< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/06/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: الجاهل القاصر والمقصر
 البحث في المسألة الرابعة من المسائل صلاة الطواف. ووصلنا إلى مسألة جريان حكم الناسي على الجاهل، ويريان جميع أحكام الناسي للصلاة الطواف على الجاهل. الجاهل هو الذي لا يعلم أن أصل صلاة الطواف واجبة فيتركها.
 ووصل بنا البحث إلى هل الحكم يختص بالجاهل القاصر أو يشمل المقصر كذلك؟
 وقد عرضنا حكم الجاهل والمقصر في جميع أبواب الفقه والعلماء لم يبينوا هذا البحث بشكل وافٍ، والأكثر قد تعرضوا لهذا البحث في عدة أبواب من أبواب الفقه من جملتها:
 1ـ باب التقليد: إذا كان الجاهل مقصر ولم يقلد فهل أعماله التي أداها صحيحة أم لا؟
 وهل تجزي أعماله إذا كانت موافقة لرأي مرجعه الذي يريد أن يقلده؟ وما حكم أعماله إذا كانت موافقة للمرجع الذي كان عليه أن يقلده؟
 2ـ أحكام القبلة: وقد تعرض صاحب الجواهر لهذا البحث، فهناك رواية في باب القبلة تفيد أن الجاهل بالقبلة إذا انحرف عنها وكان انحرافه ما بين المشرق والمغرب فصلاته صحيحة، فهل يشمل هذا الحكم الجاهل المقصر؟
 مثلا: إذا كان الشخص يمكنه أن يتحقق ويتعرف على القبلة، ولكنه لم يقم بذلك فهل صلاته إذا كانت ما بين المشرق والمغرب صحيحة وتشملها الرواية المذكورة؟
 3ـ أحكام الستر في الصلاة: إذا لم يعلم المكلف أن ثيابه مغصوبة فصلى فيها، أو كان يعلم أنها مغصوبة ولم يكن يعلم بعدم جواز الصلاة بالمغصوب (وقد تعرض صاحب الجواهر لهذا البحث).
 4ـ إذا أفطر المكلف على الحرام جهلاً: فقد جاء في رواية أن شخصاً كان صائماً وقد جامع زوجته ولم يكن يعلم أن هذا العمل محرم عليه، فقد ورد في تلك الرواية أنه: (لا شيء عليه) أي لا كفارة عليه، ونحن نحتمل كذلك أن لا قضاء عليه كذلك. وقد تعرض الكثير من العلماء لهذا البحث، وصاحب العروة وكثير من الذين كتبوا حاشية عليها يقولون أن لا فرق بين الجاهل القاصر والمقصر في هذه المسألة وليس عليه أن يدفع الكفارة.
 5ـ الإفاضة من عرفات قبل غروب اليوم التاسع: إذا أفاض الحاج قبل هذا الوقت من عرفات فعليه كفارة، ولكن إذا كان جاهلاً فقد قالوا بعدم وجوب الكفارة عليه وهناك بحث بشمول هذا الحكم للجاهل القاصر والمقصر؟
 6ـ إذا كان المكلف جاهلاً بوجوب صلاة الطواف (الذي يجري بحقه أحكام الناسي) فهل يشمل هذا الحكم الجاهل القاصر والمقصر؟ أو أن الحكم يختص بالجاهل القاصر. مثلاً: إذا أمكن للشخص أن يشارك في جلسات التي يقيمها عالم الدين في الحملة، ولكنه قصر، ولم يعلم أن عليه أن يصلي صلاة الطواف.
 7ـ هل الجهل بحكم الزنا أو الأحكام الأخرى التي تتعلق بالحدود، والذي يؤدي إلى دوء الحدود، هل يختص هذا الحكم بالجاهل القاصر أو يشمل الجاهل المقصر كذلك؟
 وقد تعرض العلماء لهذا البحث بشكل مقطع، وسنبحثه بشكل كلي إن شاء الله.
 القاعدة الكلمة هو إن الجاهل المقصر (لا القاصر) في حكم العامد، لأن العقل يقول: إن الشخص المذكور لم يكن في صدد التعلم لذا فلا يعفى من شيء.
 وهذا الأمر يتضح في البحث العقائدي لأن الشخص إذا لم يتعلم العقيدة الصحيحة وقصد ولم يعتقد بالمذهب الصحيح فلا يعفى عنه يوم القيامة، والحكم كذلك في الأعمال.
 نعم يعفى عن الجاهل القاصر بحكم العقل والشرع. لكن ورد روايات سببت في تخفيف الأمر على الجاهل المقصر من حملتها ما جاء في باب القبلة أن الذي لم يعلم جهة القبلة، فما بين المشرق والمغرب قبلة (أي حتى تسعين درجة جهة اليمين وتسعين درجة جهة اليسار) يستفاد من عدة روايات العموم، فيدخل فيها الجاهل المقصر [1] .
 وقد ورد روايتان في باب شهر رمضان كذلك:
 عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ عَنْ زُرَارَةَ وَ أَبِي بَصِيرٍ قَالَا جَمِيعاً سَأَلْنَا أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنْ رَجُلٍ أَتَى أَهْلَهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَ أَتَى أَهْلَهُ وَ هُوَ مُحْرِمٌ وَ هُوَ لَا يَرَى إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ حَلَالٌ لَهُ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْ‌ءٌ [2] .
 وقد تمسك جمع بإطلاق الرواية وقالوا بدخول الجاهل المقصر في الحكم المذكور. وفي خصوص الإفاضة من عرفات نذكر:
 مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ عَنْ مِسْمَعِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فِي رَجُلٍ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَالَ إِنْ كَانَ جَاهِلًا فَلَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ وَ إِنْ كَانَ مُتَعَمِّداً فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ [3] .
 بالإضافة إلى هذه الروايات حديث الرفع الذي فيه: وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي تِسْعَةُ أَشْيَاءَ السَّهْوُ وَ الْخَطَأُ وَ النِّسْيَانُ وَ مَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَ مَا لَا يَعْلَمُونَ ورفع ما لا يعلمون تشمل الجاهل القاصر والمقصر.
 وهناك بحث في أنه هل المقصود رفع المؤاخذة أو رفع الأحكام الوضعية كذلك؟
 قلنا في البحث الذي يتعلق بهذه المسألة أن هناك في هذا الباب رواية تفيد برفع الأحكام الوضعية. وقد أوردها الشيخ الأنصاري في الرسائل، في ذيل حديث الرفع، وعبرها عنها بالصحيحة، والرواية هي:
 عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى وَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ جَمِيعاً عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (عليه السلام) فِي الرَّجُلِ يُسْتَكْرَهُ عَلَى الْيَمِينِ فَيَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ وَ الْعَتَاقِ وَ صَدَقَةِ مَا يَمْلِكُ أَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي مَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَ مَا لَمْ يُطِيقُوا وَ مَا أَخْطَئُوا [4] .
 للأهل السنة نوع من القسم وهو عندنا باطل، وهو أن يقسموا بالطلاق والعتق ويقولون مثلا: زوجتي طالق، وعبدي حر، وأموالي صدقة إذا حصل الأمر الفلاني.
 وهو عندنا باطل لأنه قسم بغير الله وبغير الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، ولكن بعض أهل السنة يصممون هذا القسم ويعتبرونه منعقداً.
 في حين لو أكره شخص على هذا القسم، يقول الإمام (عليه السلام): هذا القسم بعقيدتنا باطل بل يقول: إن رسول الله قال رفع في أمتي ما أكرهوا عليه لذلك فإن هذا القسم المذكور لا أثر له.
 وهذه الرواية دليل على إمكان التمسك بحديث الرفع في الأحكام الوضعية لأن مسألة الطلاق والعتق من الأحكام الوضعية.
 ولا بد من النظر في أنه هل تشمل الأحكام الوضعية في حديث الرفع ما يتعلق بما أكرهوا عليه أو أن ما لا يعلمون تشمل الأحكام الوضعية كذلك؟
 إذا قلنا بوحدة النسق بالفقرات التالية تشمل الأحكام الوضعية كذلك.
 أو أن نقول: أن الشخص عندما يكره على القسم، فإنشاؤه باطل، ولا ينعقد قسمه وهذا ليس له أي علاقة بما لا يعلمون.
 من هنا فإن مورد الإكراه هو القدر المتيقن والزائد عنه. فيه بحث وتأمل من هنا إذا صلى شخصا خطأ جهلاً، فلا يمكن من خلال ذلك أن يستفاد أن صلاته صحيحة.
 وكذلك يمكن التمسك بحديث لا تعاد حيث لم لا ذكر هناك لا ولا للجهل.
 فالحديث يذكر فقط: لا تعاد الصلاة إلاّ من خمس أي تجب إعادة الصلاة فقط إذا قصر المكلف في خمسة أشياء وهي عبارة عن: عدم رعاية القبلة، الصلاة بدون وضوء أو غسل، الصلاة قبل الوقت، إلاّ خلال بالركوع والسجود (من الأجزاء ذكر الركوع والسجود، والبقية هي من الشرائط).
 ومن الواضح أن حديث لا تعاد لا يشمل العامد، فلو صلى شخصاً عمداً بدون وضوء فلا يشمله حديث لا تعاد، عليه فلا يشمل الحديث كذلك الناسي والجاهل والغافل كذلك.
 مثلاً: نسأل في الاستفتاءات إذا لم يتشهد شخص جهلاً أو أنقص بعضاً منه أو أخطأ بذكر الركوع، فهؤلاء لا يشملهم حديث لا تعاد كذلك.
 المسألة الأخرى هي هل يمكن لأحد أن يقول أن الروايات التي ذكر فيها كلمة الجاهل تنصرف إلى الجاهل القاصر وحتى حديث الرفع تنصرف إلى الناسي والجاهل القاصر ولا تشمل المقصر؟
 لم يلتفت العلماء إلى الانصراف في هذه الروايات، واعتبروا أن القاصر والمقصر مشمولين بالروايات بعد أن أخذوا بإطلاقها.
 يمكن أن يقال: إننا نقول بالتفصيل وهي أن يكون الشخص مقصد بحث يستطيع بأدنى سعي أن يصل إلى الحكم كأن تكون رسالة توضيح المسائل بجانبه ويستطيع بسهولة أن يجد مورد حاجته ويفهم المسألة على عكس الذي عليه أن يذهب للبحث عن المسألة ويحقق فيها.
 مثلا يقولون: إذا شك أحد أن الزكاة على أمواله واجبة أولا، فتجري البراءة، ولكن إذا كان يستطيع أن يراجع دفتره ويعرف مقدار أمواله، فلا يمكن أن تجري البراءة بحقه.
 عليه فإن الشخص الذي يستطيع أن يعرف الحكم بسهولة لا تشمله الأحاديث المذكورة.
 من هنا فإن المسألة التي نبحث عنها أي مسألة صلاة الطواف يمكن العمل فيها بنفس التفصيل.


[1] وسائل الشیعة، ج 3، باب 10 من أبواب قبلة.
[2] وسائل الشیعة، باب 9 من أبواب ما یمسك الصائم، حدیث 12.
[3] وسائل الشیعة، ج 8، باب 23 من أبواب إحرام الحج، حدیث 1.
[4] وسائل الشیعة، باب 12 من أبواب کتاب الإيمان، حدیث 12.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo