< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/06/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 المحاضرة الأخلاقية
 بيّن الإمام الهادي (عليه السلام) في ما يخض بذم المراء ثلاث مسائل حيث يقول:
 الْمِرَاءُ يُفْسِدُ الصَّدَاقَةَ الْقَدِيمَةَ وَ يُحَلِّلُ الْعُقْدَةَ الْوَثِيقَةَ وَ أَقَلُّ مَا فِيهِ أَنْ تَكُونَ فِيهِ الْمُغَالَبَةُ وَ الْمُغَالَبَةُ أُسُّ أَسْبَابِ الْقَطِيعَةِ [1] .
 للمراء في اللغة ثلاثة معانٍ:
 1ـ من مادة مرية، أي الشك والمراء بمعنى ألقاء الشك أي يريد بكلامه أن يلقي الشك في الشخص المقابل.
 2ـ إنكار الحق أي يريد الشخص من خلال اللعب بالألفاظ أن يبطل الحق وينكره.
 3ـ المجادلة للغلبة على الطرف المقابل.
 ورد بحث الجدال والمجادلة في القرآن الكريم وهو تارة ممدوح وتارة مذموم، وفي الإسلام الجدال بالتي هي أحسن، ليس ممنوعاً، ولم يمنع الإسلام من البحث والحوار والسؤال والجواب وحرية التفكير. فإن المسائل تتبلور في ظل هذه الأبحاث، الأمر القرآني مبني على وجادلهم بالتي هي أحسن [2] . التي تؤدي أن يبحث الإسلام مع المخالفين للإظهار الحق ورفع الشبهات.
 النوع الآخر من الجدال هو الجدال الانحراف وهو المجادلة للإنكار الحق، والوصول إلى المآرب الخاصة وسحق كرامة الآخرين وأدانتهم، والدفاع عن شخص بدون دليل ولا برهان.
 الجدال والمراء بالباطل محرم في الإسلام بمعنى أن يبحث الشخص ويعلم أن الحق ليس معه رغم ذلك يصر على كلامه الباطل أو أن يسعى من خلال البحث الحثيث أن يجبر الآخر على الاعتراف بخطاه.
 وهذا البحث يمكن إجراؤه حتى على الدول والشخصيات المهمة والمذاهب بمعنى أن يكون الجدال والحوار للكشف عن الحقيقة لا الغلبة على الطرف الآخر وأمثال هذا الأمر.
 لا ينبغي لمجرد أن يكون الشخص معنا أن نوجه أعماله ولو كان مخطأ ويسير بالباطل.
 الجرائد والنشريات ووسائل الإعلام يجب أن تعلم كذلك أن المراء هو باطل لا أن يكون ينحازوا إلى بعض الأشخاص لتغطية أعمالهم السيئة.
 من إحدى آثار المراء أنها تقطع صلة الصداقة وتوجد في القلب الضغينة والحقد للآخر.
 عنوان البحث الفقهي: حكم الجهل بصلاة الطواف
 البحث في الفرع الخامس من المسألة الرابعة من المسائل المتعلقة بصلاة الطواف.
 الفروع الأربعة الأولى تتعلق بالنسيان، والفرع الخامس يتعلق بالجهل. وقد قلنا في بحث نسيان صلاة الطواف أن الناسي إذا تذكر في مكان فإذا لم يتمكن من الرجوع إلى المقام صلى في مكانه. وقد قال البعض لماذا لا يمكن أن يوكل؟
 وفي الجواب نقول: النيابة لمثل هكذا شخص ليست صحيحة، وعليه أن يصلي صلاة الطواف في ذلك المكان، وهناك روايات متعددة تدل على هذا الأمر.
 أما روايات النيابة:
 فهناك أربع روايات وردت في الباب 74 من أبواب الطواف، وهذه الروايات الأربع لا تكفي لإثبات المطلب إذ روايتين من الروايات الأربع تتعلق بـ (عمر بن يزيد)، (الرواية 1 و13) وكلا الروايتين مرويتان عن الإمام الصادق (عليه السلام) وبنفس المضمون، وسند كلا الروايتين محل إشكال.
 ورواية من الأربعة تتعلق بـ (ابن مسكان) (الرواية 16) وهي مرسلة وأن كانت دلالتها جيدة، والرواية الوحيدة الباقية هي الرواية الرابعة وهي صحيحة السند، ومتن الرواية كالتالي:
 مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ فَضَالَةَ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا (عليه السلام) قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ قَالَ يُصَلَّى عَنْه.
 وظاهر الرواية أنها تتعلق بالأموات لأن الرواية عبرت بـ (يصلي عنه) وليس في الرواية كلام عن النيابة، من هنا فإذا نسي أحد صلاة الطواف ثم عاد إلى وطنه وقام شخص آخر بصلاة صلاة الطواف عنه تبرعاً فلا تفرغ ذمته بذلك لأن عليه أن يستنيب ووجود النائب يحسب بمنزلة الوجود التنزيلي ليعتبر عمل النائب جزء من عمل المنوب عنه.
 عليه فإن الاستنابة هنا ليست صحيحة ويمكنه هنا الاحتياط فيستنيب ويصلي هو بنفسه أيضاً.
 أما بحث الجاهل بصلاة الطواف: حيث وصلنا أن الجاهل بصلاة الطواف في حكم الناسي وتجري عليه جميع تفريعات النسيان. لذا فعند عودته إلى بلده وتعلمه المسألة يمكنه أن يصلي هناك.
 ثم عالجنا مسألة هل أن هذا الحكم يختص بالجاهل القاصر، أم أنها تشمل الجاهل المقصر كذلك. حيث قال البعض بأن الجاهل المقصر ليس في حكم الناسي، ولا يمكنه أن يؤدي صلاة الطواف إذا رجع إلى بلده، بل عليه أن يصلي ركعتي الطواف عند مقام إبراهيم، وإذا لم يصلها تبقى كذلك في ذمته.
 على هذا أساس قررنا أن نبحث بحث الجاهل القاصر والمقصر بشكل وافٍ.
 بعض الفقهاء كصاحب الجواهر قد تعرضوا لهذا البحث في مبحث القبلة أو اللباس المغصوب أو في بحث كفارة الإفطار في حق الذي لم يكن يعلم أن العمل الفلاني مفطر وقد أتى به، وفي بحث الإفاضة من عرفات قبل غروب الشمس (حيث على الشخص الرجوع أو عليه دفع الكفارة) وأمثال ذلك.
 وصاحب الجواهر في هذه الموارد الأربعة تارة تساوي في الحكم بين الجاهل القاصر والمقصر وتارة أخرى فرق بينهما.
 وكذلك تعرض لهذا البحث صاحب العروة في بحث كفارة الصوم.
 على أي حال يجب تتبع الضابطة الكلية التي تستنج من هذا البحث.
 وقد بينا سابقاً معنى القاصر والمقصر وقلنا أن من الممكن أن يكون حتى المجتهد جاهل قاصر وذلك بسبب الأخذ الخطأ أو امتلاكه لنسخة مطبوعة خطأ فيخطأ في الحكم.
 والحكم الأولي هو أن الجاهل المقصر في حكم العامد لأن عليه أن يسعى ويتعلم الحكم وهذا الحكم الأول في المسائل العقائدية والفرعية واحدة.
 في حكم الاعتقادي إذا كان يمكن للشخص أن يبحث ولكنه لم يفعل واتبع الفرقة المنحرفة، ففي يوم القيامة يحاسب كالذي تبع هذه الفرقة عمداً.
 وكذلك في الأعمال والسلوك فإن الذي يكون مقصراً ولم يتعلم المسألة وصلى بدون وضوء مثلاً فهو في حكم التارك للصلاة عمداً.
 في ما يخص بحثنا الأساسي هناك روايات مطلقة تقول: إن الجاهل في حكم الناسي.
 وللبحث صلة.
 


[1] بحار الأنوار، ج 75، ص 369.
[2] سورة النحل، الآية: 125.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo