< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/03/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 موضوع البحث: حكم قطع الطواف
 البحث في المسألة التاسعة عشر في الطواف، يقول السيد الماتن في هذه المسألة: يجوز قطع الطواف المستحب بلا عذر، وكذا المفروض (الطواف الواجب) على الأقوى، والأحوط (وجوباً) عدم قطعه بمعنى قطعه بلا رجوع إلى فوت الموالاة العرفية. (يعني لا يقطع الطواف بدون فوت الموالاة العرفية، فالذي يريد أن يقطع الطواف فلينتظر فوات الموالاة، ومن يعدها فليعد الطواف من البداية إذا أراد ذلك).
 أقوال:
 يعرض صاحب المستند هذا البحث بشكل موسع في المجلد الثاني عشر من كتابه المستند.
 وفي الجواهر: أما قطع الطواف عمدا لا لغرض فقط یقوی جوازه فی النافلة فی غیر الطواف الفریضة [1] .
 بعدها يعالج صاحب الجواهر رواية الطواف بالبيت صلاة، ويقول: كما أنه يجوز قطع صلاة النافلة، يجوز قطع طواف النافلة، وكما إنه لا يجوز قطع الصلاة الواجبة فإنه لا يجوز قطع الطواف الواجب كذلك (ونحن سنعرض إن شاء الله بأن حكم قطع الصلاة واجب هو محل البحث وليس مسلماً إنه لا يجوز قطعها).
 يقول صاحب المستند: هل یجوز قطع الطواف قبل إتمامه أم لا؟ الظاهر نعم. ثم يضيف، و هل یجوز مع القطع ترکه وعدم البناء علیه مطلقا (يعني في حالة أنه قطعها، ويريد الإعادة من جديد، فهل يمكنه الإعادة من البداية أو إذا كان في الشوط ما بعد الرابع فيبني على ما مضى ثم يكمل، وإذا كان في أقل من النصف فيعيد من البداية؟) يقول: و مع القطع یعمل بما علیه من الإعادة و البناء علیه و هل یجوز مع القطع ترکه و عدم البناء علیه مطلقا لو کان الطواف نفلا؟ الظاهر نعم للأصل و أما الفرض فسيأتي حکمه [2] .
 ويقول أيضاً في حكم الفريضة: في الصورة التي يكون فيها قد أتم أقل من سبعة أشواط وترك الطواف أو جلس في زاوية، أو خرج إلى خارج المطاف، أي أنه قام بفعل يخرجه من طوافه، فتارة يكون خروجه عمداً وتارة سهواً، فإذا كان عامداً فعليه الإعادة قبل النصف، وبعد النصف يبني على ما مضى فيكمل.
 على كل حال فإن ظاهر كلامه إنه ليس من القائلين بالحرمة التكليفية، بل هو في صدد بيان الحكم الوضعي وهو أن قطع الطواف جائز في النافلة ولكن في الطواف الواجب تفصيل بين قبل النصف وبعد النصف.
 يقول صاحب كشف اللثام: واختلف فی ما إذا تعمد قطعه لا لحاجة من دخول الکعبة أو غیرها و لا ضرورة فالمفید و سلار علی البناء ان تجاوز النصف و الحلبیان الاستئناف [3] .
 يظهر من كلامه عدم حرمة القطع، وهو لم يبين سوى الحكم الوضعي.
 لم تطرح هذه المسألة في وسط العلماء كثيراً، في حين أنها محل ابتلاء، مثلاً هناك أشخاص في أثناء الطواف يخطر في بالهم شبهة، فإذا أعادوا الطواف من جديد يرتاح بالهم ولكن إذا لم يتمكنوا من ترك الطواف فإنهم سيواجهون مشاكل عديدة، لأنه عليهم إتمام الطواف، وهم لا يعلمون مدى صحة طوافهم مع وجود هذه المشاكل، فهؤلاء عليهم إتمام الطواف ومن بعده عليهم بالسؤال من عالم الدين، وكم سيكون الأمر صعباً بأن يكون الطواف مع هذا المشكل باطلاً، وأن عليه الإعادة من جديد.
 على كل حال وكما قلنا فإن قطع الطواف لأسباب مختلفة:
 الأول: لضرورة أو عذرٍ شرعي مثل الحدث، المرض وأمثالها.
 الثاني: القطع لواجب أهم كأن يضطر لإنقاذ نفس مسلمة، مثلاً إذا أصيب شخص بالسكتة القلبية، أو صدم، أو جرح، أو أصيب بالكسر، فإنقاذه تارة يكون واجباً كفائياً وأخرى واجباً عينياً.
 الثالث: القطع للأداء عمل راجح مستحب مثلاً للوصول إلى صلاة الجماعة في أول الوقت أو لقضاء حاجة مؤمن.
 الرابع: القطع دون أي عذرٍ من الأعذار المذكورة مثلاً على أثر نفاد صبره، أو لأجل الدخول إلى داخل الكعبة (الذي جاء في الروايات عدم القيام بهذا الأمر في الطواف) أو أن تحصل له شبهة ولا يمكنه أن يسأل أحداً، فيقطع الطواف لذلك، ثم يعيد.
 أما الحالة الأولى، فقد بحثنها سابقاً وحققنا الروايات والأقوال في المسألة، وقلنا إن القطع في هذه الحالة مسلماً جائز.
 أما الحالة الثانية فهي جائزة أيضاً، بلا شك لحصول الواجب الأهم، وعليه أن بحثنا هو في الحالة الثالثة والرابعة.
 الأصل في المسألة.
 الأصل هو الجواز، لأننا نشك عند البدء بالطواف بأنه هل يمكن أن نقطع الطواف أو إن قطع الطواف حرام؟
 والأصل هو البراءة وبالتالي فيجري هنا حكم الجواز سواء أكان الطواف واجباً أو مستحباً. وكذلك الحكم في الصلاة إذا لم يكن هناك دليل خاص. فإن أصل البراءة يعني جواز ترك الصلاة يجري سواء أكانت واجبة أو مستحبة.
 دلالة الروايات:
 الروايات في هذا المورد كثيرة فهناك سبع طوائف من الروايات تبدأ من الباب 40 من أبواب الطواف إلى 46.
 الطائفة الأولى:
 قطع الطواف بسبب المرض أو الحدث، وقلنا إنه إذا تجاوز النصف يكمل بعد إزالة العذر وإلا يعيد من البداية.
 تتحدث الروايات في باب 40 عن أحكام الحدث، وفي باب 41 عن أحكام النجاسة، وفي باب 45 تتحدث عن أحكام المرض.
 عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ مُظَاهِرٍ قَالَ ابْتَدَأْتُ فِي طَوَافِ الْفَرِيضَةِ فَطُفْتُ شَوْطاً وَاحِداً فَإِذَا إِنْسَانٌ قَدْ أَصَابَ أَنْفِي فَأَدْمَاهُ فَخَرَجْتُ فَغَسَلْتُهُ ثُمَّ جِئْتُ فَابْتَدَأْتُ الطَّوَافَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فَقَالَ بِئْسَ مَا صَنَعْتَ كَانَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَبْنِيَ عَلَى مَا طُفْتَ ثُمَّ قَالَ أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ شَيْ‌ءٌ [4] .
 قلنا سابقاً بأنه هناك كلام في سند الرواية، فمن المراد من حبيب بن مظاهر؟ وهل المراد من أبي عبدالله الإمام الحسين (عليه السلام) أو لا؟
 على كل حال الشاهد في جواب الإمام (عليه السلام) حيث يقول أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ شَيْ‌ءٌ يعني كان عليك أن تحسب ما مضى ثم تكمل من المكان الذي قطعت منه، ولكن بما أنك بدأت الطواف من البداية فلا إشكال عليك، وطوافك صحيح.
 الطائفة الثانية:
 قطع الطواف إذا حان وقت صلاة الفريضة ويظهر من الروايات إنّ المراد الصلاة في أول الوقت، بناءً عليه فإن المراد من هذه الروايات قطع الطواف للأمر مستحب.
 الروايات مذكورة في باب 43، من أبواب الطواف الحديث 1 أو 2.
 مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ شِهَابٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ كَانَ فِي طَوَافِ الْفَرِيضَةِ فَأَدْرَكَتْهُ صَلَاةُ فَرِيضَةٍ قَالَ يَقْطَعُ الطَّوَافَ وَ يُصَلِّي الْفَرِيضَةَ ثُمَّ يَعُودُ فَيُتِمُّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ طَوَافِهِ [5] .
 الرواية تتحدث عن طواف الفريضة وندخل الطواف المستحب بدليل الأولوية، ولم تفصل الرواية بين قبل النصف وبعده، لذا فإن إطلاق الرواية يشمل الحالتين، وفي الكل يمكن الطواف ثم الإتمام.
 وعبارة الإمام (عليه السلام) في قوله يَقْطَعُ الطَّوَافَ قد تعني الأمر ولكن بما أنه من باب الأمر في مقام توهم الحضر فإنها لا تدل على الوجوب.
 توضيح ذلك:
 إذا احتملنا إن عملاً ممنوعاً ثم أمر الشارع بإتيانه فإن هذا لا يدل على النهي، فعلى سبيل المثال نقرأ في القرآن الكريم إنه لا ينبغي الصيد، أثناء الإحرام ثم من بعدها يعقب القرآن فيقول: وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا [6] ، فهذا الأمر بسبب القرينة العرفية ـ أي بعد توهم الحذر ـ فإنه بمعنى الإباحة.
 لا يمكننا نسري هذا الأمر في غير مقام الحضر خصوصاً إن مقدمة المستحب ليست بواجبة فإن الصلاة في أول الوقت مستحبة والنتيجة إن مقدمتها التي هي قطع الطواف لا يمكن أن تكون واجبة.
 عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنْ رَجُلٍ كَانَ فِي طَوَافِ النِّسَاءِ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ (صلاة الجماعة) قَالَ يُصَلِّي مَعَهُمُ الْفَرِيضَةَ فَإِذَا فَرَغَ بَنَى مِنْ حَيْثُ قَطَعَ [7] .
 يظهر من الرواية إن الإتمام يكون من حيث قطع الطواف سواء قبل النصف أو بعده.
 للبحث صلة.


[1] الجواهر، ج 19، ص 340.
[2] المستند، ج 12، ص 99.
[3] کشف اللثام، ج 5، ص 403.
[4] وسائل الشیعة، جلد 9، باب 41 من أبواب طواف حدیث 2.
[5] وسائل الشیعة، جلد 9، باب 43 من أبواب طواف حدیث 1.
[6] سورة المائدة، الآية: 2.
[7] وسائل الشیعة، جلد 9، باب 43 من أبواب طواف حدیث 2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo