< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/04/15

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: حكم كثير الشك أثناء الطواف
 البحث في المسألة 24، يقول السيد الماتن: كثير الشك في عدد الأشواط لا يعتني بشكه، و الأحوط استنابة شخص وثيق لحفظ الأشواط، و الظن في عدد الأشواط في حكم الشك.
 يقول السيد الماتن في البداية بأن كثير الشك لا يعتني بشكه، ولكن الاحوط استحباباً أن يستنيب شخصاً موثوقاً به ليحفظ له عدد الأشواط (المستنيب تارة يطوف وأخرى يطوف لحفظ أشواط المرافق له).
 وفي الفرع الثاني: يقول الظن في عدد الأشواط أي حال رجحان أحد الطواف في حكم الشك.
 لم تذكر هذه المسألة في أقوال العلماء إلاّ قليلاً في حين أن الأصحاب قد تعرضوا بشكل مفصل للمسألة هل الاعتماد على الآخر في عدد الأشواط؟ وهل يقبل قوله أو لا؟ ثم تعرضوا لها المسألة كثيراً في الحواشي في أنه هل يشترط أن يكون الآخر ثقة، وبالغاً، وهل يشترط أن يكون رجل أو يمكن استنابة امرأة، وهلم جراً. وسوف نبحث هذا الفرع بشكل مستقل، إن شاء الله.
 أما حكم كثير الشك:
 الأول: دلالة الروايات: الدليل في حكم الشك في الطواف هي الروايات الواردة في باب الصلاة.
 هذه الروايات عرضت بصراحة الشك في الصلاة ولكن ذكرت هذه الروايات تعليل بحيث يمكن بحسبه إلحاق الطواف بها، وكذلك غير الطواف مثل الوضوء والاعتكاف وأمور أخرى كذلك.
 مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ صَفْوَانَ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)‌ قَالَ إِذَا كَثُرَ عَلَيْكَ السَّهْوُ فَامْضِ عَلَى صَلَاتِكَ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَدَعَكَ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ [1] .
 ذيل الرواية في حكم التعليل وهو أن كثرة الشك من الشيطان ويجب ترك الشك ليتركك الشيطان، والشك في الطواف من الشيطان كذلك.
 إنّ عدم الاعتناء بالشك بمعنى البناء على شيء ما بحيث لا يضر بالعمل.
 عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ جَمِيعاً عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ وَ أَبِي بَصِيرٍ جَمِيعاً قَالَا قُلْنَا لَهُ الرَّجُلُ يَشُكُّ كَثِيراً فِي صَلَاتِهِ حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى وَ لَا مَا بَقِيَ عَلَيْهِ قَالَ يُعِيدُ قُلْنَا فَإِنَّهُ يَكْثُرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ كُلَّمَا أَعَادَ شَكَّ قَالَ يَمْضِي فِي شَكِّهِ ثُمَّ قَالَ لَا تُعَوِّدُوا الْخَبِيثَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ نَقْضَ الصَّلَاةِ فَتُطْمِعُوهُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ خَبِيثٌ مُعْتَادٌ لِمَا عُوِّدَ فَلْيَمْضِ أَحَدُكُمْ فِي الْوَهْمِ ... ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا يُرِيدُ الْخَبِيثُ أَنْ يُطَاعَ فَإِذَا عُصِيَ لَمْ يَعُدْ إِلَى أَحَدِكُمْ [2] .
 الرواية صحيحة، ومحمد بن إسماعيل في السند هو ابن بريع، وأما أبو بصير فغير محدد، ولكن بما أن بجانبه زرارة فلا يضر ذلك بالسند.
 يسأل الراوي الإمام (عليه السلام) من البداية عن رجل كثير الشك، ولكن يظهر إن الإمام (عليه السلام) لم يأخذ هذا القيد بالحسبان، فيؤكد الراوي عليه بأن الرجل كثير الشك فيجيب الإمام عليه السلام) بأن لا يعتني بشكه.
 وذيل الرواية يسري في مورد الشك في الطواف كذلك.
 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ‌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ رَجُلٍ صَالِحٍ (عليه السلام) قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَشُكُّ فَلَا يَدْرِي وَاحِدَةً صَلَّى أَوِ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثاً أَوْ أَرْبَعاً تَلْتَبِسُ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ قَالَ كُلُّ ذَا، قَالَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَلْيَمْضِ فِي صَلَاتِهِ وَ يَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ عَنْهُ [3] .
 والرواية ضعيفة بابن أبي حمزة، وذيلها الرواية مثل الرواية السابقة.
 الدليل الثاني:
 التمسك بقاعدة العسر والحرج.
 إذا أراد شخص أن يعيد الطواف كلما شك وهو كثير الشك فإنه سيقع بالعسر والحرج وفي المحصلة وعلى أساس القاعدة المذكورة لا يجب أن يعتني بشكه.
 وهنا يجب أن نذكر مسألتين:
 الأولى: هل كثرة الشك هي من أثار الوسوسة الشيطانية أعني الشيطان يريد بإلقاء الشك أن يمل من الشاك العبادة، فينتزع منه روحها؟
 أو أن السبب في كثرة الشك سببها انشغال الذهن بعمل ما، فبسببه لا فلا يلتفت إلى الصلاته، وعلى هذا يصح التعبير المذكور في الروايات كنائياً؟
  على أي حال لا يمكن إنكار أن بعض المسائل الدنيوية مثل الهم والحزن وأمور أخرى توجب تشتت فكر الإنسان والشك في الصلاته، ولكن بما إن الشيطان له علاقة بأغلب هذه الأمور فأشير لذلك.
 الثاني: إذا كان الإنسان كثير الشك وقد اعتنى بشكه فهل تبطل صلاته أو لا؟
 مثلاً: إذا كان شخص يصلي وشك في قسم من السورة فكررها مرتين أو ثلاثة، طبعاً بحيث لا يصل إلى حد الوسوسة فهل تصح صلاته؟
 ورد في الروايات التي ذكرناها إن عليه أن يترك الشك ليتركه الشيطان. وهذا أمر وهو يدل على الوجوب، ولكن يمكن أن يكون هذا الأمر المذكور في مورد توهم الحذر، يعني إنسان يعتقد بأن عليه إن يعتني بشكه والإمام (عليه السلام) يقول: لا يجب الاعتناء يعني تعتقد بأنه يجب الاعتناء بالشك، والحال إنه لا يجب وعلى هذا لا يمكن أن يستفاد إن الإنسان إذا عمل بشكه فصلاته باطلة.
 نعم إذا وصل الشخص إلى درجة الوسوسة فلا يجب الاعتناء بالوسوسة للقبح العقلي، وذم الناس له.
 أما لو أطال شخص قليلاً في الوضوء فهذا لا علاقة له بكثرة الشك وليس له قبحاً عقلياً.
 يضاف إلى ذلك فإن العمل بالوسوسة يؤدي إلى تغيير صورة الصلاة.
 أما عن أن الظن في الطواف ملحق بالشك.
 الشك دائماً في مقابل اليقين يعني أن الظن والوهم في حكم الشك، لأن الشك واليقين قد وردا في الروايات في مقابل بعضهم، في مواضع مختلفة من روايات الاستصحاب فهي تقول: لا تنقض اليقين بالشك بل نقيضه بيقين آخر. في ما نحن فيه هناك روايات ذكرت الشك في مقابل اليقين يعني إذا لم يكن في حالة اليقين فهو في حالة الشك.
 مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ لَا يَدْرِي سِتَّةً طَافَ أَوْ سَبْعَةً قَالَ يَبْنِي عَلَى يَقِينِهِ [4] .
 الرواية صحيحة وقد ذكر اليقين في مقابل الشك الذي عرض على السائل.
 مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ‌ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ طَافَ فَأَوْهَمَ قَالَ طُفْتُ أَرْبَعَةً أَوْ طُفْتُ ثَلَاثَةً فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) أَيَّ الطَّوَافَيْنِ كَانَ طَوَافَ نَافِلَةٍ أَمْ طَوَافَ فَرِيضَةٍ قَالَ إِنْ كَانَ طَوَافَ فَرِيضَةٍ فَلْيُلْقِ مَا فِي يَدَيْهِ وَ لْيَسْتَأْنِفْ وَ إِنْ كَانَ طَوَافَ نَافِلَةٍ فَاسْتَيْقَنَ ثَلَاثَةً وَ هُوَ فِي شَكٍّ مِنَ الرَّابِعِ أَنَّهُ طَافَ فَلْيَبْنِ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ [5] .
 الرواية صحيحة، والوهم بمعنى الاحتمال المرجوح، والظن بمعنى الاحتمال الراجح، والشك بمعنى تساوي الطرفين، وهذا شيء موجود في عرف العلماء، ولكن الناس العاديين. يعرفون الجميع من باب الشك، والوهم في سؤال الراوي هو الشك.
 والشاهد في كلام الإمام (عليه السلام) قوله فَاسْتَيْقَنَ ثَلَاثَةً وَ هُوَ فِي شَكٍّ مِنَ الرَّابِعِ، فإن الشك واليقين قد جعلا في مقابل بعضهما.
 عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مَرَّارٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ قُلْتُ لَهُ رَجُلٌ طَافَ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الْفَرِيضَةِ فَلَمْ يَدْرِ سِتَّةً طَافَ أَمْ سَبْعَةً أَمْ ثَمَانِيَةً قَالَ يُعِيدُ طَوَافَهُ حَتَّى يَحْفَظَ الْحَدِيثَ [6] .
 في الرواية إشكال سندي.
 ورد في الرواية عبارة (لم يدر) يعني لا يعلم وليس لديه يقين، وهذه العبارة تشمل صورة الظن الشك والوهم، والإمام (عليه السلام) يقول في الجواب (حتى يحفظ) يعني حتى يتيقن عدد الأشواط.
 المسألة التي يجب أن نذكرها هي أن لفظ الظن قد ورد كثيراً في القرآن الكريم، أغلب هذه الاستعمالات من باب التوهمات التي لا أساس لها، مثلاً تقرأ: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَ إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْني‌ مِنَ الْحَقِّ شَيْئا [7] . والظن في هذه الآية جاء بعد الكلام عن أشياء مثل تقليد الآباء، أو الاعتقاد أن الأصنام تقرب إلى الله زلفا.
 إلاّ أن هناك مورد جاء في القرآن، ويتعلق بالاحتمال الأكثر من الخمسين بالمئة، وهو في موضوع النبي داود (عليه السلام) يقول الله عزوجل: وَ ظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ [8] ، وأنما فتناه أي أردنا اختباره.
 وكذلك جاء في بعض المواضع من القرآن الكريم الظن بمعنى اليقين كما في قوله تعالى: أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ [9] . لأنه لا معنى للشك في يوم القيامة.


[1] وسائل الشیعة، ج 5، باب 16 من أبواب الخلل فی الصلاة، حدیث 1.
[2] وسائل الشیعة، ج 5، باب 16 من أبواب الخلل فی الصلاة، حدیث 2.
[3] وسائل الشیعة، ج 5، باب 16 من أبواب الخلل فی الصلاة، حدیث 4.
[4] وسائل الشيعة، ج 9، باب 33 من أبواب الطواف حدیث 5.
[5] وسائل الشيعة، ج 9، باب 33 من أبواب الطواف حدیث 7.
[6] وسائل الشيعة، ج 9، باب 33 من أبواب الطواف حدیث 11.
[7] سورة النجم، الآية: 28.
[8] سورة ص، الآية: 24.
[9] سورة المطففين، الآية: 4.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo