< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/05/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 موضوع البحث: مكان صلاة الطواف
 البحث في المسألة الثالثة من مسائل صلاة الطواف، والمسألة تضم أربعة فروع، والفرع الأول في موضوع مكان صلاة الطواف، وهل يجب أن يكون خلف المقام؟ أو يمكن أداؤها عند طرفي المقام كذلك؟ وهناك روايات لكلا الاحتمالين فقد عبرت بعض الروايات بـ (خلف المقام) والبعض الآخر بـ (عند المقام)، وقد عرضنا عدد من الروايات من الطائفتين سابقاً.
 ونستعرض الآن الطائفة الثالثة التي عبرت بـ (إلى مقام إبراهيم) وأمثال ذلك والتي معناها نفس معنى (عند المقام).
 مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) إِذَا فَرَغْتَ مِنْ طَوَافِكَ فَائْتِ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ [1] .
 الرواية صحيحة سنداً.
 مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا (عليهم السلام) قَالَ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ طَافَ طَوَافَ الْفَرِيضَةِ وَ لَمْ يُصَلِّ الرَّكْعَتَيْنِ حَتَّى طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ ثُمَّ طَافَ طَوَافَ النِّسَاءِ وَ لَمْ يُصَلِّ لِذَلِكَ الطَّوَافِ حَتَّى ذَكَرَ وَ هُوَ بِالْأَبْطَحِ قَالَ يَرْجِعُ إِلَى الْمَقَامِ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ [2] .
 الرواية صحيحة سنداً.
 مسألة: الذي يطوف طواف النساء، وينسي صلاة الطواف، ثم يعود إلى بلده، فبرأينا لا تحرم عليه زوجته، فالمحلل هو طواف النساء، وصلاة الطواف هو واجب آخر زيادة على الطواف، وليس بشرطٍ تحليلي. (وإن لم يرتضى صاحب الجواهر بهذا الرأي)، وبرأينا حتى لو لم يصل صلاة الطواف عمداً فلا تحرم عليه النساء.
 على كل الحال فالذي ينسى صلاة الطواف يمكنه أن يصليها في بلده.
 أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَّالِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (عليه السلام) عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ طَوَافِ الْفَرِيضَةِ فَلَمْ يَذْكُرْ حَتَّى أَتَى مِنًى قَالَ يَرْجِعُ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَيُصَلِّيهِمَا [3] .
 وفي المحصلة فإن أكثر الروايات ورد فيها لفظ (عند) والروايات التي عبرت بـ (خلف) فهي أما من باب الفضيلة أو من باب بيان المصداق أو من باب المجاز مع القرينة بحيث تعني (عند)، وتعتبر الآية الكريمة: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهيمَ مُصَلًّى [4] .
 قرينة أخرى على إن المقصود ليس هو خصوص الخلف.
 ومن البعيد أن تكون روايات الـ (عند) وأمثالها، مع كثرتها أن لا يكون الإمام (عليه السلام) في مقام البيان، ومع ذلك فإن من المناسب أكثر في هذا الشأن القول بالاحتياط.
 وهاهنا مسألة مهمة: وهي إن في السابق كان في أطراف المقام، بناءً صغيراً، كان موجوداً في عصر المحقق وعصر صاحب الرياض وحتى كان موجوداً في عصرنا الراهن، وكان هذا البناء مؤلف من غرفة صغيرة مساحتها حوالي ستة أمتار، وكانوا يدخلونها ويصلون فيها.
 ويستفاد من بعض الكلمات إن مقام إبراهيم كان ذلك البناء، لا خصوص الحجر الذي وقف عليه النبي إبراهيم (عليه السلام)، ولهذا الدليل جاء في بعض الكلمات تعبير في مقام إبراهيم (عليه السلام).
 وعلى سبيل المثال يقول صاحب الرياض: فإن منعه زحام عن الصلاة في المقام صلى على حيالة أو خلفه أو أحد جانبيه من خارج البناء [5] .
 وعبارته تدل على أن الأصل كان الصلاة داخل البناء، فإذا لم يتمكن صلى في الخارج، لذا فقد اعتبر إن الخلف أو احد الجانبين هو خارج البناء، حيث يجوز في الصلاة هناك في حالة الضرورة.
 يقول صاحب الشرائع: یجب ان یصلي رکعتي للطواف في المقام فان منعه زحام صلی ورائه او احد جانبیه.
 ويقول السيد الماتن في المسألة الثالثة: و لو تعذر الخلف للازدحام أتا عنده من الیمین و الیسار.
 هذا في حين أن المتأخرين يقولون أن الازدحام يوجب جواز خروج الشخص عن عما حول المقام.
 وهنا يطرح سؤال وهو هل أن هذه البقعة كانت موجودة في عصر المعصومين (عليهم السلام) أو لا؟ فإذا كانت موجودة فإنه يمكن حمل روايات (في المقام) على داخل هذه البقعة.
 وهذا المطلب ليس واضحاً لدينا كثيراً لأننا لا نعلم في أي عصر بُني هذا البناء، وعلى أي حال فقد أزيلت هذه البقعة في العصر الحالي، ولا معنى للصلاة (في المقام) بعد ذلك.
 أما قولي الشيخ الطوسي والصدوقيين، فقد كانا قولين شاذين في المسألة.
 فقد كان الشيخ الطوسي يقول أن الشخص يمكن أن يصلي صلاة الطواف في أي نقطة من نقاط المسجد الحرام، وأنه من المستحب أن يصلي الخلف أو في جانبي المقام، ومن العجيب أنه أدعى على ذلك الإجماع أو الدليل الوحيد الذي يمكنه أن يقيمه هو شيئان:
 الدليل الأول: ظاهر الآية الكريمة وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهيمَ مُصَلًّى [6] ، بناءً على أن مقام إبراهيم هو كل المسجد.
 طبعاً فمن الواضح أن هذا الأمر خلاف الظاهر، لأن المعيار ليس المسجد بل المعيار هو مقام إبراهيم الموجود اليوم، حتى لقد مرّ في الروايات التي ذكرناها سابقاً إن شخصاً سأل الإمام (عليه السلام) هل إن المعيار هو المقام الذي كان في عصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث كان متصلاً بالبيت، أو المعيار هو المكان الموجود عليه اليوم، والإمام (عليه السلام) في جوابه يقول له إن المعيار هو المكان الذي عليه اليوم.
 وكون المقام هو المسجد أو كل الحرم يطابق فتوى أهل السنة.
 الدليل الثاني: ظهور رواية زرارة.
 مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَحَدِهِمَا (عليه السلام) قَالَ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ طَوَافِ الْفَرِيضَةِ إِلَّا عِنْدَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) وَ أَمَّا التَّطَوُّعُ فَحَيْثُ شِئْتَ مِنَ الْمَسْجِدِ [7] .
 الرواية مرسلة، وعبارة (لا ينبغي) يظهر منها الاستحباب أي إن المناسب أن تكون صلاة الطواف عند مقام إبراهيم لا في مكان آخر وعليه فإن هذه الرواية يمكن أن تكون قرينة على الحمل على الاستحباب.
 ولكن يرد على الاستدلال إشكاليين:
 1ـ إن الرواية مرسلة.
 2ـ إن الروايات التي تصرح بالخلف أو عند المقام كثيرة.
 وكذلك ظهور الأمر في الآية وَاتَّخِذُوا يحمل على الوجوب، وهذه الرواية الضعيفة السند لا يمكن أن تكون معارضة لتلك الأدلة.
 أما فتوى الصدوقين: فهم يقولون بالتفصيل بين طواف الزيارة وطواف النساء، فطواف الزيارة يجب أن تكون صلاته عند المقام، أما طواف النساء فيمكن أداء صلاته في أي مكانٍ من المسجد.
 ولا يوجد أي أثر في الروايات على هذا التفصيل إلاّ في فقه الرضا فقد وردت الإشارة إلى هذا المطلب فقد ورد: وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ طَوَافِ الْحَجِّ وَ الْعُمْرَةِ إِلَّا خَلْفَ الْمَقَامِ حَيْثُ هُوَ السَّاعَةَ وَ لَا بَأْسَ أَنْ تُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ طَوَافِ النِّسَاءِ وَ غَيْرِهِ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [8] .
 وقد ذكر صاحب الجواهر هذه الرواية.
 نقول: إن سند عبارة فقه الرضا (عليه السلام) فيها إشكال حيث لم يعلم هل إن هذا الكتاب منقول عن الإمام الرضا (عليه السلام) أو أنه يضم فتاوى الشيخ الصدوق، بالأخص أن التعبيرات في الكتاب ليست تعبيرات الإمام (عليه السلام)، بل هي أقرب لتعبيرات الفقهاء.
 والرواية على خلاف الإجماع، وعلى خلاف الروايات الكثيرة التي صرح بعضها بأن صلاة طواف الحج والنساء، إذا لم تصليهما عند المقام، فيجب الرجوع، وإعادة الصلاة عند المقام.


[1] وسائل الشیعة، باب 3 من أبواب الطواف، حديث 1.
[2] وسائل الشیعة، باب 74 من أبواب الطواف، حديث 5.
[3] وسائل الشیعة، باب 74 من أبواب الطواف، حديث 12.
[4] سورة البقرة، الآية: 125.
[5] الریاض، ج 7، ص 21.
[6] سورة البقرة، الآية: 125.
[7] وسائل الشیعة، باب 73 من أبواب الطواف، حديث 1.
[8] البعض من هذا الحديث يوجد في المستدرك، ج 9، ص 414، حديث 1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo