناجحاً في إدارته، وحيث تمكن من إنقاذ تلك الأمة المتخلفة والجاهلية بل تمكن من إيصالها إلى أوج الحضارة والمدنية التي يفتخر بها حتى أصبحت قائدة الأمم.
 عندما يكون الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بهذه الصفات هل من المناسب أن يفتقد المسلمون مثل هذه الصفات وأن يغيروا على بعضهم وأن يقتل بعضهم الآخر؟
 الذين يدعون السلفية والوهابية وأمثالهم لماذا في مقام العمل يخالفون هذه الصفات ويعملون ضدها على أشد ما يكون، على هذا الأساس علينا الانتباه إلى إنه أين تكمن أهمية أسبوع الوحدة!
 يجب أن يجتمع المسلمون من المذاهب المتنوعة والأعراق المختلفة حول بعضهم.
 في الخطابات القرآنية، يأتي خطاب تحت عنوان (الناس) (يا بني آدم)، فالإسلام يعتبر كل أنحاء الكرة الأرضية بلداً واحداً، كل الحدود السياسية وأمثالها في الرؤية القرآنية أموراً مصطنعة ومتعبة.
 قرر الأعداء إن يواجهوا الإسلام عن طريق إيجاد الاختلافات المذهبية، إن القرآن المجيد يبين إن سياسة فرق تسد هي من الأمور التي نبه عليها القران قبل ثلاثة آلاف عام، فالقرآن عندما يتحدث عن فرعون يقول: فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَ جَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَ يَسْتَحْيي‌ نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدينَ [2] .
 وهذه السياسة ما زالت حية حتى هذه اللحظة.
 هناك قصة ملفتة تنقل عن الانكليز في خصوص استعمار الهند التي كانت دولة عظيمة ويسكنها مئات الملايين من البشر تقول هذه القصة أن الانكليز تمكنوا من حكمهم بعشرة الآلاف جنيه استرليني، وذلك من خلال إيجاد الاختلافات وعدم السماح لهم بالوحدة.
 وهم كانوا يدفعون مبالغ ضئيلة لإيجاد الاختلافات، فقد كانوا مثلا يدفعون لشخصٍ مبلغاً محدوداً ليقتل أحدى الأبقار المقدسة في الشارع، ويعطون مالاً للآخر ليشعل النار ليلاً بأحد المساجد، وعلى وقع ذلك يصبح الطرفان يسيئان الظن ببعضهما فيبدأ القتال بينهم ثم يتدخل الانكليز ليصلحوا بينهم.
 إن الذين يسعون لإشعال نار الاختلافات، يستطيعون بتأمل بسيط معرفة أن هذه الاختلافات تؤدي إلى خدمة أعداء الإسلام لقد أهتم آية الله العظمى البرجوردي بشكل حكيم بموضوع الوحدة إلى حد أن مفتي مصر الأعظم، أعطى فتوى بأن السنة كما أنهم لهم الحق بأتباع الأئمة الأربعة، فإن لهم الحق بالاقتداء بالمذهب الجعفري في فروع الدين بعنوان أنه المذهب الخامس.
 * * *
 عنوان البحث الفقهي: الزيادة العمدية لشوط في الطواف
 البحث في الأمر الرابع من موضوعات ذيل المسألة الثامنة عشراً من مسائل الطواف، وهي حكم المكلف الذي يزيد شوطاً عمداً في طوافه، قلنا إن المشهور يذهب إلى بطلان الطواف، ونحن قسمنا المسألة إلى أربعة أقسام وقلنا ببطلان في خصوص القسمين الأوليين، وبالصحة في القسمين الآخرين.
 ناقشنا أدلة القائلين بالبطلان، والآن نناقش أدلة القائلين بالصحة، الذين يقولون بصحة طواف المكلف الذي يزيد على طوافه شوطاً عمداً، ولا يلزم أن يضيف على شوطه شيء ولا يجب أن يعيد طوافه من جديد.
 الدليل:
 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ إِنَّ عَلِيّاً (عليه السلام) طَافَ ثَمَانِيَةَ أَشْوَاطٍ فَزَادَ سِتَّةً ثُمَّ رَكَعَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ [3] .
 الرواية معتبرة، والاستدلال بهذه الرواية مبني على إن أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يسهو، وبناءً عليه فإن هذه الرواية موضوعها العمد.
 بالطبع لا يرد القول بأنه لماذا أمير المؤمنين (عليه السلام) أتى بثمانية أشواط حتى أصبح ملزماً بإتمامها للأربعة عشر شوطاً، في حين كانت سنة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) الإتيان بسبعة أشواط فلماذا أتى بثمانية أشواط.
 نقول:
 بقرينة الرواية التالية التي سوف أشير إليها، هذه الرواية متعلقة بمورد السهو وصدرت من باب التقية، وذلك لأن الإمام الصادق (عليه السلام) لم يستطع بيان الحكم الإسلامي لأن المخالفين في ذلك الزمان لم يقبلوه على إنه إمام، بل بعنوان إنه راوٍ للحديث، وكان ملزماً لبيان الحكم الإلهي فاضطر أن ينسب هذا الأمر إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، لأن المخالفين يقولون بحجية قول الصحابي، ويقولون بأن أمير المؤمنين (عليه السلام) هو من أفضل الصحابة، وإلا فإنه لم يصدر هذا الفعل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أبداً.
 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ إِنَّ عَلِيّاً (عليه السلام) طَافَ طَوَافَ الْفَرِيضَةِ ثَمَانِيَةً فَتَرَكَ سَبْعَةً وَ بَنَى عَلَى وَاحِدٍ وَ أَضَافَ إِلَيْهِ سِتّاً ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ السَّعْيِ بَيْنَهُمَا رَجَعَ فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَرَكَ فِي الْمَقَامِ الْأَوَّلِ [4] .
 الرواية صحيحة، وظاهرة إنها في مورد السهو، لأن الإمام الباقر (عليه السلام) يقول فَتَرَكَ سَبْعَةً وَ بَنَى عَلَى وَاحِدٍ لأن إذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) زاد شوطاً عمداً فلماذا ترك الأشواط السبعة الأولى، واعتبر الشوط الأول الزائد أساساً وزاد عليه ستة أشواط؟
 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلَاءٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا (عليه السلام) قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ طَافَ طَوَافَ الْفَرِيضَةِ ثَمَانِيَةَ أَشْوَاطٍ قَالَ يُضِيفُ إِلَيْهَا سِتَّة [5] .
 الرواية صحيحة، ومطلقة وبإطلاقها تشمل حالة العمد، لذلك فإن الاستدلال بهذه الرواية أنسب من الروايتين السابقتين لأن الروايتين السابقتين ظهورها في حالة السهو.
 نقول:
 تنصرف هذه الرواية إلى حالة السهو لأنه ما من أحد يعمد إلى زيادة طوافه من سبعة أشواط إلى ثمانية دون تشريع، فإن حالة العمد في ذلك نادرة.
 خصوصاً إن مسألة طواف سبعة أشواط مسألة معروفة جداً، والذي يجهل هذا المورد فيزيد على طوافه جهلاً هم قلة.
 والخلاصة هي:
 في مورد الزيادة العمدية لا روايات القائلين بالبطلان تدل على البطلان، ولا روايات القائلين بالصحة تدل على الصحة.
 بناءً عليه لم يبق أمامنا إلاّ الذهاب إلى القاعدة وكما قلنا إن قاعدة البراءة من المانعية تجري هنا وزيادة شوط لا يوجب البطلان.
 لكن كما قلنا سابقاً فإننا قد قسمنا الزيادة العمدية إلى أربعة أقسام وكان الكلام في القسم الرابع وهي عندما يقوم أحد ما بنية الطواف سبعة أشواط ثم يأتي بسبعة أشواط، ثم تخطر له نية جديدة بزيادة شوطٍ آخر، في هذه الحالة يكون العمل قد انتهى، وحصل الامتثال وسقط الأمر، والنية الجديدة لا يمكن أن تبطل العمل المنتهي، بناءً عليه فقد أفتينا في مورد الاحتياطات الثلاث التي ذهب إليها السيد الماتن، بشكل واضح.
 الأمر الخامس:
 يقول صاحب المستند: إذا كانت الزيادة إلى الركن الأول (أول حجر إسماعيل) يمكن قطعها [وقد قلنا إن السهو إذا لم يكن دورة كاملة ولم يكمل الشوط فيمكن قطعها وإلا فيجب إن يضيف ستة أشواط] ولكن إذا مضى عن الركن الأول فيجب إضافة ستة أشواط يقول المستند صاحب: ولو كانت سهوا فان لم یبلغ الرکن الأول فلیقطع الشوط [6] .
 بعض العلماء بدلا من التعبير عن الركن الأول تحدثوا عن الركن العراقي، والعجيب إن رواية أبي كهمس عبرت بالركن التي يوافق ظاهرها قول صاحب المستند.
 نعم الرواية ضعيفة السند، ولكن عمل بها المشهور، وعمل المشهور جابر لضعف سندها.
 على هذا نقول:
 الظاهر إن الركن بمعنى الحجر الأسود لأن الروايات الأخرى تحدثت أبجمعها عن ثمانية أشواط لذا فإن المراد شوطاً كاملاً.
 وإلا إذا أردنا العمل برواية أبي كهمس سنواجه مشكلة وهي إن رواية أبي كهمس تحدثت عن الركن الأول وباقي الروايات تحدثت عن شوط كامل [7] .
 وهنا ما هو حكم بعد الركن وقبل إتمام الشوط؟
 بناءً عليه فإن المراد من الركن في رواية أبي كهمس هو ركن الحجر الأسود.
 للبحث صلة.


[1] سورة التوبة، الآية: 128.
[2] سورة القصص، الآية: 4.
[3] وسائل الشیعة، باب 34 من أبواب طواف، حدیث 6.
[4] وسائل الشیعة، باب 34 من أبواب طواف، حدیث 7.
[5] وسائل الشیعة، باب 34 من أبواب طواف، حدیث 8.
[6] مستند، ج 12، ص 93.
[7] وسائل الشیعة، باب 34 من أبواب طواف، حدیث 3.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo