< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/07/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: حكم الموالاة بين الطواف والسعي وحكم من ترك السعي
 سبق منا أن الحلبيين في كتابه الكافي والغنية خالفا المشهور في الاستراحة في السعي ولكن وجمل كلامهما في الجواهر على الأثناء لا عليهما وهو الحق، راجع كلاهما تجد صحة ذلك.
 
 بقي هنا شيء:
 ذكرنا سابقاً أنه لا يجوز تأخير السعي من بعد الطواف إلى الغد ويجوز تأخيره إلى الليل وعليه فلو طاف بالبيت قبل طلوع الفجر بساعة أو ساعتين ثم طلع الفجر هو دخل في الغد فلا يمكنه أن يأتي بالسعي أم لا؟
 الجواب: لم يحدد أحد من العلماء الطواف بحين دون آخر فيمكنه الطواف في كل آنٍ من الأنات وبناء عليه فلو طاف قبل طلوع الفجر ووصل إلى الغد يمكنه أن يأتي بالسعي في ذلك الوقت وأدلة (لا يجوز إلى الغد) منصرفة عنه.
 كما لو طاف قبل ذلك وأراد الجلوس للاستراحة ودخل في الغد فأنه لا إشكال أن يسعى فيه لأن أدلة (لا يجوز إلى الغد) أيضاً منصرفة عنه.
 نعم لو طاف في الليل وأراد التأخير إلى الغد فحينئذ دليل (لا يجوز إلى الغد) يشمله فلا يجوز التأخير إلى هذا المقدار.
 المسألة الثامنة: السعي عبادة تجب فيه ما يعتبر فيها من القصد و خلوصه و هو ركن، و حكم تركه عمدا أو سهوا حكم ترك الطواف كما مرّ.
 ففي المسألة فرعان:
 1ـ السعي عبادة يحتاج إلى نية.
 2ـ هو ركن من أركان الحج.
 الفرع الأول: السعي عبادة يحتاج إلى نية
 فأعلم أن قصد القربة في العبادات من البديهيات والضروريات في الدين ومناسك الحج كلها عبادة ومنها السعي فيحتاج إلى قصد القربة وهو ليس من التوصيات حتى نقول بعدم اشتراطها فيه.
 ثم إن هذا يرتبط بباب النية وتعرضوا العصا في باب الوضوء شروحاً وذكروا هناك إن النية هي أخطار بالبال وإحضار في الذهن أو أنها كامنة في النفس؟
 فلو توضئ وأتى المسجد حتى يصلي الظهرين، هل يجب عليه أن ينوي أربع ركعات عن الظهر قربة إلى الله تعالى أو نفس نية الصلاة يكفي في ذلك؟
 أرى أن الأخطار بالبال غير لازم لم يقم عليه دليل والشرط في العمل أن يستند إلى الله تعالى وهو حاصل.
 فمثلاً لو أن شخصاً أراد تناول الطعام، نفس جلوسه على المائدة دليل على قصد تناوله ذلك ولم يتلفظ بأي شيء.
 من شرط النية أن تكون مستمرة إلى آخر عمله ومع ذلك لم يشترط أحد الأخطار بالبدل في الاستمرار وبناء عليه لا يشترط الأخطار في بداية العمل.
 ومن ثم لا يشترط عليه أن يخطر بباله النية في أول جزء من السعي بل نفس الإتيان السعي يكفيه في ذلك، خصوصاً إن الأخطار بالبال مما يوجب الوسواس.
 
 الفرع الثاني: في ركنية السعي
 قال السيد الماتن: هو ركن وحكم تركه عمداً وسهواً حكم الطواف.
 بمعنى أنه لو تركه عمداً بطل حجه ولو تركه سهواً تدارك وأن لم يكن استناب.
 تعرض السيد الماتن إلى صورتي العمد والسهو دون الجهل ونتعرض له فيها بعد إن شاء الله تبعاً لصاحب الجواهر.
 أما حكم تركه عمداً: فقد أدعى الإجماع على بطلانه فيما لو تركه عمداً.
 قال صاحب الرياض: الطواف رکن فلو ترکه عمدا، عالما بان لا یأتي به في وقته بطل حجه او عمرته بلا خلاف و لا إشكال [1] .
 قال صاحب المستند: من ترك السعی حتی انقضی وقته فان کان متعمدا بطل حجته أو عمرته إجماعا محققا و محکیا فی کلام جماعة [2] .
 وسبق منا حكم تركه سهواً وبقي حكم تركه جهلاً.
 
 ما حكم الجاهل
 قال صاحب المستند: حكمه حكم العامد ولا فرق بين القاصر والمقصر فلو تركه جهلاً بطل حجه [3] .
 وصاحب الجواهر قد أدعى الإجماع على بطلان حجه في صورة العمد والعود والاستنابة في صورة السهو، وعطف الجاهل على العامد وقال ببطلان حجه أيضاً [4] .
 ثم نقل عن أبي حنيفة إن السعي واجب لكنه ليس بركن فلو تركه عليه دم. (فالسعي عند واجب غير ركني).
 ونقل عن أحمد بن حنبل إن السعي مستحب ليس بواجب ولعله استفاد ذلك من ظاهر قوله تعالى فلا جناح عليه.
 
 دليل المسألة في الترك العمدي:
 الأول: تقتضي القاعدة هو أن الواجب لو ترك جزء منه عمداً بطل، لأنه غير المأمور به.
 الثاني: الروايات منها صحيحة معاوية بن عمار:
 مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فِي رَجُلٍ تَرَكَ السَّعْيَ مُتَعَمِّداً قَالَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ [5] .
 الرواية صحيحة سنداً وهي تدل على بطلان الحج.
 عَن يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) مَنْ تَرَكَ السَّعْيَ مُتَعَمِّداً فَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ [6] .
 وهي كالسابقة سنداً ودلالة.
 مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنِ النَّخَعِيِّ أَبِي الْحُسَيْنِ يَعْنِي أَيُّوبَ بْنَ نُوحٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي‌ عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ تَرَكَ السَّعْيَ مُتَعَمِّداً قَالَ لَا حَجَّ لَهُ [7] .
 ويبدو أنها رواية واحدة رويت بطرق ثلاث. وهي تدل على بطلان الحج فيما لو ترك السعي عمداً.
 
 دليل المسألة: في الترك السهو
 أما القاعدة: فمقتضاها أن النسيان يوجب البطلان لأن الأحكام الشرعية متعلقها الواقع لا الظاهر وبناءً عليه فلو ترك السعي سهواً بطل حجه لأنه لم يأت بالمأمور به، ومع ذلك دلت الروايات على صحة الحج والرجوع إلى إتيان السعي أن أمكن أو الاستنابة فيه أن لم يمكن.
 
 أما الروايات:
 وهي على قسمين فبعضها تدل على الرجوع إلى السعي فقط وبعضها تشير إلى النيابة فقط ومن مجموع الطائفتين بظهر الحال.
 مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنِ النَّخَعِيِّ أَبِي الْحُسَيْنِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ قُلْتُ لَهُ رَجُلٌ نَسِيَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ قَالَ يُعِيدُ السَّعْيَ قُلْتُ فَإِنَّهُ خَرَجَ قَالَ يَرْجِعُ فَيُعِيدُ السَّعْيَ إِنَّ هَذَا لَيْسَ كَرَمْيِ الْجِمَارِ إِنَّ الرَّمْيَ سُنَّةٌ وَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ فَرِيضَةٌ [8] .
 ذكر فيها الرجوع إلى السعي دون الاستنابة.
 عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُوسَى بْنِ الْحَسَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ الْمُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ أَنْ يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ فَقَالَ يُطَافُ عَنْهُ [9] .
 والرواية وأن كانت ضعيفة لكن قد عدل بها الأصحاب والمذكور فيها الاستنابة لا الرجوع إلى السعي.
 مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا (عليهما السلام) قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ أَنْ يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ قَالَ يُطَافُ عَنْهُ [10] .
 والرواية كالسابقة ذكر فيها الاستنابة دون الرجوع إلى السعي.
 والجمع بينهما: أنه لو أمكنه الرجوع، يرجع وأن لم يمكنه فيستنيب.
 أما حكم الجاهل:
 الأكثر عطف الجاهل بالعامد وحكم عليه بالبطلان وهو تقضي القاعدة لأنه لم يأت بالمأمور به صحيحاً.
 وبناءً عليه يشكل حكم الجاهل لأن أكثر الناس يجهلون الأحكام، فإذا قلنا ببطلان حجهم لو تركوا السعي جهلاً، يصعب عليهم الأمر، لأن لازمه أن يأتوا به من قابل وهذا لا يمكن خصوصاً في زماننا هذا.
 والعامد نادرٌ وهو مع علمه بوجوب السعي يتركه فتجب عليه إعادة الحج.
 لكن الجاهل إن تركه جهلاً لا عمداً فلا يمكن الحكم عليه بالإعادة ويمكن حل مشكلة الجاهل على النحو التالي:
 أولا: حديث الرفع يكون حاكماً على القاعدة وهو يشمل الجاهل بكلا وجهيه (القاصر والمقصر).
 لسان حديث الرفع هو أن ركنية السعي مختصة بصورة العمد فحسب فهو حاكم على الأحكام الأولية.
 ثانياً: استثنى الجاهل بالحكم في الموارد المشابهة فهو كذلك في المقام.
 وبناء عليه فلا يبعد القول بعطف الجاهل بالناسي لا العامد.
 
 


[1] ریاض المسائل، ج7، ص76.
[2] مستند الشیعة، ج12، ص174.
[3] مستند الشیعة، ج12، ص174.
[4] جواهر الکلام، ج19، ص429.
[5] وسائل الشیعة، ج13، ص484، أبواب السعي، باب7، حدیث18262.
[6] وسائل الشیعة، ج13، ص484، أبواب السعي، باب7، حدیث18263.
[7] وسائل الشیعة، ج13، ص484، أبواب السعي، باب7، حدیث18264.
[8] وسائل الشیعة، ج13، ص484، أبواب السعي، باب7، حدیث18265.
[9] وسائل الشیعة، ج13، ص484، أبواب السعي، باب7، حدیث18266.
[10] وسائل الشیعة، ج13، ص484، أبواب السعي، باب7، حدیث18267.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo