< قائمة الدروس

آیةالله السید محمدتقی المدرسي

بحث الفقه

37/12/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الشرط العاشر/شروط الضمان/كتاب الضمان

 

"العاشر امتياز الدين و المضمون له و المضمون عنه عند الضامن‌ على وجه يصح معه القصد إلى الضمان و يكفي التميز الواقعي و إن لم يعلمه الضامن فالمضر هو الإبهام و الترديد فلا يصح ضمان أحد الدينين و لو لشخص واحد على شخص واحد على وجه الترديد مع فرض تحقق الدينين و لا ضمان دين أحد الشخصين و لو لواحد و لا ضمان دين لأحد الشخصين و لو على واحد و لو قال ضمنت الدين الذي على فلان و لم يعلم أنه لزيد أو لعمرو أو الدين الذي لفلان و لم يعلم أنه على زيد أو على عمرو صح لأنه متعين واقعا"[1] .

 

لا زال الحديث حول الشروط التي بينها الفقهاء في الضمان، وينبغي أن نكرر ما سبق وأن بيناه بأن هذه الشروط قد لا تكون شروط شرعية بمعنى وجود نصوص من الشارع المقدس عليها، بل قد يكون بعضها شرطاً للضمان بإطلاقه، فلو أجرى المتعاقدين العقد بالإطلاق ومن دون شرط أو قيد وتحديد لكان الإطلاق ينصرف إلى العقد المشترط بهذه الشرائط.

الشرط العاشر: علم الضامن بكل جهات العقد

من تلكم الشرائط التي وقعت محل بحث هي كون الضامن عالماً بمقدار الدين وتمييز المضمون عنه والمضمون له، أما هو فلا بد أن يكون معروفاً بالإتفاق؛ إذ لا يكون الضمان متقوماً دون وجود ضامن معين فهو الأصل في العقد، أما الآخرَين وهما المضمون عنه والمضمون له، هل يجب أن يكونا معروفين بالنسب والحسب للضامن أم لا؟

ومن جهة أخرى هل يجب على المضمون عنه أن يعرف الضامن بهذه التفاصيل بإعتباره سيؤدي عنه وقد لا يليق ضمان الوضيع عن الشريف، أم لا يشترط؟ وكذا المضمون له هل يشترط عليه أن يعرف الضامن ليعرف صلاحيته للضمان أم لا؟

الأقوال في المسألة ثلاثة:

 

القول الأول: المشهور وجوب العلم

المشهور اشترطوا وجوب المعرفة، وذكروا لذلك أسباب منها:

الأول: أن الضمان عقدٌ ويشترك فيه ثلاثة أطراف (الضامن والمضمون عنه والمضمون له) وبالتالي يتحملون جميعاً مسؤولية هذا العقد في منافعه وأضراره.

وقد يختلف الناس في تعاملاتهم بالعقود بحسب الطرف المقابل لهم، فحتى البيع لا يجريه البعض للشخص المجهول، وقد يكون معرفته بالمشتري يحمله على التنازل في الثمن او.. فحيث يختلف الناس في تحديد من يتعاملون معه في العقود المختلفة كالبيع والأجارة و.. كذلك في الضمان لابد أن يكون الأطراف الثلاثة معروفة عند بعضهم البعض.

الثاني: إن عدم المعرفة قد يسبب حرجاً أو ضرراً أو غبناً، أو لا أقل فإنه يؤدي إلى الغرر بالنسبة لأحد الأطراف، فلو عرف المضمون له الضامن لاحتمل عدم رضاه بضمانته لكونه مماطلاً، أو المضمون عنه لكون الضامن وضيعاً وتسبب ضمانته له حرجاً.

القول الثاني: عدم الإشتراط

لكن لصاحب العروة قدس سره رأي آخر وهو المبني على ما ذكر سابقا من عدم وجود دليل على هذا الشرط، وبالتالي فأي شرط لابد أن نعتمد فيه على دليل قاطع وبرهان ساطع، وأصل البرائة ينفي أي شرط إضافي في العقد.

فما دام الضمان يصدق عليه الاطلاق دون هذا الشرط فتشمله آية الوفاء، وما دام العرف رضي بعقدٍ خالٍ منه فليس لنا أن نتدخل.

القول الثالث: التفصيل بين ما يؤدي الى الغرر والضرر وغيره

قال بعضٌ بالتفصيل، فإن تسبب الجهل بأحد الأطراف في الغرر أو الضرر أو الحرج ينتفى العقد والا فلاً، وتفصيل ذلك أن نقول:

قول النبي صلى الله عليه وآله: (لا ضرر ولا ضرار)، ونهيه عن بيع الغرر أو الغرر مطلقاً أو ما أشبه ليس في الأمور الكلية، بل في الأمور الجزئية والتفصيلية، فالوضوء بالماء البارد في الشتاء القارص يختلف حكمه من شخص إلى آخر فمن كان الماء مضراً عليه تحول حكمه إلى التيمم والا لا يتحول.

فالحكم الحرجي ينتفي بالنسبة لمن يتحرج به دون من لا يكون حرجياً عليه، وكذلك الغرر الذي يعني الجهل والمؤثر في البيع فلو تسبب في ضرر أو حرج كان منتفياً وإلا فلا، فلا يمكن إطلاق ذلك على العقود برمتها كما بينّا سابقاً.

 

قال السيد رحمه الله: "و يكفي التميز الواقعي و إن لم يعلمه الضامن فالمضر هو الإبهام و الترديد فلا يصح ضمان أحد الدينين"[2] .

فعدم التعين هو فيما إذا كان التعين لا وجود له في الخارج، كمن يضمن ولا يحدد المضمون عنه ولا المضمون له أو لا يعين أحد الدينين، وقد يكون ضامناً لدينٍ لا يعرف تفاصيله ولكنه دينٌ واحد متعين ومعلومٌ مقداره عند الله، ففي هذا يصح الضمان دون الأول.

"و كذا لو قال ضمنت لك كلما كان لك على الناس أو قال ضمنت عنك كلما كان عليك لكل من كان من الناس".

وينقل السيد اليزدي رحمه الله توسعة لهذا الشرط عن بعض الفقهاء[3] بقوله: "و من الغريب ما عن بعضهم من اعتبار العلم بالمضمون عنه و المضمون له بالوصف و النسب أو العلم باسمهما و نسبهما مع أنه لا دليل عليه أصلا و لم يعتبر ذلك في البيع الذي هو أضيق دائرة من سائر العقود‌"[4] .

واستدل على هذا الإشتراط بأحد أمرين، أولهما الغرر المنهي عنه في النبوي، والثاني الضرر، أما الأول فلا يرتضي السيد اليزدي قدس سره في غير هذا الموضوع عموميته، لأن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن بيع الغرر، أما النهي عن الغرر بإطلاقه فروايته غير موثقة.

وأما الثاني فليس كل جهلٍ بتفاصيل أطراف العقد يؤدي إلى الضرر.

وردّ السيد بعضٌ بأن دليل النهي عن الغرر رغم ضعف الرواية سنداً، الا أنها منجبرة بعمل الفقهاء في غالب أبواب العقود.

نحن نقول: ليس هناك دائماً غرر، ففي الضمانات البنكية الحديثة تكون الأمور واضحة وإن جهل بها المضمون له، نعم؛ كل معاملة ثبت غرريتها تبطل، ولكن ذلك لا يعني إضافة شروط للعقود دون دليل.

 

معرفة مقدار الدين

وفي الفرع ذاته اشترط الفقهاء وجوب العلم بمقدار الدين، لأن عدم معرفة الدين يؤثر في الضمان، فقد يضمن الضامن عن المضمون عنه دينه متصوراً كونه مليون دينار مثلاً، فيتبين بعد ذلك كونه مائة مليون، وكذا لابد من تحديده فلا يصح قول الضامن ضمنت شيئاً من دينك، فما مقدار الشيء؟ والشيء يشمل الواحد بالمائة كما يشمل التسعة والتسعون بالمائة.

وقد ذهب بعض الفقهاء إلى الجواز، فاذا قال أضمن شيئاً من دين فيؤخذ بالأقل، وقال بعضٌ بالأخذ بالمعدل بين الأقل والأكثر.

نحن نرى: كما في اشتراط معرفة أطراف العقد، إذا وصل الجهل بمقدار الدين إلى مرتبة الغرر فنشك في صحة المعاملة، إلا إذا كان الضامن يطلق ويقول أنّى كان مقدار الدين وهو يعرف حدود المعاملات المالية للمضمون عنه إجمالاً فيجوز في هذه الحالة.


[3] وهو الشيخ الطوسي رضوان الله عليه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo