< قائمة الدروس

آیةالله السید محمدتقی المدرسي

بحث الفقه

38/01/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: لزوم عقد الضمان / كتاب الضمان / الدرس الثامن

 

"الضمان لازم من طرف الضامن و المضمون له‌ فلا يجوز للضامن فسخه حتى لو كان بإذن المضمون عنه و تبين إعساره و كذا لا يجوز للمضمون له فسخه و الرجوع على المضمون عنه لكن بشرط ملاءة الضامن حين الضمان..".

 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على اشرف الأنبياء وسيد المرسلين سيدنا وحبيبنا وشفيع ذنوبنا وقائد مسيرتنا محمد وعلى أهل بيته الهداة المرضيين.

لا زلنا في عقد الضمان وهناك بحوثٌ ترتبط بطبيعة هذا العقد نذكرها تباعاً:

 

أولاً: لزوم عقد الضمان

كل عقدٍ لازم إلا ما أستثني، وهذه قاعدة معروفة استدل لها بقول الله سبحانه: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُود[1] ، ومعنى الوفاء الإلتزام به، ولكن قيل أن الآية لا تدل على لزوم العقود جميعاً، بل غاية ما تدل عليه هو ضرورة الوفاء بالعقد بحسب ذات العقد، فالوفاء بالعقد اللازم لازم وبالعقد الجائز جائز.

وهو حق، فالآية عامة وشاملة لكل العقود بما في ذلك العقود الجائزة، فلا يمكن صرفها على مجرد العقود اللازمة، وبذلك نعرف أن الوفاء بكل عقد يكون بحسب العقد من حيث اللزوم والجواز.

أما عقد الضمان، فقد قالوا بأنه عقدٌ لازم عرفاً فلابد من إلتزام طرفيه، ولذلك قالوا بأن الضمان لازم من طرف الضامن والمضمون له، فلا يجوز للضامن الذي أنشأ العقد والتزم به أن يقوم بفسخه حسب رغبته متى ما شاء، وإن كان بإذن المضمون عنه، لأن الضمان هو نقل ذمة لأخرى ــ كما مرّ ــ وبالتالي إفراغٌ لذمة المضمون عنه بإشغال ذمة الضامن، وليس له التملص عن ذلك.

كما ليس للمضمون له أن يرجع إلى المضمون عنه للمطالبة بالدين بعد قبوله بضمان الضامن عن الدين.

 

ثانياً: الخيار في عقد الضمان

بعد ثبوت لزوم عقد الضمان من طرفي الضامن والمضمون له، نتسائل هل أن الضمان عقدٌ لازمٌ دون أن يكون للمتعاقدين أيّ خيار بالفسخ؟ أم أن هناك خيارات لطرفٍ منهما أو للطرفين؟

وهنا يفتح باب الخيارات في العقود وهو بابٌ يتسع لكثير من البحوث والأسئلة، ولديّ شخصياً رؤية خاصة بالنسبة للخيارات وقد تكون ذات الرؤية موجودة عند الكثيرين لكن بصورة غير متبلورة، وقد كتبتها ونختصرها فيما يلي:

ما هو الخيار؟

يبدو لي أن الأصل في الخيارات أو على الأقل أغلبها أنها شرعت تتميماً للإرادة، فحقيقة العقود التراضي بربط ذمة بأخرى والتزامٍ بآخر، وهذا المعنى المستفاد من لفظة "العقد" من الناحية اللغوية أيضاً، فعقد الحبل والقماش هو ربطه بقوة.

والعقد يفتقر إلى الرضا لقوله سبحانه: {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُم‌}[2] ، ولابد أن يكون رضا الطرفين منصبّاً على شيء واحد، فلا عبرة برضا الطرفين إن لم يكن متعلقه مشتركاً.

وقد يكون التراضي على شيءٍ واحد، ولكن رضا طرفٍ منهما يكون ناقصاً يحتاج إلى التتميم، كأن يقول البائع أبيعه شريطة رضا والدي، حيث إشترط الخيار لنفسه بإرجاع المباع حال عدم رضا الوالد، وهذا خيارٌ مشروطٌ صريح، وقد لا يكون كذلك بل يكون شرطاً مفهوم عند العرف، كأن يقدم على شراء أرض والمفترض أنها ملك سكني فتبين لاحقاً أن جنس الأرض ليس ملكاً سكنياً بل زراعي، وبذلك يختل رضاه تجاه العقد، أو يرضى المشتري بأصل العقد ولكنه ينتبه لحدوث غبن من قبل البائع عليه، فيتزعزع رضاه في العقد وهكذا..

في كل هذه الحالات واشباهها أنشئ العقد بناءً على التراضي ولكن الرضا لم يكن أو بان كونه ناقصاً، وبنقص الرضا يكون أمام صاحبه خياران:

الأول: فسخ العقد من رأس وذلك لتخلف الشرط (العرفي أو المصرح).

والثاني: قبول العقد كما هو أو بإجراء بعض التعديلات عليه ( كأخذ الأرش).

وهذا هو الرضا اللاحق المتمم للرضا الناقص الأول، فالخيار يأتي للتتميم الرضا.

إذاً، فالخيارات قائمة على أساس عقلائي وعرفي وأمضاها الشرع المقدس، نعم هناك خيارات أحدثها وأضافها الشارع كخيار المجلس والحيوان.

كما أن هناك خيارات جديدة تضيفها بعض القوانين الوضعية فيما يرتبط ببعض العقود (كعقود العقارات والتسليح و..).

 

الخيار في عقد الضمان

وفيما نحن فيه ــ أي عقد الضمان ــ هل نقول بثبوت الخيارات الجارية في سائر العقود أم لا؟

نعم؛ ما دام الضمان عقد وكل عقد قائم على أساس التراضي، ومادام التراضي قد يقع ناقصاً بإمكاننا تتميمه بالخيار، فليس هناك ضير من ثبوته في الضمان أيضاً.

قلنا بأن حقيقة الخيار تكميل الإرادة والرضا والنية وبالتالي تصحيح وتكميل العقد، ومادامه كذلك نقول بجريانه في كل عقد، ولا نحتاج إلى دليل خاصٍ في كل عقدٍ من العقود يجيز لنا العمل بالخيار.

وهذا الدليل العام الذي بينه الله سبحانه بقوله: ﴿إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُم‌﴾[3] ، فإن لم يكن الرضا في البدء وقدرنا على تحقيقه لاحقاً فهو المراد.

ومثال ذلك ما لو ادعى المضمون له بأنه ظن ملاءة الضامن فتبين إعساره، وأراد فسخ العقد، ففي هذه الحالة لو كان هناك تغرير فعلي وغبن للمضمون له لا يمكننا أن نلزمه بقبول الضمان.

أو تبين للمضمون له أن الضامن رجل يهودي مثلاً ــ رغم ملاءته ــ ولا يرغب المضمون له أن يتعامل مع اليهود أصلاً (وهذا شرط ضمني عند بعض الأعراف)، ولم يكن يعلم بحال الضامن، أما الآن وقد تبين له عدم إسلام الضامن حدث عيب في الإرادة ونقصٌ فيها، ففي هذه الحالة أيضاً وأشباهها يجبر العقد بالخيارات مثل خيار العيب و..

قال المحقق الطباطبائي رضوان الله عليه عن لزوم عقد الضمان ما نصه: (الضمان لازم من طرف الضامن والمضمون له‌ فلا يجوز للضامن فسخه حتى لو كان بإذن المضمون عنه وتبين إعساره و كذا لا يجوز للمضمون له فسخه و الرجوع على المضمون عنه لكن بشرط ملاءة الضامن حين الضمان أو علم المضمون له بإعساره..)[4] .

 

فرع في: أعسار الضامن مع الوفاء

لو تبين إعسار الضامن عند التعاقد، ولكن عند مطالبة المضمون له أوفى بما ضمنه الضامن، فهل للمضمون له الخيار بالفسخ إذ اكان الضامن معسراً حين العقد وكان المضمون له جاهلاً بالإعسار؟

قيل بجواز خيار الفسخ، وقيل بعدم الجواز، لأن العقد تحقق ومضمونه وهو الإيسار عند الوفاء موجود، قال المحقق اليزدي: "بخلاف ما لو كان معسرا حين الضمان و كان جاهلا بإعساره ففي هذه الصورة يجوز له الفسخ على المشهور بل الظاهر عدم الخلاف فيه و يستفاد من بعض الأخبار أيضا"[5] .

بيان ذلك: ضمن زيد عمراً لبكر، وكان أجل الدين بعد ثلاثة أشهر، وزيدٌ الضامن معسر ساعة الضمان، ولكن سيكون موسراً حين بلوغ الأجل ببيع داره مثلاً، وفي هذه الحالة، هل لبكر (المضمون له) أن يفسخ العقد ــ وكان جاهلا بالإعسار ـ بعد علمه بإعسار زيد سابقا؟

ذهب صاحب العروة الى جواز الفسخ مدعياً عدم الخلاف فيه، والذي يبدو لي أن القول بعدم الخيار للفسخ أولى، لإن الإرادة لم تكن معيبة ومخدوشة بشيء، لما ذكرنا أن الخيار شرّع لرفع الغبن عن المتعاقدين وتتميم رضاهم، أما الآن حيث لا عيب في الإرادة كيف لنا أن نثبت الخيار؟ إلا اللهم أن نقول بجواز الخيار بالإستصحاب، ولذا استشكل المحشين[6] على ما ذكره، فالمسألة خلافية.

أما ما ذكره من النص فلا يوجد نص في هذا الباب وهناك رواية مجملة لا يمكن الإستدلال بها والله العالم.

 

فرع في: مماطلة الضامن

وهل يلحق بجواز الخيار بتبين إعسار الضامن ثبوت كونه مماطلاً مع يساره؟ أم لا؟

فلو ضمن زيدٌ وكان مماطلاً لا يقوم بالوفاء بسهولة عدّ ذلك عيب فيه سوى عيب الإعسار، أو كان في الضامن عيب آخر ككونه قوياً لا يمكن مجاراته فيما لو ماطل، أو أي شيء يعتبره العرف عيباً، ويضر بالمضمون له فهل للمضمون له خيار الفسخ أم لا؟ وجهان، والأقوى ثبوت الخيار له تتميماً للرضا المعيب والله العالم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.


[5] المصدر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo