< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/06/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: ترك صلاة الطواف عمداً
 البحث في المسألة الرابعة من المسائل صلاة الطواف. وبقي في ذيل مسألة أمران، وسنعالج في هذا البحث الأمر الثاني:
 الأمر الثاني: الذي ترك صلاة الطواف عمداً، ورجع إلى بلده، فتارة يستطيع الرجوع ليصلي صلاة الطواف وتارة لا يستطيع.
 السيد الماتن لم يتعرض لهذه المسألة ولم يتعرض أغلب الأصحاب لحالة العمد كذلك. يمكن أن يكون السبب في ذلك أن الذي يذهب لحج بيت الله لا يترك صلاة الطواف عمداً.
 ولكن من عصر الشهيد الثاني وما بعد تطرق جمع من العلماء لهذا البحث أمثال صاحب المستند وصاحب الرياض وصاحب الحدائق وصاحب الجواهر.
 
 أقوال العلماء
 يقول صاحب المستند نقلا عن صاحب المسالك: جعل العامد كالناسي ولا وجه له بل استشكل بعضهم كصاحبي المدارك والذخيرة في صحة الأعمال المتأخرة عنها (أي هناك إشكال في صحة الأعمال بعد الطواف مثل السعي وغيره) ونفى الأخير (صاحب الذخيرة) البعد عن بطلانه (يعني يبعد بطلان الأعمال المتأخرة عن صلاة الطواف) [1] .
 يقول صاحب الحدائق: ولا يخفى أن ما نقلناه من الأخبار إنما يتعلق بحكم الجاهل والناسي وأما التارك لهما (ركعتي الطواف) عمداً فلم أقف على خبر يتضمن الحكم فيه وكذا الأصحاب (رضوان الله عليهم) لم يتعرضوا لذكره (ذكر العامد) إلاّ ما صرح به في المسالك ويجب العود مع التمكن (حتى لو كان هناك مشقة) ومع التعذر يصليهما حيث أمكن (المقصود أن تلك الصلاة تبقى في ذمته فمتى ما استطاع رجع وصلى تلك الركعتي) [2] .
 يذكر صاحب الرياض شبيه هذا المطلب ويشكل في صحة الأعمال المتأخرة كذلك [3] .
 طبعاً لا يخفى أن صلاة الطواف واجب مستقل، وليست من شرائط صحة الطواف، فتأخيرها لا يضر بالطواف.
 من هنا فعند عدم وجود رواية في البين فيجب حل الموضوع عن طريق القواعد، بالأخص أن أغلب الأصحاب لم يذكر هذه الحالة.
 أولا: إن الشخص المذكور قد عصى وأذنب.
 فإذا وصل إلى مكان يستطيع الرجوع، ولكن رجوعه فيه عسر وحرج، فلماذا لا تشمله أدلة الحرج؟
 مثلاً: إذا ارتكب شخص عمداً ما يمرضه، فلم يستطع الصوم، فلا يقول أحد بوجوب الصوم عليه بل تشمله أدلة العسر والحرج.
 أدلة العسر والحرج للامتنان، فإنه وإن ارتكب عملاً محرماً في الابتداء، ولكن عند الانتهاء منه يكون مشمولاً للامتنان الشارع مثل الذي يريق ماء الوضوء عمداً أو من يأخر صلاته عمداً إلى آخر الوقت بحيث يضيق الوقت للوضوء ففي هذه الحالة يجب عليه التيمم، وإن كان بلاؤه بسوء الاختيار.
 لا يقال انه مضطر للتيمم وإلا لأصبحت صلاته قضاءً. لأنه نقول: إذا كان الأمر كذلك لأوجبنا عليه قضاء الصلاة لأنه تعمد ترك الضوء للصلاة والحال أنه لا أحد يقول بوجوب القضاء عليه.
 بالأخص إذا تاب الذي ترك صلاة الطواف عمداً، ففي هذه الحالة فإن أدلة لا حرج ولا ضرر تشمله قطعاً.
 ثانياً: الذين قالوا إن صلاة الطواف تبقى في ذمة المكلف ومتى ما استطاع فعليه الرجوع وصلاة ركعتي الطواف، فإنه لا يوجد شيء في الحج أي لا يوجد أي جزء من أجزاء الحج يبقى في ذمة المكلف.
 ففي هذا المورد يلغي العرف خصوصية الناسي ويجرين على العامد فإن قول المحقق: العامد في حكم الجاهل والناسي فهو بسبب إلغاء الخصوصية.
 ثالثاً: لا دليل عندنا على الترتيب الذي ذكره بعض الفقهاء حيث قالوا إذا ترك شخص صلاة الطواف فإن أعماله التالية باطلة كذلك مثلاً: إذا لم يصم شخص يوم من أيام شهر رمضان فلا دليل على أن صيام أيامه التالية باطلة كذلك.
 أعمال الحج وأن كانت واجب واحد، ولكن لا دليل على أن كل واجباته تتعلق ببعضها بحيث إذا ترك أحدها فإن يبطل ما بعده. فإن هذا الأمر يحتاج إلى دليل خاص، وإذا لم يوجد فلا يمكننا أن نقول بذلك.
 وإذا كان الترتيب شرطاً فيجب قول هذا الأمر في حق الناسي كذلك لأن الناسي لم يأت بصلاة الطواف فيجب أن تكون أعماله التالية باطلة كذلك، وعدم القول ببطلان أعماله علامة على أن الترتيب ليس شرطاً في هذه الأعمال.
 وإذا شككنا في أن الترتيب شرط أو لا تجري أصالة البراءة ولا يكون مراعاة الترتيب شرط.
 المسألة الخامسة: يقول السيد الماتن: لو مات وكان عليه صلاة الطواف يجب على ولده الأكبر القضاء.
 إذا ترك شخص صلاة الطواف عمداً أو جهلاً أو نسياناً، أو إنه لم يتركها ولكنه أخر صلاته ولم يأت بها فوراً، فمات في الأثناء، فعلى ولده الأكبر أن يقضي عنه صلاة الطواف، أن استطاع في مكة، وإلا قضاها عن أبيه في بلده.
 
 أقوال العلماء:
 بينت هذه المسألة في الروايات، وقد ذكرها كثير من العلماء.
 وعندما نقل صاحب الجواهر أصل الفتوى عن المحقق بوجوب قضاء الولد الأكبر أو ولي الميت الصلاة عن الميت يقول: ذكره المصنف والفاصل والشيخ وبنو زهرة وإدريس وسعيد [4] .
 طبعاً القائلون أكثر من الذين ذكرهم.
 وقد نسب صاحب الحدائق هذا الأمر إلى الأصحاب حيث يقول: قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو مات ولم يأت بهما وجب قضائهما على وليه [5] .
 يقول صاحب المستند: لو مات الناسي لهما ولم يصلهما قضاهما عنه الولي من لا خلا بينهم يعرف [6] .
 ثم يذكر روايتين (سنتعرض لهما لاحقا) ويقول: بأن دلالتهما غير تامتين ثم ينهي المسألة بالاختياط ولا يفي.
 وصاحب الرياض بعد أن يذكر إن جماعة ذكروا هذا الكلام يقول: من غير خلافٍ فيه بينهم أجده [7] .
 ومن مجموع هذه الكلمات يستفاد أن جماعة من القدماء والمتأخرين يفتون بذلك، والباقي قد سكت عن الموضوع ولم يذكر أي مخالف للمسألة.
 
 دليل المسألة:
 هناك ثلاث روايات في هذا الشأن مروية عن عمر بن يزيد، ونحن لم نقبل توثيقة.
 وقد أبهم الأمر في شأنه وقد بحثنا وحققنا عنه أكثر. ففي الرجال ثلاثة أشخاص باسم عمر بن يزيد، وأحدهم عمر بن يزيد بياع السابري الثقة (السابري تعريب شاپوري وهو قماش مرغوب كان يرسل من ايران إلى الحجاز). والآخر عمر بن يزيد الذبيان، وهو محل خلافٍ. وهناك شخص ثالث كذلك ويقولون إنه متحد مع الأول.
 وللبحث صلة.


[1] المستند، ج 12، ص 149.
[2] الحدائق الناضرة، ج 16، ص 147.
[3] الرياض، ج 7، ص 29.
[4] جواهر الكلام، ج 19، ص 306.
[5] حدائق الناضرة، ج 16، ص 147.
[6] المستند، ج 12، ص 151.
[7] الرياض، ج 7، ص 29.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo