< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/05/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: فورية صلاة الطواف
 البحث في المسألة الأولى من مسائل صلاة الطواف، ووصلنا إلى الفرع الثاني الذي يتعلق بفورية صلاة الطواف، وقد ذكرنا الروايات الواردة في هذا الباب.
 بقي هنا أمران:
 الأمر الأول: قد يقال: إن الروايات الواردة في فورية صلاة الطواف هي من باب الأمر عقيب توهم الحظر، يعني إن الراوي عندما أنهى طوافه في وقت صلاة المغرب اعتقد أنه يجب عليه أولاً أن يصلي صلاة المغرب، والإمام (عليه السلام) أزال عنه هذا الوهم وقال له: عليك أولاً أن تصلي صلاة الطواف، وفي المحصلة إن هناك من اعتقد بعدم جواز صلاة الطواف في مثل هذه الأوقات والأوقات المشابهة فأراد الإمام (عليه السلام) أن يزيل هذا التوهم. ومثل هذه الأوامر عقيب توهم الحذر لا تدل على الوجوب مثل قوله تعالى: وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا [1] ، وهذه الآية لا تعني وجوب الصيد، وإنما تعني جواز الصيد بعد أن كان ممنوعاً بسبب الإحرام، وهذا هو الأمر عقيب توهم الحظر.
 لذا فإن ما نحن فيه هو إن أصل صلاة الطواف واجب، ولكن لا وجوب للفورية.
 وعلى سبيل المثال نشير إلى عدد من الروايات:
 مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ حَرِيزٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنْ رَجُلٍ طَافَ طَوَافَ الْفَرِيضَةِ وَ فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ السَّاعَةَ الرَّكْعَتَانِ فَلْيُصَلِّهِمَا قَبْلَ الْمَغْرِبِ [2] .
 الرواية صحيحة، وفي هذه الرواية هناك اعتقاد إن الصلاة عند غروب الشمس مكروهة، ولكن الإمام (عليه السلام) أزال هذا التوهم.
 والروايات من هذا القبيل متعددة، إلاّ ان هناك رواية ليست في مقام توهم الحظر.
 مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ رَكْعَتَيْ طَوَافِ الْفَرِيضَةِ قَالَ لَا تُؤَخِّرْهَا سَاعَةً إِذَا طُفْتَ فَصَلِّ [3] .
 إذا سلمنا إن هذه الروايات لا تدل على الفورية، وأن جميعها أوامر عند توهم الحظر، ولكن يمكن أن نستفيد وجوب الفورية من الروايات الواردة في باب أصل وجوب صلاة الطواف، لأن الأمر يدل على الفورية إلاّ ما خرج بالدليل.
 الأمر الثاني: تقسم الروايات في هذا الباب إلى مجموعتين متفاوتتين، جملة من هذه الروايات تذكر عدم وجوب الاعتناء بالأوقات المكروهة، وبأي وقت يجب أداء صلاة الطواف فوراً، وجملة أخرى من الروايات تذكر وجوب الاعتناء بالأوقات المكروهة وبالتالي يمكن تأخير صلاة الطواف، وبين هاتين الطائفتين من الروايات تعارض.
 نقول: في ما يخص النوافل المبتدئة أي النوافل التي يبتدئ بها (غير النوافل اليومية) كما لو صلى الشخص ركعتين لأجل الأجر والثواب، فقد ذكرت الروايات الإسلامية خمسة أوقات تكره فيها الصلاة وهذه الأوقات هي:
 1ـ بعد صلاة العصر حتى غروب الشمس.
 2ـ وقت غروب الشمس.
 3ـ بعد صلاة الصبح.
 4ـ عند شروق الشمس.
 5ـ إذا ثبتت الشمس وسط السماء.
 قد تكون فلسفة هنا هي النهي لعدم التشبه بعباد الشمس، وعلى كل حال فإن هذه الروايات لا تدل على الحرمة وإنما تدل على نقصان الثواب.
 (طبعاً لدى صاحب العروة إشكال في كراهة النوافل في هذه الأوقات الخمسة، ولكن نحن مثل كثير من الفقهاء أخذنا بهذه الروايات، وأهل السنة يقولون بالكراهة وإن بشكل متفاوت حتى أنهم أشد من الشيعة في هذا الأمر، فهم لا يجوزون حتى صلاة القضاء التي هي واجبة في هذه الأوقات).
 والبحث هنا عن استثناء صلاة الطواف من الأوقات المكروهة والاستثناء هنا هو في فوريتها في هذه الأوقات الخمسة.
 نؤكد مرة أخرى أن البحث ليس في الكراهة وعدم الكراهة، ولكن البحث في فورية الصلاة وعدم فوريتها، لأنه إذا قلنا بالكراهة وجوزنا التأخير، فهذا يعني عدم وجوب الفورية في هذه الأوقات.
 ونشير إلى مثال من كلا مجموعتي الروايات ثم نتطرق إلى كيفية الجمع بينها.
 من تلك الروايات صحيحة محمد بن مسلم التي يذكر فيها الإمام (عليه السلام) إن عليه أن يصلي صلاة الطواف وقت الغروب فوراً.
 ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ رِفَاعَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَطُوفُ الطَّوَافَ الْوَاجِبَ بَعْدَ الْعَصْرِ أَيُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ طَوَافِهِ فَقَالَ نَعَمْ أَمَا بَلَغَكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا تَمْنَعُوا النَّاسَ مِنَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَتَمْنَعُوهُمْ مِنَ الطَّوَافِ [4] .
 يعتبر وقت العصر من الأوقات الخمسة التي تكره فيها الصلاة، ولكن الإمام (عليه السلام) أمر بعدم تأخير صلاة الطواف في هذا الوقت، وأدائها فوراً.
 عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) إِذَا فَرَغْتَ مِنْ طَوَافِكَ فَائْتِ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ إِلَى أَنْ قَالَ وَ هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ هُمَا الْفَرِيضَةُ لَيْسَ يُكْرَهُ لَكَ أَنْ تُصَلِّيَهُمَا فِي أَيِّ السَّاعَاتِ شِئْتَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ عِنْدَ غُرُوبِهَا وَ لَا تُؤَخِّرَهَا سَاعَةَ تَطُوفُ وَ تَفْرُغُ فَصَلِّهِمَا [5] .
 يمكن الاستفادة من هذا الحديث في مقام الجمع بين الروايات.
 أَبِي عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (عليه السلام) قَالَ مَا رَأَيْتُ النَّاسَ (أهل السنّة) أَخَذُوا عَنِ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ (عليهما السلام) إِلَّا الصَّلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ وَ بَعْدَ الْغَدَاةِ فِي طَوَافِ الْفَرِيضَةِ [6] .
 الرواية معتبرة، وهي تذكر إن أهل السنة لم يأخذوا شيئاً من الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) إلاّ صلاة الطواف بعد العصر وبعد الصبح.
 والرواية الأخرى هي الحديث الخامس من هذا الباب وهي:
 أَبِي الْفَضْلِ الثَّقَفِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ مُيَسِّرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ صَلِّ رَكْعَتَيْ طَوَافِ الْفَرِيضَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ كَانَ أَوْ بَعْدَ الْعَصْرِ [7] .
 قَالَ وَ رُوِيَ عَنْهُمْ (عليهم السلام) أَنَّهُمْ قَالُوا خَمْسُ صَلَوَاتٍ تُصَلِّيهِنَّ عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْهَا رَكْعَتَا الطَّوَافِ [8] .
 والرواية مرسلة الشيخ الطوسي.
 حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ‌ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنْ رَكْعَتَيْ طَوَافِ الْفَرِيضَةِ فَقَالَ وَقْتُهُمَا إِذَا فَرَغْتَ مِنْ طَوَافِكَ وَ أَكْرَهُهُ عِنْدَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ وَ عِنْدَ طُلُوعِهَا [9] .
 الرواية صحيحة، ونجد إن من كلا طائفتي الروايات المتعارضة، روايات صحيحة.
 صَفْوَانَ عَنْ عَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سُئِلَ أَحَدُهُمَا (عليهم السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَدْخُلُ مَكَّةَ بَعْدَ الْغَدَاةِ أَوْ بَعْدَ الْعَصْرِ قَالَ يَطُوفُ وَ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ عِنْدَ احْمِرَارِهَا [10] .
 الرواية صحيحة سنداً.
 عَبَّاسٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الطَّوَافِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَالَ طُفْ طَوَافاً وَ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَ إِنْ طُفْتَ طَوَافاً آخَرَ فَصَلِّ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَ سَأَلْتُهُ عَنِ الطَّوَافِ بَعْدَ الْفَجْرِ فَقَالَ طُفْ حَتَّى إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَارْكَعِ الرَّكَعَاتِ [11] .
 يضاف على هذه الطائفة من الأحاديث، أحاديث رقم 10، 11، 12 من نفس الباب.


[1] سورة المائدة، الآية: 2.
[2] وسائل الشیعة، ج 9، باب 76 من الأبواب الطواف، حدیث 1.
[3] وسائل الشیعة، ج 9، باب 76 من الأبواب الطواف، حدیث 3.
[4] وسائل الشیعة، ج 9، باب 76 من الأبواب الطواف، حدیث 2.
[5] وسائل الشیعة، ج 9، باب 76 من الأبواب الطواف، حدیث 3.
[6] وسائل الشیعة، ج 9، باب 76 من الأبواب الطواف، حدیث 4.
[7] وسائل الشیعة، ج 9، باب 76 من الأبواب الطواف، حدیث 6.
[8] وسائل الشیعة، ج 9، باب 76 من الأبواب الطواف، حدیث 13.
[9] وسائل الشیعة، ج 9، باب 76 من الأبواب الطواف، حدیث 7.
[10] وسائل الشیعة، ج 9، باب 76 من الأبواب الطواف، حدیث 8.
[11] وسائل الشیعة، ج 9، باب 76 من الأبواب الطواف، حدیث 9.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo