< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/05/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 المحاضرة الأخلاقية
 في حديث يذكر فيه الإمام الهادي (عليه السلام) ستة مسائل حيث يقول: مَنْ رَضِيَ عَنْ نَفْسِهِ كَثُرَ السَّاخِطُونَ عَلَيْهِ الْغِنَى قِلَّةُ تَمَنِّيكَ وَ الرِّضَا بِمَا يَكْفِيكَ وَ الْفَقْرُ شِرَّةُ النَّفْسِ وَ شِدَّةُ الْقُنُوطِ وَ الرَّاكِبُ الْحَرُونِ أَسِيرُ نَفْسِهِ وَ الْجَاهِلُ أَسِيرُ لِسَانِهِ النَّاسُ فِي الدُّنْيَا بِالْأَمْوَالِ وَ فِي الْآخِرَةِ بِالْأَعْمَالِ [1] .
 في المحاضرة الأخلاقية السابقة شرحنا الفقرات الثلاثة الأولى، وفي هذه المحاضرة نشرح الفقرات الثلاثة الأخيرة.
 يقول الإمام (عليه السلام) في الفقرة الرابعة: الرَّاكِبُ الْحَرُونِ أَسِيرُ نَفْسِهِ أي الراكب العجول أسير هوى نفسه.
 عندما تستخدم كلمة (أسير) يخطر في الذهن ذلك الشخص الذي حبس بحق أو بغير حق، تارة تغل يديه ورجليه بالأصفاد فيصبح مغلولاً ولكن يسمح له الاختلاط والتحدث مع الناس والمجتمع، فهو بهذه الحالة أسير ولكن ظاهره يتمتع بالحرية، ولكنه أسوء حالاً من الأسرى، يقول النبي يوسف (عليه السلام): قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَني‌ إِلَيْهِ وَ إِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَ أَكُنْ مِنَ الْجاهِلينَ [2] .
 فهو يخاطب الله (عزوجل) في هذه الآية فيقول له: إن النساء تريد مني أن أكون أسير الهوى، وأنا من أجل خلاصي منهن حاضر لأسجن وأعرض جسمي للحبس حتى لا تبتلي روحي بهوى النفس.
 وهذا يدل على إن سجن هوى النفس أسوء، والناس تارة تكون أسيرة اللسان ولا يستطيعون أن يضبطون ألسنتهم كما تذكر الفقرة التالية، وتارة أسيرة الأموال وتارة أسيرة أشياء أخرى.
 نقرأ في دعاء كميل: قوِ على خدمتك جوارحي وأشدد على العزيمة جوانحي، أي يا رب أعطني قوة الجسم يصاحبها قوة العزيمة والإرادة حتى لا أكون أسير هوى النفس، وحتى أبقى في ظل طاعتك وعبادتك.
 ثم نقرأ في الفقرة التالية من دعاء كميل كالنتيجة للفقرة السابقة: وهب لي الجد في خشيتك والدوام في الاتصال بخدمتك.
 ثم يقول (عليه السلام) في الفقرة الخامسة وَ الْجَاهِلُ أَسِيرُ لِسَانِهِ.
 وفي الفقرة السادسة يقول (عليه السلام) النَّاسُ فِي الدُّنْيَا بِالْأَمْوَالِ وَ فِي الْآخِرَةِ بِالْأَعْمَالِ. أي مكانة الناس في الدنيا عادة بأموالهم، ولكن في الآخرة بأعمالهم.
 بنظر الناس تبرز شخصية الإنسان في الدنيا بالأموال والثروة، ولكن في الآخرة فإن أموال الدنيا وثروتها لا قيمة لها، يوم القيامة هو يوم فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ [3] . وقد جاء في تفسير (ذرة) معانٍ متعددة، فالبعض ذهب إلى أنها تعني الغبار المعلق في الهواء، وعلى أي كان التفسير، فإن الإنسان سوف يرى أثر عمله يوم القيامة.
 * * *
 عنوان البحث الفقهي: حكم الفورية في صلاة الطواف
 أوضح السيد الماتن في المسألة الأولى من مسائل صلاة الطواف في عدة فروع، وقد بحثنا الفرع الأول وهو في أصل وجوب صلاة الطواف.
 والفرع الثاني في فورية صلاة الطواف، والبحث يتناول انه في حالة عدم المانع فهل تجب الصلاة فوراً بعد الطواف، أو يمكن تأخير الصلاة كتأخيرها لليوم التالي.
 المشهور والمعروف عند الفقهاء هو الفورية، وقد أقاموا لذلك دليلين:
 الدليل الأول: دلالة الأمر على الفورية.
 نحن نرى أنه كل أمر له ظهور في الفورية، مثلاً: إذا أراد شخص أن يرسل شخصاً فوراً فيضع يده على ظهر ذلك الشخص ويقول له: تفضل أدخل بمعنى أمتثل الأمر الآن، وإذا كان الحكم في البعث العملي والخارجي كذلك، فإن الكلام نفسه يأتي في البحث الإنشائي، لأن البحث الإنشائي مكان البحث الخارجي.
 في هذا السياق فإن ظهور الهيئة وظهور البحث هو في الفورية، فإن ظهور البحث هو أن يمتثل الأمر الآن، لذا حتى وإن لم نلحظ الروايات في هذا الباب، فإنه قد ثبت في علم الأصول إن الأمر يدل على الفورية.
 الدليل الثاني: الروايات.
 وردت هذه الروايات في الباب 76 من أبواب الطواف والذي يحتوي على أربع أحاديث جميعها صحيحة.
 مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ حَرِيزٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنْ رَجُلٍ طَافَ طَوَافَ الْفَرِيضَةِ وَ فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ السَّاعَةَ الرَّكْعَتَانِ فَلْيُصَلِّهِمَا قَبْلَ الْمَغْرِبِ [4] .
 لأن الراوي قد أنهى طوافه عند الغروب، لذلك يسأل الإمام (عليه السلام): هل يجب أن يصلي صلاة الطواف بسرعة؟ أو يمكن أن يؤخرها بعد صلاة المغرب، والإمام (عليه السلام) يجيبه بوجوب الفورية في أداء صلاة الطواف.
 من هذه الرواية يعرف إن معيار صلاة المغرب هو غروب الشمس، وهناك بحث هل وقت صلاة المغرب ذهاب الحمرة المشرقية أو غياب القرص، وعلى رأينا يكفي غياب القرص.
 عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) إِذَا فَرَغْتَ مِنْ طَوَافِكَ فَائْتِ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ إِلَى أَنْ قَالَ وَ هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ هُمَا الْفَرِيضَةُ لَيْسَ يُكْرَهُ لَكَ أَنْ تُصَلِّيَهُمَا فِي أَيِّ السَّاعَاتِ شِئْتَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ عِنْدَ غُرُوبِهَا وَ لَا تُؤَخِّرَهَا سَاعَةَ تَطُوفُ وَ تَفْرُغُ فَصَلِّهِمَا [5] .
 في ذيل الرواية يقول الإمام (عليه السلام) بأن الركعتين واجبتين، وليس مكروهاً أداؤها في أي وقت، لأن الصلاة المستحبة مكروهة في خمس حالات حيث يذكر الإمام (عليه السلام) إن هذه الكراهة لا تخص صلاة الطواف.
 مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ رَكْعَتَيْ طَوَافِ الْفَرِيضَةِ قَالَ لَا تُؤَخِّرْهَا سَاعَةً إِذَا طُفْتَ فَصَلّ [6] ِ.
 لا تعني (الساعة) في اللغة العربية الستون دقيقة دائماً، وقد تأتي الساعة بمعنى برهة من الوقت.
 حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ‌ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنْ رَكْعَتَيْ طَوَافِ الْفَرِيضَةِ فَقَالَ وَقْتُهُمَا إِذَا فَرَغْتَ مِنْ طَوَافِكَ وَ أَكْرَهُهُ عِنْدَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ وَ عِنْدَ طُلُوعِهَا [7] .
 يمكن أن تكون هذه الرواية نفس الرواية الأولى لأن الراوي المضمون واحد والإمام نفس الإمام.
 لم يسأل الراوي في هذه الرواية هل تجب صلاة الطواف بعد الطواف أو لا؟ فأجابه الإمام (عليه السلام) بوجوب الصلاة بعد الطواف، لأن شأن محمد بن مسلم أرقى من أن يسأل مثل هذا السؤال البسيط، وإنما السؤال كان عن فورية صلاة الطواف بعد الطواف.
 طبعاً يمكن أن يكون السؤال هو هل يمكن أداء صلاة الطواف في الأوقات المكروهة أو يفضل أداؤها بعد هذه الأوقات؟
 فأجاب الإمام (عليه السلام) بوجوب الفورية، ما عدا موردين حيث يكره أداؤها فيهما وسوف نبحث ذلك لاحقاً.
 وهناك مجموعتان من الروايات وهي متضافرة في الباب 76، إحدى المجموعتين تدل على عدم وجوب الاعتناء بالأوقات المكروهة وأنه يجب أداء صلاة الطواف فوراً في أي وقت، ومجموعة أخرى من الروايات تدل على أفضلية الاعتناء بالأوقات المكروهة.
 وسوف نشير إلى طريقة جمع هذه الروايات إن شاء الله.


[1] بحار الأنوار، ج 75، ص 368.
[2] سورة یوسف، الآية: 33.
[3] سورة الزلزلة، الآية: 7.
[4] وسائل الشیعة، ج 9، باب 76 من أبواب الطواف، حدیث 1.
[5] وسائل الشیعة، ج 9، باب 76 من أبواب الطواف، حدیث 3.
[6] وسائل الشیعة، ج 9، باب 76 من أبواب الطواف، حدیث 5.
[7] وسائل الشیعة، ج 9، باب 76 من أبواب الطواف، حدیث 1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo