< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/06/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: نسيان صلاة الطواف
 البحث في المسألة الرابعة من مسائل صلاة الطواف، وقد بينها السيد الماتن في خمسة فروع وبحثنا في الفرع الرابع.
 يقول في هذا الفرع: ولو تذكر في محل يشق عليه الرجوع إلى المسجد الحرام صلى في مكانه ولو كان بلدا آخر ولا يجب الرجوع إلى الحرم ولو كان سهلا.
 يعني الذي ينسي صلاة الطواف ويتذكرها في مكانٍ يصعب عليه فيه الرجوع إلى مقام إبراهيم (عليه السلام)، فيمكنه في هذه الحالة أن يصلي في المكان الذي هو فيه صلاة الطواف حتى لو كان في بلده.
 ثم يضيف لو كان ذهابه إلى الحرم سهلاً لم يجب عليه الرجوع، ويمكنه الصلاة في مكانه.
 وهذا الرأي يخالف كلام الشهيد الذي يقول: إذا كان ذهابه إلى الحرم سهلاً فعليه الذهاب إليه والصلاة هناك.
 أقوال العلماء:
 للمسألة ثلاثة أقوال:
 القول المشهور هو الذي بيناه.
 قول الشهيد الذي يقول: إذا كان الذهاب إلى الحرم (لا المسجد الحرام) سهلاً فعليه الذهاب (الحرم هو تلك المنطقة الوسيعة التي يحدها التنعيم، ومن جهة أخرى طريق جدة ومن جهة أخرى تصل إلى طريق الطائف).
 القول الثالث: نقل عن العلامة أنه في هذه الحالة المكلف مخير بين أن يصلي أو أن يوكل من يصلي عنه، وهذه الأقوال الثالثة ظهرت في عبارة صاحب الرياض وصاحب الحدائق.
 يقول صاحب الرياض: و لو تعذر الرجوع أو شق صلاهما حیث ذکر و لو خارج المسجد الحرام او الحرم و تمکن من الرجوع إلیهما علی الأشهر الأقوى بل كاد أن یکون إجماعا خلافا للدروس فقال: رجع إلی المقام فان تعذر فحیث شاء من الحرم فحیث أمکن من البقاع و للتحریر فجوز الاستنابة فیهما أن خرج و شق علیه الرجوع [1] .
 وقد نقل صاحب الحدائق هذه الأقوال الثلاثة في كتابه مع اختلاف في القول الثالث حيث أضاف إلى قول العلامة، قول الشيخ في المبسوط [2] .
 يقول صاحب الجواهر في شرح عبارة الشرائع: و لو شق قضاهما حیث ذکر، ويضيف: کما في القواعد و النافع و محكی التهذیب و الاستبصار [3] .
 دليل المسألة:
 الطريق الأول: عن طريق القواعد.
 نذكر هنا قاعدتين:
 الأولى: قاعدة لا حرج، فالذي يبتلي بالعسر والحرج يرتفع الوجوب في حقه يقول الله (عزوجل): وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [4] .
 فقاعدة لا حرج تقول بعدم وجوب الوصول إلى مقام إبراهيم، ولكن قاعدة لا حرج ساكتة عن وجوب الصلاة في المكان الذي هو فيه، لذلك نضم إليها قاعدة الميسور.
 ونقول: إن الشرط لعدم الصلاة هو وجوب الصلاة عند مقام إبراهيم، وبما أن هذا الشرط ليس ميسراً، فيجب أداء ما تبقى.
 قاعدة الميسور تتعلق دائما بالأمور التي لها أجزاء وشرائط حيث يكون أداء بعضها شاقاً أو غير متيسر، وفي المحصلة وعلى أساس هذه القاعدة يؤتى بما تبقى.
 الطريق الثاني:
 وردت ثلاث روايات في باب 74 وقد عمل فيها المشهور، وهذه الروايات عبارة عن الرواية 10، 16، 18.
 الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ يَعْنِي الْمُرَادِيَّ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ طَوَافِ الْفَرِيضَةِ خَلْفَ الْمَقَامِ وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى حَتَّى ارْتَحَلَ قَالَ إِنْ كَانَ ارْتَحَلَ فَإِنِّي لَا أَشُقُّ عَلَيْهِ وَ لَا آمُرُهُ أَنْ يَرْجِعَ وَ لَكِنْ يُصَلِّي حَيْثُ يَذْكُرُ [5] .
 الرواية صحيحة، وأبو بصير المرادي هو ثقة.نا قاعدتين.يق القواعد.ة الشرائع: ة في كتابه مع اختلاف في القول الثالث حيث أضاف الى نه، وهذه الأقوال الثالثة ظهرت في عبارة صاحب
 مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) فِي طَوَافِ الْحَجِّ وَ الْعُمْرَةِ فَقَالَ‌ إِنْ كَانَ بِالْبَلَدِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَ إِنْ كَانَ قَدِ ارْتَحَلَ فَلَا آمُرُهُ أَنْ يَرْجِعَ [6] .
 من مزايا هذه الرواية أنها لم تفرق بين الحج والعمرة فتشمل الموردين.
 عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) رَجُلٌ نَسِيَ الرَّكْعَتَيْنِ خَلْفَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) فَلَمْ يَذْكُرْ حَتَّى ارْتَحَلَ مِنْ مَكَّةَ قَالَ فَلْيُصَلِّهِمَا حَيْثُ ذَكَرَ وَ إِنْ ذَكَرَهُمَا وَ هُوَ فِي الْبَلَدِ فَلَا يَبْرَحْ حَتَّى يَقْضِيَهُمَا [7] .
 الرواية صحيحة سندا.
 أما قول الشهيد، إذا لم يستطع أن يصل إلى مقام إبراهيم ولكن الرجوع إلى الحرم ميسر، فيجب الرجوع إلى الحرم والصلاة هناك.
 يقول صاحب الحدائق: لم نجد دلیلا علیه. يعني لا يوجد دليل روائي على كلامه.
 وبرأينا: فإنه تمسك بقاعدة الأقرب فالأقرب لأن الحرم أقرب فيجب على الأقل الذهاب إلى هناك لأنه أقرب إلى المقام.
 نقول: القاعدة فيها إشكال صغروي وكبروي.
 أما الكبروي، فقد قلنا سابقاً بأن القاعدة المذكورة لا دليل عليها في الشرع، وعند العقلاء لا وجود ثابت ومسلم لهذه القاعدة، ونحن لا نعتبرها جزءاً من القواعد الفقهية.
 أما الصغروي: حتى لو كان هناك دليل للقاعدة، فلا يمكن تطبيق هذه القاعدة على ما نحن فيه، لأن القاعدة تجري في الأمور التي يكون فيها الأقرب شيء فيه مصلحة.
 مثلاً: نعلم أن شخصاً وقف مالاً ليوم عاشوراء لأجل إطعام الناس في الطريق، فإذا لم يتمكن من إيجاد مصرف للعمل بالوقوف، ففي هذه الحالة نقول: يمكن صرف هذا الأموال على الأقل في عزاء الإمام الحسين (عليه السلام) في غير يوم عاشوراء، لأنه في هذه الحالة نكون قد تداركنا شيء من المصلحة وهي البذل في عزاء الإمام الحسين (عليه السلام).
 أو مثلاً شخص وقف خزان ماء، ولا يحتاج إليه في مثل هذه الأيام ففي هذه الحالة نقول: فليبني مكان هذا الخزان مكاناً للعمل الخير، كبناء مسجد، مدرسة، مستوصف، وأمثالها لأن الواقف في ذلك الزمان كان في صدد عمل الخير، والمصداق الذي عينه ليس له فائدة اليوم، ولذا فيمكن تبديله بشيء قريب منه بحيث تكون فيه مصلحة شبيهة بالذي كان سابقاً.
 وبعبارة أخرى: إن رعاية نية الواقف بمعنى إذا قلنا للواقف إن خزان الماء لا يستفاد منه اليوم، فإنه يقيناً سيكون راضياً ببناء شيء كالمسجد مكانه.
 بل يمكن إجارة المكان وصرف مال الإجارة في الأمور الخيرية المشابهة، ففي هذه الحالة يكون العمل جائزاً ولا يؤدي إلى هدم أصل البناء الوقفي مثلاً في ما يخص خزان الماء يمكن تأجيرها لشخص وصرف أموال الإجارة في إمدادات المياه للفقراء، أو تسديد اشتراك الماء عنهم.
 ولكن وبما أن هذه الأمور لا يوجد لها ولي خاص، فإن الإجارة يمكن أن تعمد عدة سنوات وتبذل الأموال في موردها المناسب، لكن مع مرور الزمن يصبح هذا البناء المستأجر وبسبب النسيان بحكم الملك، فتأتي الأجيال اللاحقة لتعتبره ملك شخصاً لها، لذا من الأفضل أن يبدل المكان بحسينية وأمثالها. لأننا نعلم بنية الواقف ونعلم أنه يرضى بالتبديل (ومن المناسب أن يكون العمل أقرب إلى قصد الواقف مثل الإجارة لأن الأقربية يشترط فيها رضا الواقف) وفي المحصلة ففي الموضوع الذي نعالجه فإن الأقربية لا يوجد فيها تدارك لأي مصلحة، لذا فلا تجري القاعدة المذكورة، ففي موضوعا هناك أمر بالصلاة عند مقام إبراهيم، ففي حال لم يتيسر العمل ولم نتمكن من الصلاة عند المقام فيصبح أي مكانٍ آخر سواء أكان قريباً أو بعيداً في حدٍ سواء والكل خارج عن المأمور به، وحتى الحرم فإنه لا يتدارك به شيء من مصلحة الصلاة عند المقام.
 أما قول صاحب المبسوط وصاحب التحرير الذين قالا بالجواز التوكيل فإن دليلهم إن أعمال الحج بالغالب تقبل التوكيل.
 من هنا فبما أن المكلف يمكنه أن يصلي بنفسه، فلا دليل على جواز التوكيل. وعلى هذا الأساس فالذي أخطأ بالطواف وأخطأ بصلاة الطواف يمكنه أن يوكل ويقوم الوكيل بالنيابة عنه بالطواف وبصلاة الطواف.
 نقول هنا: يجب على المكلف أن يحتاط فيصلي في بلده صلاة الطواف، ثم يوكل من يطوف عنه ويصلي صلاة الطواف لرعاية الموالاة.
 وللبحث صلة.
 


[1] الریاض، ج 7، ص 27.
[2] حدائق الناضرة، ج 16، ص 141.
[3] جواهر الکلام، ج 19، ص 303.
[4] سورة الحج، الآية: 78.
[5] وسائل الشیعة، ج 9، باب 74 من أبواب طواف، حدیث 10.
[6] وسائل الشیعة، ج 9، باب 74 من أبواب طواف، حدیث 16.
[7] وسائل الشیعة، ج 9، باب 74 من أبواب طواف، حدیث 18.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo