< قائمة الدروس

آیةالله السید محمدتقی المدرسي

بحث الفقه

37/12/15

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: مقدمات البحث/ كتاب الضمان

بعد الإنتهاء من كتاب الحجر وصلت النوبة إلى كتاب الضمان ولإستيضاح فكرة الضمان وما يليها من أبواب الحوالة والكفالة لابد من التمهيد بمقدمة:

الضمان فرع المسؤولية

لقد منح الله سبحانه الإنسان قدراً من حرية التصرف في حدود مشيئته سبحانه وكما قال سبحانه: (وَ ما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمين‌).

وفي إطار هذا المقدار من الحرية استطاع أن يسخر ما في الأرض لخدمته، وبها تمكن من التصرف في نفسه وذلك يعني استطاعته أن يتخذ القرارات التي تجلب المنفعة لنفسه، بل ويقرر أحياناً ما فيه ضرره، كما يقر أحياناً بالدين والجريمة، وكما قيل إقرار العقلاء على أنفسهم جائز، وأن الإقرار سيد الأدلة.

ومن أبعاد التصرف في النفس التصرف فيما يرتبط بالتعهد، أي التعهد بالذمة، وذمة كل شخص تعني كيانه وشخصيته وكل وجوده، من ذلك العهد والقسم مع الله سبحانه: (وَ لَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَ كانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلا).

وقد يكون العهد مع الناس على أقسام:

فقسم منها أن يقابل التعهد تعهدٌ آخر، فيتعهد لتعهد ذلك وبتعهده، وهذا الذي يطلق عليه حديثاً بـ"التزام بالتزام"، فيتم ربط هذا العهد والتعهد بالعهد المقابل.

وقد لا يكون كذلك، بل يكون تعهداً من جانبٍ لآخر دون وجود مقابل، وفي هذا القسم لو قرن التعهد بإسم الله سبحانه وجب عليه الأداء لأنه يخرج من إطار الوعد للناس إلى العهد مع الله سبحانه، وإلا استحب مؤكداً أن يفي بمضمون العهد لأن وعد الحر دين كما قيل.

عقد الضمان

وبالرغم من أن الضمان التزامٌ من طرفٍ واحد ولكن لوجود منتفع خارجي سمي عقداً، والذي أراه أن الضمان برزخٌ بين العقود والإيقاعات، فما هو الضمان؟

للضمان أقسام:

منه الضمان المالي، كأن يشتري شخص بضاعةً بدين ويضمن ثالث للبائع وفاء المشتري. ومنه الحوالة، بأن يضمن شخصٌ مال شخص ليضمن هو مالاً لثالث. ومنه الكفالة، والتي يكون فيها الضمان للأبدان لا الأموال.

إلا أن كلمة الضمان لو أطلقت لأعطت معنى العقد الأول، بالرغم من شمول اللفظة للمعنيين الآخرين لو استعملت الكلمة مع القرينة الصارفة، فاللفظة عامة ولكنها خصصت للمعنى الأول وبعد التخصيص اشتهرت له ، وليس هذا من قبيل الإنصراف أو الإشتراك اللفظي، بل هو لتبادر اللفظ على المعنى المخصوص.

مثال على ذلك: كلمة الدابة التي تعني كل ما يدب برجله على الأرض ولكنها خصصت في بعض البلاد على الأنعام الأربعة، فصار المتبادر من اللفظة هذه الحيوانات وإن كان إستعمالها لسائر الدواب حقيقياً.

 

جذر الكلمة

بقي أن نتسائل هل الضمان من "الضم" (ضم الشيء إلى مثله) أم من "الضَمن"، وبعبارة أخرى هل النون زائدة أم أصلية؟

قال مشهور العامة أنها من الضم بمعنى ضم ذمةٍ إلى أخرى، أما عندنا فهي من الضمن ومعناه جعل الشيء في الذمة.

واستدل علمائنا للثاني بـأمور:

أولاً: الزيادة خلاف الأصل، فالأصل هو أن لا يكون في الكلمة حروف زائدة، والعرب يتحرون الدقة ليس في الحروف فحسب بل حتى في الحركات.

وتصوري أن دقة العرب لم يكن ناشئاً من فراغ ساكني الصحاري وإنشائهم لتفاصيل اللغة، بل إن دقة اللغة العربية وسعتها ناشءٌ من وجود حضارة لهم الأمر الذي فرض عليهم تطوير اللغة إلى ما هي عليه.

ثانياً: المعروف أن الضمان ليس مجرد ضم ذمة إلى أخرى بل هو تحويل ذمة إلى ذمة أخرى.

وسيكون الحديث في هذا الكتاب منصباً عن الضمان بالمعنى الأخص ومن ثم سيكون الحديث عنه بالمعنى الأعم (الحوالة والكفالة).

ونعتقد أن الضمان يعود – كما ذكرنا- إلى العهد وحرية الإنسان بالتصرف وحيث لابد أن تكون تصرفات الإنسان مؤطرة بإطار الشرع والقيم السامية، كذلك لابد للضمان أن يكون في ذات الإطار.

شروط عقد الضمان

ولمّا كان الضمان عقداً كان مشمولاً بالشروط العامة للعقود مثل أهلية المتعاقدين، إلا أن العلماء يوردون تلك الشروط تذكيراً بها ضمن كل باب، ومن هنا قال المحقق الحلي رضوان الله عليه: "كتاب الضمان‌، الضمان و هو عقد شرع للتعهد بمال أو نفس و التعهد بالمال قد يكون ممن عليه للمضمون عنه مال و قد لا يكون فهنا ثلاثة أقسام‌ القسم الأول في ضمان المال‌ ممن ليس عليه للمضمون عنه مال و هو المسمى بالضمان بقول مطلق"، وهذا هو المعنى الأشهر للضمان، فلو استعمل اللفظ دون قرينة صارفة لكان المقصود منه هذا التعريف كما ذكرنا.

"الأول في الضامن‌: و لا بد أن يكون مكلفا جائز التصرف"، فمن البديهي عدم تكليف من رفع القلم عنه لعدم إمكانه التصرف، ونضيف على ما أفاده المحقق: أن الشرط الأول هو جواز التصرف بأن يكون مسؤولاً عن تصرفاته، وكلمة المسؤولية شائعة على الألسن ومعناها واضح، كما أنها استعملت في القرآن الكريم، وتعني أن الإنسان محاسب على تصرفاته، وبذلك نعرف أن الصبي والمجنون مسلوبي الإرادة فليسا مسؤولَين عن تصرفاتهم، ومن هنا كان عمد الصبي خطأ، ويلحق بهما كل مسلوب إرادة كالمكره و الغاضب الفاقد للسيطرة على عقله وإرادته ـ على قول ـ أو الساهي واللاهي و..

فنحن نربط علة سلب المسؤولية بعدم وجود الإرادة، فأينما كانت الإرادة الحقيقية مسلوبة لرفعنا المسؤولية أيضاً، وربما هذا الأمر يجمع بين الأفراد الذين رفع عنهم النبي صلى الله عليه وآله القلم في حديث الرفع.

قال المحقق: "فلا يصح ضمان الصبي و لا المجنون".

 

ضمان المملوك

"ولو ضمن المملوك لم يصح إلا بإذن مولاه و يثبت ما ضمنه في ذمته لا في كسبه إلا أن يشترطه في الضمان بإذن مولاه".

بلى؛ الحديث عن المملوك حديث شائك، فهل يقدر العبد على الضمان أم لا؟

نقول: إن كان له حق التصرف بأمواله يقدر على الضمان وإلا فلا، فهناك من العبيد من يجيز لهم مولاهم التصرف وتسحب الإجازة هذه إلى الضمان، والله العالم.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo