< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/05/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 محاضرة أخلاقية:
 يقول فتح بن يزيد الجرجاني: كنت أرافق الإمام هادي (عليه السلام) في سفره، فقال لي: أجلس، فجلست فحدثني عن بأمور مهمة وعن بأبحاث في التوحيد، وأبحاث في الأخلاق ومن جملة ما قال: يَا فَتْحُ مَنْ أَطَاعَ الْخَالِقَ لَمْ يُبَالِ بِسَخَطِ الْمَخْلُوقِ وَمَنْ أَسْخَطَ الْخَالِقَ فَأَيْقَنَ أَنْ يُحِلَّ بِهِ الْخَالِقُ سَخَطَ الْمَخْلُوقِ [1] .
 أي إن الذي يطيع الله لا يجب أن يعتني بغضب المخلوق، ولكن الذي يغضب الله يجب أن يوقن أن الله سيسلط عليه غضب المخلوق.
 الأعمال التي يقوم بما الإنسان على قسمين: تارة تكون الأعمال ترضي الله وكذلك الناس مثل بناء المستشفيات وبناء المساجد، والجسور، والمكتبات، وأمثال ذلك، فأعمال هذا القسم لا إشكال فيها.
 المشكلة تكون عندما يكون رضا الله ورضا الناس في اتجاهين متعاكسين، فهنا يمتحن الإنسان، فهل يرجح رضا الله؟ أو أنه يسعى لرضى المخلوق؟ وهنا يظهر الشرك والإيمان، مثلاً: يشارك الإنسان في مجالس اللهو واللعب، والقمار، وشرب الخمر، أو في مجالس أصحاب الحجاب السيئ، أو الذين هم دون حجاب أصلاً، في بعض الأحيان يكون أقرباء الإنسان مشغولون بالمنكرات في تلك المجالس فإذا لم يشارك في مثل هذا المجلس سيؤدي إلى غضبهم، ولكن ما أن رضا الله في الانسحاب من المجلس، فيجب أن يترك مثل هذه المجالس.
 فهنا يقول الإمام (عليه السلام) في ذلك إذا كان الشخص يسعى لرضا الخالق، فلا يجب أن يعتني بغضب المخلوق، ولكن إذا كان هم الإنسان رضا المخلوق، فسيجعل الله المخلوق غير راضِ عنه.
 إذا نظرنا إلى عالمنا اليوم سوف نرى أن الديمقراطية الغربية تسعى إلى رضا الناس ولو كان ذلك يتعارض مع الأخلاق والدين، فهؤلاء لا يتورعون في وعد مثلي الجنس لتشريع انحرافهم، لجذب أصواتهم في الانتخابات أو على الأقل فهم يتعهدون في حمايتهم، فمثل هذه الديمقراطية ممزوجة بالشرك.
 أما الديمقراطية الإسلامية فليست كذلك، فهي لا تجيز أي عمل لجذب أصوات الناخبين، الديمقراطية الإسلامية هي ديمقراطية الإرشاد إلى الطريق الإسلامي فهي تقول: إن أصوات الناس ضرورية ولكن إذا كان هناك انحراف عند الناس فيجب إصلاحهم.
 الأشخاص الذين يطلبون أصوات الناس ويطلقون الوعود لجذب أصواتهم في الانتخابات، يجب أن تكون وعودهم في رضا الله، لا من أجل كسب رضا الناس، فالوعود والشعارات في غير رضا الله نوع من الشرك.
 يقول الإمام علي (عليه السلام): أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ الْهُدَى لِقِلَّةِ أَهْلِهِ [2] .
 كل الأنبياء بعد بعثتهم كانوا في جانب الأقلية، حتى النبي (صلى الله عليه وآله) في بداية بعثته كان في الأقلية، ولكنه لم يغير مبدأه أبداً، فقد أراد المشركون منه (صلى الله عليه وآله) أن يسمح لهم بعبادة الأصنام سنة ثم يسلموا، أو أن يقدم النبي (صلى الله عليه وآله) الاحترام يوماً واحداً لأصنامهم، ولكن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) لم يرضخ لتلك المطالب لأنها تسخط الخالق، وعندها يجب وضع رضا المخلوق جانباً، وقد ورد في الحديث: إِذَا ظَهَرَتِ الْبِدَعُ فَعَلَى الْعَالِمِ أَنْ يُظْهِرَ عِلْمَهُ [3] .
 * * *
 عنوان البحث الفقهي: تعذر الصلاة خلف مقام إبراهيم
 البحث في الفرع الثالث من مسائل صلاة الطواف، والمسألة تضم أربعة فروع، وقد ذكرنا في الفرع الثاني إن السيد الماتن يحتاط بوجوب كون صلاة الطواف خلف المقام ثم قال لو تعذر الخلف للازدحام أتى عنده من اليمين أو اليسار (أي لا أن يكون بعيداً بحيث لا يصدق أنه عند المقام).
 دليل المسألة:
 لا يوجد في الروايات ما يشير إلى يمين أو يسار المقام، لابد من معالجة القضية من طريق قاعدة الأقرب فالأقرب.
 هذا على فرض أننا قبلنا وجوب كون الصلاة خلف المقام، وإلا إذا قلنا من البداية بجواز اليمين واليسار، فلا حاجة بعد للقاعدة المذكورة. ومع ذلك قد قلنا أن هذه القاعدة ليست مسلمة فقهياً فلا تصلح لأن تكون دليلاً مستقلاً.
 الطريق الآخر أن نقول إن روايات (عند المقام) و(إلى المقام) وأمثال ذلك مطلقة، هذه الروايات تخصص بما لو أمكن الصلاة خلف المقام، وإلا فمع عدم إمكانية الصلاة فإن روايات (عند المقام) لا تخصص وتبقى على إطلاقها.
 ثم يتطرق السيد الماتن للفرع الرابع وهو إذا كان الازدحام بحيث لا يمكن الصلاة (عند المقام)، ففي هذه الحالة هناك ثلاث صور:
 في الصورة الأولى يقول: ولو لم يمكنه أن يصلي عنده يختار الأقرب من الجانبين والخلف.
 أي إذا كان هناك مكان أقرب من الآخر بالنسبة للمقام فيجب اختيار الأقرب.
 طبعاً فإن مثل هذه التدقيقات قد لا تكون عملية، وحتى وان كانت عملية فما هو الدليل عليها؟
 لأنه عندما تكون الصلاة عند المقام متعذرة فما هو الدليل على رعاية الأقرب فالأقرب؟ فعندما لا يتيسر الصلاة عند المقام، فلا يبقى أي مصداق من مصاديق الواجب، وعلى هذا الأساس فالأصل البراءة، ولا يوجب فرق حينئذ في أي مكان كانت الصلاة.
 وبعبارة أخرى: عندنا شك في جزئية وشرطية الأقرب، فتجري أصالة البراءة.
 يمكن مراعاة الأقرب فالأقرب احتياطياً، ولكن لا يجب العمل بهذا الاحتياط.
 يضاف إلى ذلك أننا وجمع من الفقهاء نفتي بأن الشخص الذي ينسى صلاة الطواف يمكنه أن يصليها في بلده، فهل الذي يفتي بوجوب مراعاة الأقرب فالأقرب، يفتي بوجوب أن يقترب الذي نسي صلاة الطواف إلى أقرب مكان من الكعبة أو إلى البلد الأقرب إلى مكة، ويصلي هناك صلاة الطواف؟
 طبعاً فإن الواضح أن الصلاة لا تسقط أبداً، لأن الواجب هو الصلاة عند المقام، وعند العجز عن جزء من الوجوب فإنه يبقى الجزء الآخر الذي هو أصل الصلاة.
 وعندنا في هذا الشأن روايتان عن الإمام الكاظم (عليه السلام) وهي موجودة في باب 75 من أبواب الطواف، وراوي الروايتين من الثقات حيث يقول: رأيت الإمام الكاظم (عليه السلام) يصلي ركعتي طواف الفريضة بحيال المقام قريباً من ظلال المسجد (يظهر أن ذلك أما بسبب حرارة الجو أو بسبب الازدحام).
 وللبحث صلة
 


[1] بحار الأنوار، ج 75، ص 366، حدیث 2.
[2] نهج البلاغة، خطبة 201.
[3] بحار الأنوار، ج 48، ص 252.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo