< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/06/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: الفورية في صلاة الطواف وصلاة الطواف المستحب
 البحث في المسائل المتعلقة بصلاة الطواف، وقد أنهينا المسائل الست الموجودة في تحرير الوسيلة وفي الختام نبحث في مسائل لم تذكر في متن التحرير.
 كانت المسألة الأولى عن الفورية في صلاة الطواف وقد طرحنا سؤال وهو هل هذه الفورية واجبة أو لا؟ وفي حالة وجوبها فهل وجوبها تكليفي بمعنى إذا لم يراعها الفرد فقد أثم أو أن وجوبها وضعي ومع عدم مراعاتها تبطل الصلاة ويبطل الطواف كذلك وإذا لم يعاد الطواف والصلاة يبطل الحج، ويلزم من هذا القول أن الذي لم يراع الفورية في طواف النساء يبقى محرماً حتى يحج مرة أخرى أو أن يستنيب قلنا أن ظواهر الأدلة تدل على فورية صلاة الطواف وفي النظرة البدوية فإن الفورية تشرط، وذاك بسبب القاعدة الكلية التي تقول: إن الأوامر في الأجزاء والشرائط والموانع ظاهره الحم الوضعي، وعليه فإن الفورية في صلاة الطواف شرط لصحة صلاة الطواف وبالتالي شرط لصحة الطواف وشرط لصحة الحج.
 وقد عرضنا القرائن التي تؤيد أن الوجوب المذكور تكليفي لا وضعي، فقد ورد في الروايات إن الناسي أو الجاهل (سواء الجاهل القاصر أو المقصر) يمكنه أن يصلي ركعتي الطواف في بلده. فإذا كان رعاية الترتيب لازماً فما كان يصح أدوها مع التأخير في الوطن، لاسيما في حالة مات الشخص فإن على وليه قضاء الصلاة عنه. فهذه القرائن تدل على أن الترتيب المذكور لا كالترتيب في أجزاء الصلاة لأن الشخص إذا نسي جزء في الصلاة ولم يراع الترتيب فكل صلاته باطلة.
 إن قلت: إن الإخلال بالترتيب في أجزاء الصلاة.
 إن قلت: إن الإخلال بالترتيب في بعض أجزاء الصلاة يمكن الإتيان به بعد الصلاة مثل الذي تشهد ونسي سجدة فيمكنه بعد الصلاة الإتيان بها وصلاته صحيحة.
 قلت: في السجدة المنسية وأمثالها يجب الإتيان بها بعد الصلاة مباشرة، ولا يجب أن يفصل بينها وبين الصلاة بشيء على عكس ما نحن فيه فإن الإتيان به في بعض الأحيان قد يكون بعد فاصل طويل.
 لا أقل فإن لدينا شك في كون الوجوب المذكور شرطي أو تكليفي ومع هذا المقدار من الشك يوجب جريان أصل البراءة عن الشرطية وصاحب الجواهر يقبل هذا المبنى ويقول: لیس فی عدم فعلهما بعد الطواف عمدا إلا الآثم و جوب القضاء کما ذکره ثانی الشهیدین لا بطلان ما تعقبهما من الأفعال [1] .
 بناءً عليه فإن مع عدم مراعاة الفورية في ركعتي الطواف، طواف النساء، لا يبطل بذلك الطواف والحج. أما على القول بالشرطية فإن هكذا شخص يبقى محرماً وتبقى زوجته محرمة عليه حتى يحج مرة أخرى، بالأخص مع وجود هذه المصاريف الباهظة في الحج، والمشاكل الكثيرة في سبيل الذهاب إلى بيت الله، وعليه فلا يمكن حتى القول بأن الاحتياط هو في الحج مرة أخرى لأن الفتوى بهذا الاحتياط بدون دليل سيجعل الناس في مشقة من أمرهم.
 الأمر الثاني: يمكن أداء صلاة الطواف المستحب في أي مكان من المسجد، ولا يلزم أداؤها خلف المقام.
 ويستفاد من هذه الفتوى أن للطواف المستحب صلاة، ولكن لا يجب أداؤها في مكان ثابت.
 وعلى هذا فإن الروايات وأن لم تصرح بوجوب صلاة الطواف للطواف المستحب ولكن الروايات بينت أن صلاة الطواف يمكن أداؤها في أي مكان من المسجد، وهذا الأمر يدل على وجوب ركعتي الطواف للطواف المستحب.
 
 أقوال العلماء:
 يقول صاحب الجواهر في هذا الشأن: أما النافلة فیجوز إيقاعهما فیها (في طواف النافلة) في المسجد حیث شاء کما نص علیه غیر واحد بل لم أجد فیه خلافا صریحا نصا و فتوى [2] .
 وقد عرض صاحب المستند هذا البحث بشكل أقوى ويقول: کل ما ذُکر إنما هو في صلاة طواف الفریضة وأما النافلة فلا یتعین لها قرب المقام بلا خلاف وفي المفاتیح و شرحه الإجماع علیه بل هو إجماع محقق [3] .
 ومعرفة أقوال العلماء في هذا الشأن سببه أنه في ما نبحث عنه وردت روايات ضعيفة حيث يجب تقوية سندها بعمل الأصحاب.
 
 دليل المسألة:
 الدليل الأول: الأصل.
 الأصل عدم شرطية الصلاة خلف المقام لركعتي الطواف المستحب. فنحن نعلم أن أصل صلاة الطواف لازمة ولكن لا نعلم هل هي مشروطة بأن تكون خلف المقام كصلاة الطواف الواجب أو لا؟ والأصل العدم أما القول أن الاطلاقات في الآيات والروايات تفيد أن الصلاة بعد الطواف يجب أن تكون خلف المقام، وأن الروايات مطلقة وكذلك الآية: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهيمَ مُصَلًّى [4] ، مطلقة كذلك وهي تشمل صلاة الطواف المستحب.
 ففي الإجابة عن هذا القول نقول: إن الإطلاق المذكور ممنوع لأن في الكثير من الروايات صرحت بأن الحكم المذكور يرجع إلى طواف الفريضة. وعليه فإن الإطلاقات المذكورة بقرينة الروايات السابقة تحمل على طواف الفريضة. بالأخص أن الروايات السابقة لها مفهوم فعندما يقول الإمام (عليه السلام): صلي بعد الطواف الواجب عند مقام إبراهيم. فإن مفهوم هذا القول هو أنه إذا كان الطواف مستحب فلا يلزم أن تكون الصلاة عند المقام.
 يضاف إلى ذلك فهناك روايات خاصة تصرح بأن صلاة الطواف النافلة يمكن أن تصلي في أي مكان من المسجد، وهذه الروايات جاءت في الباب 73 من أبواب الطواف.
 مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَحَدِهِمَا (عليهما السلام) قَالَ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ طَوَافِ الْفَرِيضَةِ إِلَّا عِنْدَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) وَ أَمَّا التَّطَوُّعُ (الطواف المستحب) فَحَيْثُ شِئْتَ مِنَ الْمَسْجِدِ [5] .
 والرواية لوجود عن بعض أصحابنا في السند فهي مرسلة وضعيفة، ولكن يمكن جبر الضعف بالإجماع.
 عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ كَانَ أَبِي يَقُولُ مَنْ طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ أُسْبُوعاً وَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي أَيِّ جَوَانِبِ الْمَسْجِدِ شَاءَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ سِتَّةَ آلَافِ حَسَنَةٍ [6] .
 فما يخص إبراهيم بن عمر اليماني الوارد في السند فقد وثقه النجاشي، وأيده في ذلك العلامة في خلاصة الكلام. ولكن ابن الغضائري قال في حقه أنه: ضعيف جداً.
 ولكن تضعيفات ابن الغضائري بسبب تشدده لا يؤخذ بها، ولهذا يقول العلامة: وإن كان تضعيف الغضائري يجعلنا نشك في الراوي المذكور ولكن الأرجح أنه ثقة.
 أما إسحاق بن عمار فليس هناك شك في وثاقته، وهناك كلام في مذهبه، والبعض أعتبره فطحي، بمعنى أنه يقول بإمامة عبدالله الأفطح بعد الإمام الصادق (عليه السلام) ويعتبره الإمام السابع. وقال البعض أن فطحيته غير ثابتة لأنه جاء في الرواية المعتبرة في الرجال أن إسحاق بن عمار جاء عند الإمام السابق، وقال له الإمام (عليه السلام) إنك ستموت في المكان الفلاني، فتعجب إسحاق؟ فقال له الإمام (عليه السلام): لقد كان رشيد الهجري يعلم علم المنايا والبلايا، والإمام (عليه السلام) في ذلك أولى بأن يعلم ذلك (فلماذا تتعجب؟).
 قيل أنه يستفاد من هذه الرواية بأن إسحاق بن عمار يقول بإمامة الإمام السابع لأن الإمام (عليه السلام) أثناء كلامه معه قد عبر عن نفسه بأنه إمام، وكأن الأمر كان مسلماً به.
 نقول: أن البعض قالوا: إن الفطحية تقول بإمامة الإمام السابع، ولكنهم يعتبرونه الإمام الثامن، والإمام السابع عندهم هو عبدالله الأفطح، فهم يقولون بإمامة ثلاثة عشر إماماً، وإذا كان هذا الكلام صحيحاً فالرواية المذكورة لا تنفي أنه كان فطحياً.
 على كل حال فإن الحديث المذكور صحيحاً حتى ولو كان الراوي المذكور فطحي لأن الفطحية لا تنافي الوثاقة والرواية المذكورة وأن لم تذكر الطواف المستحب ولكن الروايات التي تذكر إن صلاة الطواف الواجب يجب أن تكون خلف المقام قرينة على أن الرواية المذكورة ترجع إلى الطواف المستحب.
 مسألة: للذين يذهبون إلى مكة، ويذهبون عدة مرات إلى التنعيم للإحرام للعمرة.
 نقول: لا يوجد دليل إلى استحباب هذا الأمر، وبدل منه قوموا بالطواف المستحب فالرواية المذكورة تدل على استحباب هذا الأمر.
 مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى وَ غَيْرِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْبِلَادِ عَنْ أَبِي بِلَالٍ الْمَكِّيِّ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) طَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ صَلَّى فِيمَا بَيْنَ الْبَابِ وَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ رَكْعَتَيْنِ فَقُلْتُ لَهُ مَا رَأَيْتُ أَحَداً مِنْكُمْ صَلَّى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَالَ هَذَا الْمَكَانُ الَّذِي تِيبَ عَلَى آدَمَ فِيهِ (المكان الذي قبلت فيه توبة آدم) [7] .
 يجب حمل الرواية على الطواف المستحب لأن صلاة الطواف الواجب لا ينبغي أن تصلي في ذلك المكان.


[1] جواهر الکلام، ج 19، ص 308.
[2] جواهر الکلام، ج 19، ص 320.
[3] المستند، ج 12، ص 142.
[4] سورة البقرة، الآية: 125.
[5] وسائل الشیعة، ج 9، باب 73 من أبواب الطواف، حدیث 1.
[6] وسائل الشیعة، ج 9، باب 73 من أبواب الطواف، حدیث 2.
[7] وسائل الشیعة، ج 9، باب 73 من أبواب الطواف، حدیث 3.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo