< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/05/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 المحاضرة الأخلاقية
 للغزالي كتاب بعنوان (أحياء علوم الدين) وهو كتاب جيد جداً، ولكن من المأسف أنه اختلط بالأفكار الصوفية. وقد كتب الفيض الكاشاني كتاب المحجة البيضاء حيث هذب كتاب أحياء علوم الدين وجمع فيه روايات أهل البيت (عليهم السلام). ومن جملة الأبواب التي عرضها في كتابه مباحث تتعلق بالعشرة، وحسن المعاشرة.
 وقد نقل رواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول فيها (صلى الله عليه وآله): أَثْقَلُ مَا يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ حسن الخلق [1] .
 والحديث يطابق ما قاله القرآن الكريم أن في يوم القيامة ميزان للحساب توزن فيه كل أعمال الإنسان، والبعض يكون ميزانه ثقيلاً: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ [2] .
 ولكن بعض الأشخاص لا وزن للاعمالهم بسبب الرياء والاخيال فقد جعلوها لا قيمة لها بذلك. طبعاً فإن ميزان ذلك العالم ليس كميزان هذا العالم بل له شكل أرقى ولكن قد عبر عن ذلك ليناسب إفهامنا.
 من جملة الأشياء التي تثقل العمل حسن الخلق حيث يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الحديث المذكور أحسن الخلق أثقل ما يوضع (أي أثقل الأشياء).
 لكل شيء وزن خاص به مثلاً للماء وزن خاص به ورقمه واحد، والأشياء الأخرى توزن به، الذهب وأنه أثقل بكثير من الماء ويمكن أن يكون وأنه ثمانية عشر (ثمانية عشر ضعف الماء) الحديد أخف من الذهب، والأعمال لها وزن خاص بها والوزن الخاص بحسن الخلق هو أثقلها. في المقابل هناك وزن خاص للحج والصلاة والجهاد وغيره فلكلٍ منها وزن خاص بها ولكن وزن حسن الخلق أكثر من الجميع.
 يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذا الحديث وهو في أجواء الحجاز أجواء الجاهلية والخشونة، الخشونة التي كانت حاكمة في ذلك الزمان وقد كانت فريدة من نوعها، هي تلك الخشونة التي يتميز بها. الوهابيون اليوم.
 البعض يتصور أن المؤمن العابد هو العبوس ذات الوجه المكفهر، في حين إن الإسلام لا يقبل هذا، بل إن الأدب في المعاشرة والأدب في الكلام يعدما الإسلام من الأمور المهمة جداً.
 للحسن الخلق تأثير وجاذبية عجيبة جداً، يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): الرِّفْقَ لَمْ يُوضَعْ عَلَى شَيْ‌ءٍ إِلَّا زَانَهُ وَ لَا نُزِعَ مِنْ شَيْ‌ءٍ إِلَّا شَانَهُ [3] .
 أي إن المداراة وحسن الخلق هو زينة أينما وضع.
 وفي حديث آخر يفسر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حسن الخلق بثلاثة مصاديق، ومن الواضح أن هذه المصاديق ليست منحصرة بهذه الأمور الثلاث يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): لَا أَدُلُّكُمْ عَلَى خَيْرِ أَخْلَاقِ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ تَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ وَ تُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ وَ تَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ [4] .
 يقول (صلى الله عليه وآله) أولاً: تَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ، فكثير من الجفاء والغضب يكون من أثر البعد والحكم المسبق، وعندما يجلس الإنسان مع الآخر ويحادثه سيعرف إن الأمر لم يكن بهذه الأهمية.
 ويقول (صلى الله عليه وآله) ثانيا: وَ تُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ، أي إذا كنت مرة محتاجا ولم يساعدك، فإذا دارة الأمور واحتاج إلى مساعدة فساعده ولا تحرمه.
 ويقول (صلى الله عليه وآله) أخيراً: وَ تَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ، ومن الواضح ان هذا الحديث لا يختص بالمستكبرين والظالمين في العالم بل يختص بالأخ والصديق الذي قد يظلم البعض الآخر، فلا يجب رد الظلم والعداء بالمثل، حتى إن القرآن الكريم عندما يعرض بحث القصاص يعقب بـ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخيهِ شَيْ‌ءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ [5] .
 فهو لم يعرض بحث العفو فقط، بل عرّف الشخص الجاني بأنه أخ في الإنسانية.
 * * *
 عنوان البحث الفقهي: نسيان صلاة الطواف
 البحث في المسألة الرابعة من مسائل صلاة الطواف، يقول السيد الماتن في الفرع الثالث: و لو تذكر بعد الأعمال المترتبة عليها لا تجب إعادتها بعدها.
 أي إذا تذكر الشخص بعد السعي والأعمال الذي يليه مثل التقصير إلى أنه لم يصلِ صلاة الطواف، فلا يجب عليه بعد صلاة الطواف إعادة الأعمال الأخرى.
 دليل المسألة:
 دلالة الروايات:
 أولاً: الروايات التي تذكر: يعود إلى المقام ويصلي فهذه الروايات ساكتة عن الأعمال المترتبة، وإذا كان يجب إعادة الأعمال مرة أخرى لحفظ الترتيب، لذكرت هذه المسألة في الروايات المتعددة، وعدم ذكرها يدل على عدم وجوب إعادة الأعمال التالية.
 لا يقال إن أثبات الشيء لا يعني نفي ما عداه، لأن الشخص إذا كان في مقام البيان فإن إثباته للشيء يعني نفي ما عداه.
 مثلا: إذا جاء شخص عند المرجع لدفع الواجبات الشرعية وبدأ بإحصاء البضائع الذي عنده، فعندما يشير إلى المواضيع ويسكت فهذا علامة على عدم وجود مواضع أخرى.
 ثانيا: تذكر الروايات بأنه إذا تذكر أحد وهو في بلده أنه لم يصل صلاة الطواف، فيمكنه أن يصليها في بلده، ومن الواضح أنه وهو في بلده لا يمكنه أن يقوم بالأعمال المترتبة.
 ثالثاً: الروايات الواردة في الباب 77 والتي ذكرناها سابقاً والتي تذكر: إن الشخص الذي يتذكر صلاة الطواف وهو في السعي، يقطع سعيه وبعد صلاة الطواف يكمل من المكان الذي قطع أي لا يجب أن يعيد السعي من البداية، وإذا كان يجب أداء الأعمال المترتبة، لكان عليه أن يعيد السعي من البداية. لذا ففي هذه الموارد يسقط السعي من البداية. لذا ففي هذه الموارد يسقط الترتيب بين الأعمال، يضاف إلى ذلك أن عدم إعادة الأعمال المترتبة هو من المسلمات في نظر العلماء.


[1] المحجة البیضاء، ج 3، ص 284.
[2] سورة الزلزلة، الآية: 6 و 7.
[3] الکافي، ج 2، ص 119، حدیث 6.
[4] الکافي، ج 2، ص 107، حدیث 2.
[5] سورة البقرة، الآية: 178.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo