< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/07/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: وجوب استقبال الجبلين في السعي وجواز الجلوس أثناءه وعلى الجبلين
 كان البحث في المسألة السادسة من مسائل السعي. يقول السيد الماتن: يعتبر عند السعي إلى المروة أو إلى الصفا الاستقبال إليهما، فلا يجوز المشي على الخلف أو أحد الجانبين، لكن يجوز الميل بصفحة وجهه إلى أحد الجانبين أو إلى الخلف، كما يجوز الجلوس و النوم على الصفا أو المروة أو بينهما قبل تمام السعي و لو بلا عذر.
 في المسألة فرعان:
 الأول: اعتبار الاستقبال في السعي.
 الثاني: جواز الجلوس والنوم في أثناءه.
 
 الفرع الأول: اعتبار الاستقبال في السعي:
 أقوال العلماء:
 المشهور عندهم هو اعتبار الاستقبال وقد أدعى صاحب المستند عدم الخلاف فيه. وقال: السادس (من شرائط السعي) استقبال المطلوب (الصفا و المروة) بوجوه بغیر خلاف أيضا کما فی الکتاب المذکور فیستقبل المروة عند الذهاب إليه من الصفا و الصفا عند الذهاب إليه من المروة فلو مشی عرضا أو قهقهرا لم یصح لما ذکر فی سابقه بعینه [1] .
 وقال صاحب الجواهر: و یجب فیه أيضا استقبال المطلوب بوجهه فلو اعترض أو مشی القهقرا لم یجز کما فی الدروس أو غیرها [2] .
 
 دليل المسألة:
 لم يرد فيه نص خاص ومع ذلك استدلوا عليه بأمرين:
 الأول: أنه خلاف المعهود، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يسعى بوجهه ولم يعهد منه أنه مشى عرضاً أو إلى القهقراء ويضم قوله (صلى الله عليه وآله) خذوا عني مناسككم ينتج اعتبار الاستقبال.
 وكذلك سيرة المسلمين دلت على اعتباره فأنهم يسعون مستقبلين بوجوههم الصفا أو المروة.
 الثاني: انصراف إطلاق الأدلة وأصالة البراءة:
 اطلاقات الدالة على كون سعياً من الصفا إلى المروة وكذا العكس تنصرف إلى المعهود منه.
 وعليه فلو نظر يمينا أو شمالاً أو نظر إلى الوراء ليفحص عن رفقائه فلا بأس به.
 نعم لو وقف واستدبر بتمام جسده وأراد الحركة عليه أن يستقبل الصفا والمروة ثم يتوجه نحوهما. ولو شككنا أن النظر يمينا أو شمالاً يوجب بطلان السعي أم لا؟ الأصل عدم المانع. أي تجري أصالة البراءة عن المانعية فيحكم بصحة السعي.
 
 الفرع الثاني: جواز الجلوس والنوم في أثنائه:
 أقوال العلماء
 قال صاحب المسالك: إنه المشهور [3] .
 وقال صاحب الرياض: علی الأشهر الأظهر بل لا خلاف فیه یظهر إلا من الحلبیین فمنعا عنه مطلقا و جوازا فیه الوقوف خاصة و هما نادران بل علی خلافهما الإجماع الآن [4] .
 وقال صاحب المستند: و یجوز الجلوس فی خلاله للراحة علی الأظهر الأشهر [5] .
 وقال صاحب الجواهر: الجلوس علی الصفا و المروة مما لا خلاف فیه بل الإجماع علیه بقسمیه أما الجلوس بینهما مشهور [6] .
 ثم ذكر مخالفة الجبلين وقال أنهما لم يخالفا في الجلوس على الصفا والمروة وإنما خالفا في الجلوس أو خلاله.
 دليل المسألة:
 وردت روايات عديدة تدل على جواز الاستراحة على الصفا والمروة وبينهما.
 منها: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنِ الْحَلَبِيِّ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ أَ يَسْتَرِيحُ قَالَ نَعَمْ إِنْ شَاءَ جَلَسَ عَلَى الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ وَ بَيْنَهُمَا فَلْيَجْلِسْ [7] .
 الرواية صحيحة سنداً وأما دلالة فهي تدل على جواز الجلوس على الصفا والمروة ومن بينهما..
 منها: ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ فِي حَدِيثٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَدْخُلُ فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ يَجْلِسُ عَلَيْهِمَا قَالَ أَوَ لَيْسَ هُوَ ذَا يَسْعَى عَلَى الدَّوَابِّ [8] .
 والرواية من حيث السند صحيحة، ومن حيث الدلالة فالإمام (عليه السلام) يستشهد بالجلوس على الدواب في حال السعي على جوازه على الصفا والمروة كأن الجلوس عليهما غير جائز يلزم أن لا يكون جائزاً على الدواب أيضاً ولكن الجلوس عليها جائز فكذلك عليهما أيضاً.
 يمكنك أن تقول: إن هذا قياس مع الفارق فأنه على الدواب جالس متحرك ولكن جلوسه عليهما سكون لا حركة فيه.
 لكن يمكن أن يقال إن كلامه هذا من باب التقريب الذهن لا إنهما من مقولة واحدة ومما بلغت انظر أن صاحب الجواهر لم يستند إلى هذه الرواية فكأنه لا يراها صالحة للاستدلال.
 منها: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ فِي‌ حَدِيثٍ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَجْلِسُ عَلَى الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ قَالَ نَعَمْ [9] .
 الرواية صحيحة وهي تدل على جواز الجلوس عليهما.
 منها: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) الرَّجُلُ يُعْيِي فِي الطَّوَافِ أَلَهُ أَنْ يَسْتَرِيحَ قَالَ نَعَمْ يَسْتَرِيحُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَبْنِي عَلَى طَوَافِهِ فِي فَرِيضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي سَعْيِهِ وَ جَمِيعِ مَنَاسِكِهِ [10] .
 
 الرواية المعارضة:
 عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ لَا يَجْلِسُ بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ إِلَّا مَنْ جَهَد [11] .
 الرواية صحيحة سنداً وهي تدل على الجلوس في حال الضرورة دون الاختيار.
 وهي ناظرة إلى بين الصفا والمروة لا على الجلوس عليهما ولعلها هي وجه في لغة الجبلين والتفصيل بين الحالتين.
 
 الجمع بين الروايات:
 يمكن الجمع بين الطائفتين يحمل الظاهر على النص، فالرواية الناهية ظاهرة في النهي والروايات المجوزة نص في الجواز فتحمل الرواية المعارضة على الكراهية فيحصل الجمع.
 
 بقي هنا شيء:
 لم يتعرض السيد الماتن إلى شيء وهو هل الموالاة يشترط في السعي أم لا؟ بعبارة أخرى ما هو مقدار الاستراحة في السعي بحيث لو استراح وأخلّ بالموالاة في السعي، كما لو أتى بأشواط ثم ذهب إلى محل الاستراحة وبقي فيها ساعات ثم أتى وأكمل سعيه، هل هذا يخلّ بالسعي أما لا؟
 عند الشك في مراعاة الموالاة في السعي والاطلاقات أي الروايات المطلقة الدالة على إتيان سبعة أشواط من دون قيد الموالاة.
 ويظهر من بعض المتأخرين (كصاحب الرياض) نوع ميل إلى وجوب الموالاة للتأسي أي التأسي برسول الله (صلى الله عليه وآله) فأنه لم يسترح ولم يتم في السعي والأخذ بالقدر المتيقن فكان للاطلاقات قدر متيقن يلزم الأخذ به وهو صورة مراعاة الموالاة.
 ثم إن صاحب المستند بعد أن ذكر الدليلين ناقش فيهما وقال: أما التأسي فهو عام وأما القدر المتيقن فلا أثر له في وجود الاطلاقات.
 نقول: إنه (صلى الله عليه وآله) قال خذوا عني مناسككم وهو لم يسترح في السعي ولم ينم فيه ولو مرّة، فكيف يتلاءم القول بالتأسي به وترك السعي في الأثناء والاستراحة فيه مع أنه لم يعهد منه ذاك.
 ثم إن الاطلاقات تنصرف إلى إتيان الأشواط بشرط الموالاة ولا تعمّ المصاديق النادرة. ومع ذلك كله أن الروايات العديدة دلت على عدم اشتراط الموالاة في السعي فالروايات الدالة على أنه لو سعى وتذكر في أثنائه نقصان طوافه عليه أن يرجع إلى البيت ويتمّ طوافه ثم يعود ويتم سعيه ومعلوم أن ذهابه إلى البيت وإكمال الطواف مما يوجب عدم الموالاة في السعي ومع ذلك لم يأمر الإمام بإعادة السعي بل أمره بإتمام سعيه.
 فعلينا أن نبحث عن مدلول الروايات، فهل هي ناظرة إلى مورد خاص وهو الجاهل والناسي أو يمكن القول بإلغاء الخصوصية فتعم عامد أيضاً.
 والظاهر بشكل القول بإلغاء للخصوصية وبناء عليه تشترط الموالاة إلاّ في مورد الضرورة أي تجوز الاستراحة أو النوم على الصفا والمروة وبينهما بشرط أن لا تضر بالموالاة.


[1] مستند الشیعة، ج12، ص170.
[2] جواهر الکلام، ج19، ص423.‌
[3] المسالك، ج2، ص358.
[4] ریاض المسائل، ج7، ص120.‌
[5] مستند الشیعة، ج12، ص186.
[6] جواهر الکلام، ج19، ص428.‌
[7] وسائل الشیعة، ج13، ص501، أبواب سعی، باب20، حدیث1.‌
[8] وسائل الشیعة، ج13، ص501، أبواب سعی، باب20، حدیث2.‌
[9] وسائل الشیعة، ج13، ص501، أبواب سعی، باب20، حدیث3.‌
[10] وسائل الشیعة، ج13، ص388، أبواب سعی، باب46، حدیث1.‌
[11] وسائل الشیعة، ج13، ص501، أبواب سعی، باب20، حدیث4.‌

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo