< قائمة الدروس

آیةالله السید محمدتقی المدرسي

بحث الفقه

37/12/16

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: مقدمات البحث/ كتاب الضمان/ شرائط عقد الضمان/ معلومية أطراف الضمان

 

شرائط عقد الضمان

ثمة شروط مشتركة في العقود كلها، ومنها عقد الضمان، ولكن يكرر الفقهاء تلكم الشروط كلما ذكروا عقداً من العقود وعلينا أن نتبع سيرتهم في ذلك لأن هناك بعض الملاحظات الدقيقة بالنسبة لكل عقد فيما يرتبط بالشرائط.

سبق وأن بينّا الشرط الأساس في عقد الضمان وهو المتعلق بمجري العقد أو الطرف الأساس في العقد وهو "الضامن" بأن يكون مسؤولاً، وبعبارة أخرى أن يكون متمكناً من التصرف، وتصرف الإنسان ناشيء من الحرية التي منحها الله سبحانه إياه كما أنه محدودٌ بالعقل والإرادة ؛ فمن لا عقل له لا يعتد بتصرفه وكذلك مفتقد الإرادة أي مفتقد الحرية، كالمكره والخارج عن طوره بسببٍ من الأسباب، فمثله في لفظه كمثل الصبي والمجنون وكلفظ الساهي والغافل والنائم والخاطئ وغيرهم ممن ذكرهم النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله في حديث الرفع، فلا يعتبر لفظهم لفظاً معتبراً.

 

أولاً: معلومية أطراف العقد

من شروط عقد الضمان معلومية أطرافه وهو لنفي الغرر فيه، وقبل بيان ذلك نقول: أن المفهوم من روح الشرع المقدس ومن آيات القرآن وكلمات النبي وأهل بيته أن هناك شروطاً أساسية في العقود كلها ومنها أن العقد ينبغي أن لا يكون بحيث يثير التنازع، وذلك بأن يكون واضحاً ومبيّنا، وهذا ما ذكره ربنا سبحانه في آية الدين في سورة البقرة، فبالرغم من أن الآية نزلت في موضوع الدين إلا أن هذا الموضوع كمورد لا يخصص الفكرة العامة الموجودة في الآية، فحين يحدثنا الرب سبحانه عن الشهداء قائلاً: ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى‌ وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَ لا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغيراً أَوْ كَبيراً إِلى‌ أَجَلِهِ [1] ومن هنا نعرف أن الهدف من الشهادة الوصول إلى الحق، ولكن ما هي الغاية من الكتابة؟ يذكر الله سبحانه الغاية في كلمات:

أولاً: وجوب رعاية العدالة في كل شيء حتى في المعاملات، فلا يضيع حق هذا أو ذاك، ﴿ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ[2] .

ثانياً: أن يكون العقد موثقاً، بحيث لو حدث تنازع لاحق يكون بمقدور الحاكم أن يقضي بالحق بناءً على البينات، فلو كان الضامن لم يحدد شيئاً في ضمانه كالمضمون له والمضمون عنه ومقدار الضمان لما كان بمقدور القاضي أن يلزمه بشيء، قال الله سبحانه مبيناً ذلك: ﴿وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ الآية.

ثالثاً: من الأمور الأساسية في العقود أن لا تؤدي إلى الشكوك بين الناس وبالتالي إسائة المؤمن الظن بإخوانه، فالعقد لو كان واضحاً وموضحاً ـ بكتابة وغيره ـ لما شكك أحدٌ في مصداقية أخيه، فالقرآن الكريم يهدف إلى تطهير نفوس المؤمنين من أي غلٍّ تجاه بعضهم البعض، قال تعالى: ﴿وَ أَدْنى‌ أَلاَّ تَرْتابُوا الآية.

ومن هنا كان لابد للعقود أن تكون خالية من أي شيء يكون سبباً للتنازع أو إنعدام الثقة، ومنه إبتناء العقد على الغرر، وذلك جاء في حديث المناهي: )أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه واله نَهَى عَنْ بَيْعِ‌ الْغَرَرِ([3] ، وقد روي أيضاً نهيه صلى الله عليه وآله عن الغرر بصورة مطلقة في نص آخر[4] .

الرواية الأولى معتبرة وقد عمل بها الفقهاء، ويمكن أن يستشهد للرواية الثانية بالأولى، بإعتبار أن البيع أساس العقود، وحين نهى النبي صلى الله عليه وآله عن بيع الغرر فكأنما نهى عن الغرر كله.

والغرر كما في الآية قد يكون سبباً للريبة والنزاع وأكل أموال الناس بالباطل، والتخلص منه ينفع في إقامة القسط في المعاملات.

 

معنى الغرر المنهي

ما هو المراد بالغرر، والذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وآله وما هي حدوده؟

الغرر في الواقع حقيقة مشككة، بمعنى أنه يختلف من حالة إلى حالة ومن مفردة إلى أخرى، فالغرر في العقود الحقيرة لا يلتفت إليه، ولكن في العقود الخطيرة يتحرى الإنسان الدقة تخلصاً من الغرر، ومن هنا ينبغي أن يلاحَظ الغرر بحسب الظروف والموارد المختلفة، فلا يمكن لنا أن نطلق حكماً عاماً بشأن الغرر في العقود.

أما فيما يرتبط بمسألة الضمان، فقال الشيخ رضوان الله عليه في المبسوط[5] وتبع الشيخ في قوله المقداد في المحكي عن تنقيحه بوجوب معلومية كل شيء في عقد الضمان، الضامن ـ وهو الأصل ـ والمضمون له والمضمون عنه، فيجب أن يكونوا معلومي النسب والحسب والهوية لئلا تحدث الخلافات.

واستشكل باقي الفقهاء على هذا القول، بالقول أن المعلومية الكاملة بهذه الأمور لا دليل عليه.

نعم؛ ينبغي ألّا يكون المضمون عنه أو المضمون له مردداً بحيث يخل في أصل العقد، فلو كان المضمون عنه مردداً بين إثنين أو أكثر كان بمنزلة المجهول بالمرة، أما لو قال الضامن لأحدهما أضمنك ولم يعلم نسبه أو لم يعرف المضمون له فلا إشكال في ذلك.

واستدل على هذا القول بـأمور:

الأول: عدم الدليل على العلم بهذه الأمور.

الثاني: الجهل بنسب المضمون له أو المضمون عنه لا يؤدي إلى الغرر في المعاملة.

ثالثاً: لم يشترط في عقد البيع – وهو أصل العقود - أن يعرف المتبايعان بعضهما البعض بالتفصيل، فلا يشترط أن يعرف المشتري البائع بعينه، بل لو قام باخذ البضاعة ودفع ثمنها لكفى بعد معرفته بالمالك، دون حاجة إلى معرفة إسم المالك وصفته و.. فإذا كان الأمر في البيع كذلك ففي الضمان أولى[6] .

وفيه: أن هناك مفارقة بين عقد البيع وعقد الضمان، ففي البيع لا يعتبر البيعان ركناً بخلاف الضمان فإن الضامن أحد أركان عقد الضمان كما لا يخفى، ومن هنا فكما يشترط معلومية العوضين في عقد البيع لكونهما ركنا العقد كذلك الحال في أطراف الضمان، لأن الأساس في الضمان هو الذمم وهوية الإنسان وشخصيته، ويرتبط العقد بمدى إحترام الإنسان لنفسه.

وكيف كان؛ فليس هذا الدليل هو الوحيد في المقام، بل يعتضد بما قبله من الأدلة وما بعده وهي النصوص الواردة التي قد يستأنس لنفي إشتراط المعلومية، ومنها: ما روي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَال: )كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي جَنَازَةٍ فَلَمَّا وُضِعَتْ قَالَ صلى الله عليه وآله: "هَلْ عَلَى صَاحِبِكُمْ مِنْ دَيْنٍ؟" قَالُوا: نَعَمْ دِرْهَمَانِ. فَقَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام: هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا لَهُمَا ضَامِنٌ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ عليه السلام فَقَالَ: "جَزَاكَ اللَّهُ عَنِ الْإِسْلَامِ خَيْراً وَ فَكَّ رِهَانَكَ كَمَا فَكَكْتَ رِهَانَ أَخِيكَ"[7] .

وقد استدل البعض بهذه الحادثة على عدم اشتراط العلم بالمضمون له، لكن ذلك لا يستقيم لكونه يستند إلى فعل الإمام عليه السلام وهو مجمل لا يمكن الاستدلال به.

ومنها: ما عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: )احْتُضِرَ عَبْدُ اللَّهِ‌ فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ غُرَمَاؤُهُ فَطَالَبُوهُ بِدَيْنٍ لَهُمْ، فَقَالَ: لَا مَالَ عِنْدِي فَأُعْطِيَكُمْ وَ لَكِنِ ارْضَوْا بِمَا شِئْتُمْ مِنِ ابْنَيْ عَمِّي عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، فَقَالَ الْغُرَمَاءُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ مَلِيٌّ مَطُولٌ وَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام [رَجُلٌ‌] لَا مَالَ لَهُ صَدُوقٌ وَ هُوَ أَحَبُّهُمَا إِلَيْنَا فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: "أَضْمَنُ لَكُمُ الْمَالَ إِلَى غَلَّةٍ" وَلَمْ تَكُنْ لَهُ غَلَّةٌ تَجَمُّلًا، فَقَالَ الْقَوْمُ: قَدْ رَضِينَا وَ ضَمِنَهُ، فَلَمَّا أَتَتِ الْغَلَّةُ أَتَاحَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُ الْمَالَ فَأَدَّاهُ. (

ووجه الإستدلال بالخبر عدم معلومية مقدار الضمان عند الإمام عليه السلام، ولكن في الإستدلال بهذا النص ما عرفت.

ومنها: خبر أَبَانٍ عَنْ فُضَيْلٍ وَ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ:) لَمَّا حَضَرَ مُحَمَّدَ بْنَ‌ أُسَامَةَ الْمَوْتُ دَخَلَ عَلَيْهِ بَنُو هَاشِمٍ فَقَالَ لَهُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ قَرَابَتِي وَ مَنْزِلَتِي مِنْكُمْ وَ عَلَيَّ دَيْنٌ فَأُحِبُّ أَنْ تَقْضُوهُ‌ عَنِّي فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام "ثُلُثُ دَيْنِكَ عَلَيَّ" ثُمَّ سَكَتَ وَسَكَتُوا فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام: "عَلَيَّ دَيْنُكَ كُلُّهُ" ثُمَّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام: "أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَضْمَنَهُ أَوَّلًا إِلَّا كَرَاهَةُ أَنْ يَقُولُوا سَبَقَنَا([8] .

ومنها: عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ) حَضَرَتْ زَيْدَ بْنَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ الْوَفَاةُ فَجَعَلَ يَبْكِي فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ علیه السلام: "مَا يُبْكِيكَ؟" قَالَ يُبْكِينِي أَنَّ عَلَيَّ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ وَ لَمْ أَتْرُكْ لَهَا وَفَاءً. فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام: "لَا تَبْكِ‌ فَهِيَ‌ عَلَيَ‌ وَ أَنْتَ مِنْهَا بَرِي‌ءٌ" فَقَضَاهَا عَنْهُ( [9] .

وفي هذا الحديث نجد أن المضومن له غير معلوم ظاهراً، كذلك هو الأمر في الحديث التالي:

- عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ) دَخَلَ الْحُسَيْنُ عَلَى‌ أُسَامَةَ بْنَ‌ زَيْدٍ وَ هُوَ مَرِيضٌ وَ هُوَ يَقُولُ وَا غَمَّاهْ فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ عليه السلام: "وَ مَا غَمُّكَ يَا أَخِي؟" قَالَ دَيْنِي وَ هُوَ سِتُّونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْحُسَيْنُ: "هُوَ عَلَيَّ" قَالَ إِنِّي أَخْشَى أَنْ أَمُوتَ فَقَالَ الْحُسَيْنُ: "لَنْ تَمُوتَ حَتَّى أَقْضِيَهَا عَنْكَ" قَالَ: فَقَضَاهَا قَبْلَ مَوْتِه([10] ‌.

فتحصل مما ذكر أن ما ذكروه من إشتراط معلومية أطراف الضمان لا دليل عليه، بلى؛ إن كان عدم المعلومية بحيث يوجب الغرر ويكون سببا ً للإختلاف فيشترط، والله العالم.


[2] كلمة أقسط من القسط، والقسط والإقساط هي العدالة التي تتتصل بالحقوق المتبادلة بين الناس.
[6] العروة الوثقی، السید الکاظم الطباطبائی، ج2، ص763.
[10] مناقب آل أبي طالب، ج4، ص65.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo