< قائمة الدروس

آیةالله السید محمدتقی المدرسي

بحث الفقه

38/01/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الهبة والإبراء/كتاب الضمان

 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.

 

مسائل في الضمان

قلنا أن الضامن إنما يرجع إلى المضمون عنه بمقدار ما يدفع للمضمون له، أما إذا كان ما دفعه أقل من أصل الدين فلا يرجع إلى المضمون عنه إلا بمقدار ما دفع، وبينّا الأدلة في ذلك في البحث السابق، وهنا مسائل تتفرع عن هذه المسألة ويذكرها العلامة الطباطبائي في العروة منها:

 

إبراء المضمون له:

لو أبرء المضمون له بعضاً من الدين للضامن، فلا يرجع الضامن إلى المضمون عنه إلا بمقدار ما دفع للمضمون له، لإن الإبراء في حقيقة الأمر هو إبراء الدين، والدين مشترك بين ذمة المضمون عنه التي كانت مشغولة وهي الأصلية وعليها قرار الضمان حسب تعبير الفقهاء، وبين ذمة الضامن التي هي ذمة تابعة لذمة المضمون عنه.

 

إسقاط الدين بغير الإبراء

لو علم الضامن اشتغال ذمة المضمون له بحقوق شرعية كالخمس والزكاة و.. وكان مستحقاً لمصرفها، وطالب المضمون له أن يحسب ما يطلبه حقاً شرعياً خمسٍ أو صدقة أو أي شيء أخر، ففي هذه الحالة هل يرجع الضامن إلى المضمون عنه؟

قالوا بلى، يرجع عليه، لأن الخمس أو الصدقة هي بمثابة مالٍ للضامن، وكأنه هو (الضامن) أخذ خمس مال المضمون له أو غيره ثم دفعها له، فهو (الضامن) يرجع إلى المضمون عنه بمقدار الدين.

 

استيهاب الدين

ومثل ذلك لو وهب المضمون له ما يطلبه للضامن، وفي هذا الفرع هناك تردد، فقال البعض بأن الهبة كالإبراء وهي نوعٌ منه، فلا يجوز الرجوع على المضمون عنه، وقال البعض أن الهبة كإحتساب الدين خمساً ولا فرق بينهما، فله الرجوع إلى المضمون عنه.

أما السيد اليزدي قدس سره فلم يبين رأيه في المسألة مكتفياً بقوله (وجهان) اما المعلقون فاختلفوا فيما بينهم أيضاً.

ولنا نوع من التفصيل في المسألة ومن أجل بيانه نقول: للمعاملات جوهر ومظهر، وفي الفقه ينبغي لنا أن ندرس الجوهر دون المظهر، فالربا – مثلاً - محرّم، وأي معاملة كان جوهرها الربا وإن كان مظهرها مغايراً للربا فهي محرمة، وكذا في باب القضاء لابد للقاضي أن يميز بين المدعي والمنكر بدقة فقد يقيم المدعي نفسه مقام المنكر في الظاهر، ولا يصح التماشي مع الظاهر.

فبالرغم من أن بعض الفقهاء قالوا بالحكم بناء على الظاهر والسير على أساسه دون الإهتمام بالجوهر، مثل السيد السبزواري قدس سره الذي يعتبر المظهر أساس الحكم حتى في تغيير مظهر الربا تحت عنوان الفرار من الحرام إلى الحلال، أقول بالرغم من ذلك، إلا أننا نقول أن الأصل هو الجوهر وعليه الإعتماد.

وفيما نحن فيه ما هو جوهر الهبة؟

لو افترضنا عدم ضامنية الضامن أو كونه ميدوناً للمضمون له، هل كان المضمون له يقدم له هبة؟ أم لأنه كذلك قام المضمون له بهبته الدين أو جزءاً منه فيكون بمنزلة الإبراء؟

فإذا كان على النحو الأول، اي الهبة مستقلة ولا شأن له بالعقد، له أن يرجع على المضمون عنه، أما إذا كانت لأجل الضمان فهي بمنزلة الإبراء.

ومن هنا نعرف صحة الوجهين، ولكن كلٌ بحسب الحالة ونية المضمون له.

 

وراثة الحق

ومن المسائل المتفرعة أيضاً: ما لو كان الضامن قريباً للمضمون له، كأن يكون الضامن إبن المضمون له، ثم مات الأب (المضمون له) و ورثه الضامن، فيكون الدين له، فهل يرجع الضامن على المضمون عنه لأخذ الدين؟

ذهب صاحب العروة إلى الرجوع، أي يحق للضامن أن يرجع للمضمون عنه، لأن الإرث فائدة جديدة يحصل عليها الضامن، فلو لم يكن ضامناً لكان قد حصل على ذلك المال.

واستشكل بعض الفقهاء المعلقين على العروة على قول السيد[1] ، ملحقين المسألة إلى الإبراء، وقد استغرب بعضهم من تفريق السيد بين المسألة وبين مسألة الهبة.

ونحن مع السيد الطباطبائي في جواز الرجوع بالإرث، قال قدس سره: (و لو مات المضمون له فورثه الضامن لم يسق جواز الرجوع به على المضمون عنه‌)[2] .

 

سقوط الدين بالمصالحة

لو صالح الضامن المضمون له على الدين، وقبل المضمون له بنصف الدين، فهل يرجع على المضمون عنه بمقدار الدين أم بمقدار ما صالح عليه؟

ليس له أن يأخذ من المضمون عنه إلا بما صالح عليه، وكأنّ المضمون له هو الذي تصالح مع المضمون عليه، وفي هذا الفرع نصوص خاصة نبينها ثم نشير إلى بعض النقاط:

     موثقة عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ ضَمَّنَ عَلَى رَجُلٍ ضَمَاناً ثُمَّ صَالَحَ عَلَيْهِ؟ قَالَ : "لَيْسَ‌ لَهُ‌ إِلَّا الَّذِي‌ صَالَحَ‌ عَلَيْهِ".

وهناك رواية أخرى، وبالرغم من عدم ورودها في المقام إلا أن فيها دلالة على المطلوب:

     عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ عَنِ الْحُسَيْنِ‌ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ علیه السلام جُعِلْتُ فِدَاكَ قَوْلُ‌ النَّاسِ‌ الضَّامِنُ‌ غَارِمٌ‌ قَالَ فَقَالَ : "لَيْسَ عَلَى الضَّامِنِ غُرْمٌ الْغُرْمُ عَلَى مَنْ أَكَلَ الْمَال".‌

فالضمان هو على من انتفع وأكل المال، ومثل هذا المعنى نجده في قول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله : (الخراج بالضمان)[3] ، والقاعدة المشهورة: من له الغنم فعليه الغرم.

فالضمان النهائي هو على من انتفع بالمال، وهو المضمون عنه.

وهاتان الروايتان تنفعان في أكثر من مورد، ولكن السؤال هل هما مطابقتان لمقتضى القواعد أم لا؟

يقول صاحب العروة أنها بخلاف القاعدة، قال قدس سره : (بعد كون الحكم على خلاف القاعدة)[4] .

ولكن لا ندري لمَ جعل العلامة الحكم على خلاف القاعدة؟ فالقاعدة الأساسية أن الضامن يأخذ ما دفع وبمقدار ما دفع وليس له الحصول على الزيادة، فأخذ الضامن للزيادة يكون في قبال ماذا؟

ما وجه الأخذ، وهل هو أكلٌ للمال بحق أم بباطل؟

يبدو أنه ليس أكلاً بالحق إذ ليس في مقابله شيء إلا إذا اعتبرنا أن نفس الضمان هو عمل يستحق عليه المال.

فالقاعدة: لكي لا يكون اكلٌ للمال بالباطل فلابد أن يأخذ الضامن مقدار ما أعطى، وبالتالي فالروايات لا تكون على خلاف القاعدة، على أن الرواية الأولى صريحة بقوله عليه السلام: (ليس له إلا ما صالح عليه).

وعلى أي حال سواء كان الحكم خلاف القاعدة أو وفقها فالرواية مستحكمة والإجماع واضح، فنقول: ليس للضامن أن يأخذ من المضمون عنه إلا مقدار ما دفعه، والله العالم.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo