< قائمة الدروس

الأستاذ السید المکي

بحث الأصول

34/03/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول \ اصالة الاحتياط
  في أصالة الاحتياط (تابع )
 ما ورد في روايات عدة وبألسنة متقاربة : الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة , ووجه الدلالة التمسك بلفظ الشبهة الذي غدى كمصطلح لدى المتأخرين من الأصوليين فاستعمل مصطلح الشبهة الوجوبية , الشبهة التحريمية .
  والرواية تطلب الوقوف عندها وهو معنى الاحتياط , وللنقاش في الاستدلال مجال لا كما ذكر الشهيد رحمه الله أو غيره بأنها ضعيفة بمختلف الطرق بل في بعضها سند صحيح لأن محمد ابن ابي حمزة نصّ حمدويه ابن نصير على انه مع اخوته من الثقاة وان لم يوثقه النجاشي , ووجه التأمل : أن عبارة الاقتحام فيها رائحة العجلة والتسرّع وهذا لا يقول به حتى القائل بالبراءة اذ لا يجوز جريانها قبل الفحص وهذا قد يوجه الرواية الى العلم الاجمالي أو الى العجلة قبل اجراء الفحص والقول بالبراءة .
  وايضا : ان الرواية ذكرت في سياق الطلاق على غير السنّة وفي سياق بلوغ خبر بحرمة الزواج من امرأة وهذا يجعل الرواية المطلقة تحتمل القرينة المتصلة ولعل الراوي رآها علة فأفردها وقد ذكرنا غير مرة : بأن احتمال القرينة المتصلة مخلّ بالعموم والاطلاق سيما أن الرواية عللت بأن أمر النساء شديد ومنه يكون الولد، وعلى فرض تسليمنا فهي خاصة بالموارد المشدد عليها وهي شبهة موضوعية , أما ما ذكره الشهيد رحمه الله من أن الشبهة تطلق على المثل وهو مصطلح ساد قديما في الدعوات المغلفة بثوب الدين والحق كدعوة الخوارج ودعوة ابن سبأ "لعنه الله" ولذا هذه الروايات موجهة للدعوات الباطلة المتسترة بمثيل الحق .
  وفيه أن الروايات جاءت في سياق الشك والسؤال عن الزواج ممن طلقت على غير السنة وكذا الزواج بمن بلغه أنه ارتضع منها. نعم ورد في الرواية ذكر الهلكة مما يدل على وجود تنجز مفروغ عنه فلا يكون الأمر مولويا هنا فهي ارشاد لأمر لا يصح اقتحامه لتنجزه وهذا ينطبق على الشبهة والبراءة قبل الفحص أو الشبهة مع العلم الاجمالي وأضيف: ما أشرنا اليه سابقا من أن الأحكام الظاهرية متنافية أيضا لأنها مجعولة للحفاظ على الواقع فالبراءة تعني أهمية الحل والاحتياط يعني أهمية المنع وهما متنافيان .
  وما ينبغي ذكره أن القائل بالبراءة لا يعني عدم الالتزام بالاحتياط مطلقا فانه مدرك عقلي قطعي لأننا كإمامية نرى أن الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد ولما كانت العبارة بعنوان "خير" كان الاولى أن توجه بتأكيد هذا المعطى العقلي والإرشاد اليه .
 ومنها : ما سمي بروايات التثليث كرواية جميل ابن صالح عن الصادق عليه السلام عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله : الأمور ثلاثة أمر بيّن لك رشده فاتبعه , وأمر بين لك غيّه فاجتنبه , وأمر اختلف فيه فرده الى الله سبحانه . ووجه الدلالة الأمر بالرد كوسط بين الاقدام وبين الاحجام وهو معنى التوقف والاحتياط . ونلاحظ : أن مصطلح الرشد مغاير لمصطلح الحكم فهو في مقابل الغي والضلال ولذا يناسب الأمور العقائدية والدعوات الفكرية ويكون ذلك مقابل الرأي والمزاج ولذا أمرنا أن نرده الى الله وأيضا : فان القسم الثالث ورد بعنوان ما اختلف فيه وهذا لا ينطبق على الشبهة الحكمية ولا أقل من احتمال ذلك والمخل بالظهور في الشك بالذي نريد . وأيضا فان المستدل بالبراءة لم يستدل بظن أو شك بل بالكتاب والسنة فهو من البين رشده.
  وعلى أي حال فالرواية ضعّفها بعضهم بجميل ابن صالح مع أنه من الثقاة , وانما الصحيح ضعفها بالحارث بن محمد ابن النعمان اذ لا طريق لتوثيقه .
  وأما الروايات الأخرى فهي مراسيل وروايات وردت لدى الآخرين وسندها لا يستند اليه . وفي الختام لو فرضنا أن أدلة الاحتياط تامة وليست ارشادية لحسن الاحتياط , وقد عرفت أن الاحكام الظاهرية متعارضة فان البراءة في الميزان أعم وأشمل فإنها تشمل الحكمية والموضوعية والتحريمية والوجوبية وما قبل الفحص وفي العلم الاجمالي . وأما الاحتياط فهو أخص فان ما تمّ هو في الموضوعية والتحريمية وشامل للعلم الاجمالي والشبهة قبل الفحص ومن الواضح أن الخاص يتقدم بخصوصه ويبقى الباقي تحت العام .
 والحمدلله رب العالمين

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo