< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/04/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 محاضرة أخلاقية
 في حديث عن الإمام الهادي (عليه السلام): أَنَّهُ قَالَ لِبَعْضِ مَوَالِيهِ عَاتِبْ فُلَاناً وَ قُلْ لَهُ إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْراً إِذَا عُوتِبَ قَبِلَ [1] .
 والعتاب هنا لسبب عمل عمله هذا الشخص ولكن ليس واضحاً لدينا ما هو هذا العمل.
 الفكرة الأساسية في هذا الحديث إن الإنسان لا يجب أن يكون مصراً على أخطأئه، إذا ذكره أحد أو عاتبه وكان الحق معه، فعليه أن يقبل منه، ولا يجب أن يتذرع بالأعذار، ولا بتوجيه الأخطاء، ولا الإصرار، فإن هذا العمل سيؤدي إلى تكرار الأخطاء.
 من الابتلاءات المهمة في الحياة وفي كل طبقات الناس خصوصاً وسط العائلات هي العناد الذي يمنع قبول الحقيقة.
 نحن نرى من بداية الخلقة عندما أخطأ آدم وحواء وذكرهم الله وسألهم: لماذا سمعتم قول إبليس، فأجابا: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرينَ [2] .
 ـ ومن المناسب أن نكرر هذا الدعاء في قنوت الصلاة ـ، ومن بعدها قبل الله تبوتهما، وتعلم آدم (عليه السلام) كيف يتوسل بأسماء المعصومين (عليهم السلام) أو بالخمسة أصحاب الكساء وبذلك تاب ونجا.
 وعكس هذا الأمر نجده في إبليس فعناده أدى إلى إن لا يسجد لآدم، وبسبب عناده نظر إلى طين آدم وقال: أنا من نار وهو من طين.
 وبسبب هذه الخصلة لم يرى الجنبة الأخرى من آدم وهي عبارة: فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فيهِ مِنْ رُوحي‌ فَقَعُوا لَهُ ساجِدينَ [3] .
 وبعدها وبدل أن يتوب قال: أَنْظِرْني‌ إِلى‌ يَوْمِ يُبْعَثُونَ [4] ، وقرر أن يكون شريكاً للبشر في ذنوبهم إلى يوم القيامة.
 * * *
 البحث الفقهي: نقاط عن كثير الشك والوسواسي
 البحث في المسألة 24 من مسائل الطواف، وبقيت نقاط في ذيل هذه المسألة.
 المسألة الأولى: ما الفرق بين كثير الشك والوسواسي؟ حيث أدى ذلك إلى اختلاف الحكم بينهما.
 أما كثير الشك فهي حالة تعرض على كثيرين، وهذه حالة ليست غير منطقية وغير عقلية، مثلاً قد ينشغل الإنسان بموت عزيز له، أو ينشغل بالابتلاءات الناتجة عن الطبيعة مثل الزلازل وأمثالها، فيصلي بدون حضور قلب أحياناً، وقد ينسى عدد ركعات الصلاة، وفي بعض الأوقات يؤدي الوسواس الشيطاني إلى تشتت الفكر في الصلاة، يريد الشيطان أن يفتر الإنسان عن العبادة، وبما أنه لا يستطيع أن يجعل العبد يترك العبادة، فإنه يسعى لكي يذهب منه روح العبادة، لذلك أشارت الكثير من الروايات على إنه لا يجب الاعتناء بالشك لكي يتركه الشيطان ولا يتعود على هذا.
 أما الوسواسي، لغة فهو في الأصل من الوسوسة، والوسوسة بمعنى صوت الحلي أي أصوات أدوات الزينة، وحلي المرأة عندما تضرب ببعضها فيخرج صوتاً، ومن هنا جاء المضمون الفاعلي، لذلك نقرأ في الآية الكريمة: مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاس [5] .
 ومن هنا فإن الوسواس ليس حالة بل صاحب هذه الحالة، وهو اسم من أسماء الشيطان.
 على أي حال فإن الوسوسة بمعنى صوت الحلي الذي يصدر صوت الوسوسة، والتي تلفت الإنسان فينجذب إليها ثم استخدمت في كل مورد يجذب بشكل خفي ولذلك سمي الشيطان بالوسواس.
 من ناحية الوجود الخارجي للوسواسي ركنان:
 الركن الأول: لا يحصل له اليقين بسهولة وخصوصاً في الأشياء التي يحصل للناس اليقين بها بشكل طبيعي.
 مثلاً: الناس بشكل طبيعي، يغتسلون ويتوضأون ويحصل لهم اليقين بعد الانتهاء من عملهم.
 الركن الآخر: إن الوسواسي يشك لأدنى دليل مثلاً إذا وصل الغبار إلى بدنه فيبني على نجاسة الأرض ونجاسة بدنه، فالشك في هذا الأمر قد يتحول إلى اليقين.
 هذان الركنان يأتيان للإنسان من خلال الانحراف الفكري، وهو حالة مرضية، ولكن كثرة الشك ليست حالة خلاف الطبيعية لأن كل من يتعرض للمشاكل والابتلاء يفقد تركيزه.
 أما الوسواسي لحالته عوامل مختلفة، تارة بسبب ضعف المزاج، أي ضعف بدن الإنسان، بحيث ولا يستطيع التفكير بشكل صحيح، وتارة بسبب اشتداد الوسوسة الشيطانية التي تؤدي إلى أن يترك المكلف عمله.
 أما علاج هذه الحالة:
 فهو أن يزيل جهله بهذه المسائل، نحن نقول للوسواسيين أولاً، لا يجب اليقين بأداء عملكم، بل عليكم أن تسلكوا سلوك الناس، حتى ولو اعتقدتم إن عملكم باطل.
 ثانياً: إن يعلموا أنه لا أهمية لشكهم، وإذا شك الوسواسي أن بدنه قد تنجس أو لا؟ فلا يعتني بشكه.
 حتى إذا عمل هذا الشخص على خلاف هذا الأمر، فهو مذنب، وموجب للعذاب يوم القيامة.
 الوسواسي كي لا يبتلى بالعذاب الإلهي أبتلي بالوسواس، ولهؤلاء يجب أن نقول: إن إتباع الوسوسة يوجب العذاب الإلهي.
 هناك مسألة أخرى وقد سأل عنها البعض وهي أننا قلنا أن الظن في بعض الآيات بمعنى اليقين مثل عندما يقول الله (عزوجل) في سورة المطففين في خصوص المطففين: أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ [6] .
 وقد أشكل على هذا بأن الظن في هذا المورد قد يكون بمعنى الظن لا اليقين، فالآية تعني حتى الظن بيوم القيامة يمكن أن يكون عاملاً للخوف، وهل هؤلاء المطففين ليس لديهم ظن بذلك؟
 مثل: إذا ما ظننا أن هذه المادة فيها سم أفلا نجتنبها.
 نجيب: إذا أمكنا القول أن الظن في هذه الآية بمعنى الظن لا اليقين، ولكن في الآيات الأخرى أتت بمعنى اليقين نقرأ مثلاً في سورة التوبة: وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَ ضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَ ظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحيم‌ [7] .
 والآية في صدد الحديث عن الثلاثة الذين تخلفوا عن معركة تبوك، ولم يشاركوا فيها وبأمر من الرسول (صلى الله عليه وآله) طردوا من قبل الناس عامة، حتى من قبل عوائلهم، ثم تيقن هؤلاء بأن الأرض قد ضاقت عليهم رغم وسعها، وفي النهاية تابوا وقبل الله توبتهم.
 وآية أخرى في خصوص الجن الذين سمعوا آيات الله، ومن بعدها ذهبوا إلى قومهم لإرشادهم فقالوا: وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَ لَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً [8] .
 وهذا يعني أنهم قالوا: إننا تيقنا أنه لا يمكن أن نغلب الله أبداً.
 للبحث صلة.


[1] تحف العقول، ص 360.
[2] سورة الأعراف، الآية: 23.
[3] سورة الحجر، الآية: 29.
[4] سورة الأعراف، الآية: 14.
[5] سورة الناس، الآية: 4.
[6] سورة المطففین، الآية: 4.
[7] سورة التوبة، الآية: 118.
[8] سورة الجن، الآية: 12.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo